حين يصبح الجواز اليمني دليلاً على غياب الدولة

     
العاصفة نيوز             عدد المشاهدات : 56 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
حين يصبح الجواز اليمني دليلاً على غياب الدولة

العاصفة نيوز/قاسم الهارش:

في بلدٍ يعاني من تشظّي السيادة، وتعدُّد مراكز القرار، وعجز مؤسسات الدولة عن أداء وظائفها، لم يكن القرار الذي أصدرته الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب بحظر دخول المواطنين اليمنيين إلى أراضي الولايات المتحدة مجرد إجراء أمني ضمن سياسة الهجرة، بل مثّل هذا القرار صفعة دبلوماسية قاسية، عكست تراجعاً واضحاً في مستوى الثقة الدولية بالحكومة اليمنية الشرعية، وكشفاً غير معلن عن هشاشة مؤسساتها، وفقدانها لأهم مقوّمات الدولة: السيادة والكفاءة.

القرار الأمريكي، رغم غلافه الأمني، حمل بين سطوره رسالة سياسية صريحة: الحكومة اليمنية لم تعد شريكاً موثوقاً في إدارة الأمن الدولي، ولا كياناً قادراً على القيام بوظائف الدولة الحديثة. وهذه الرسالة لم تكن موجهة لليمن فقط، بل وصلت أصداؤها إلى عواصم القرار العربي والإقليمي والدولي، لتفتح الباب أمام إعادة تقييم شكل العلاقة مع “الشرعية” اليمنية.

اقرأ المزيد...

برنامج الأغذية العالمي: عدة مناطق في جنوب الخرطوم عُرضة لخطر

10 يونيو، 2025 ( 3:36 مساءً )

انهيار منجم ذهب على رؤوس سبعة أشخاص في حجة

10 يونيو، 2025 ( 3:28 مساءً )

وصف الإدارة الأمريكية للحكومة اليمنية بأنها “تفتقر للكفاءة” ليس مجرد توصيف بيروقراطي عابر، بل هو اتهام سياسي بالغ الخطورة. فالكفاءة، في لغة العلاقات الدولية، تعني قدرة الدولة على إدارة مؤسساتها، وضبط أمنها، وتقديم خدماتها، ومراقبة حدودها. وعندما تُنفى هذه الكفاءة، تبدأ شرعية الدولة في التآكل، أولاً في نظر مواطنيها، ثم في أنظار العالم.

لقد بدأت بعض العواصم العربية تتعامل مع الحكومة اليمنية بحذر متزايد، وتراجعت مستويات الدعم، وضعفت مرونة التنسيق. الاعتراف الرسمي ما يزال قائماً شكلياً، لكنه أصبح محاطاً بشكوك عميقة، خاصة في ظل استمرار الانقسام السياسي والمؤسسي، وغياب القيادة الموحدة.

أخطر ما جاء في المبررات الأمريكية كان التشكيك العلني في الوثائق الرسمية اليمنية، وفي مقدمتها جواز السفر. حين تفقد الوثيقة الرسمية الأولى للمواطن ثقة الدول الكبرى، فإن ذلك لا يُعدّ فقط ضربةً لكرامة اليمني، بل نسفاً لرمزية السيادة، وتشكيكاً مباشراً في الجهة التي تصدر تلك الوثيقة، أي الحكومة اليمنية الشرعية.

وقد انعكست هذه الأزمة بسرعة على الأرض؛ فبعض الدول العربية شدّدت إجراءات منح التأشيرات، وطالبت بموافقات أمنية مسبقة، ومددت فترات الانتظار، وأحياناً رفضت الجواز اليمني دون مبررات واضحة. هكذا وجد اليمني نفسه محاصراً، يحمل جوازاً يُفترض أن يفتح له العالم، فإذا به يُغلق في وجهه كل الأبواب، وكأنّ هذه الوثيقة أصبحت عبئاً لا دليلاً على الهوية والانتماء.

حين تقول دولة بحجم الولايات المتحدة إن الحكومة اليمنية “لا تسيطر على أراضيها”، فإنها لا تدلي بتقرير أمني فحسب، بل تصدر تقييماً سياسياً حاداً يشكك في وجود الدولة نفسها. فالدولة، في أبسط تعريف، هي كيان يملك السيطرة على أرضه وشعبه ومؤسساته. وإذا غابت هذه السيطرة، فإن باقي العناصر تبدأ في الانهيار تباعاً.

هذا الواقع يُضعف من موقع الحكومة في المحافل الدولية، ويُغري بعض الأطراف الدولية والإقليمية بالتعامل مع سلطات الأمر الواقع، لا عن اقتناع بشرعيتها، بل بحكم “الواقعية السياسية”. كما أنه يُهدد علاقة اليمن بدول الجوار، التي لم تعد ترى فائدة من دعم حكومة لا تملك قرار المنافذ، ولا السيادة الأمنية على الأرض.

لم يكن الجواز اليمني يوماً مجرد وثيقة سفر، بل كان رمزاً لوجود دولة، واعترافاً بمواطنة، وشهادة على سيادة. ولكن حين تفقد هذه الوثيقة قيمتها، فإن مؤسسات الدولة تصبح على المحك، وتجد الحكومة نفسها عاجزة عن حماية أبسط رموز وجودها.

فما الذي يعنيه أن تُشكك دول كبرى في جواز صادر من جهة شرعية؟ يعني ببساطة أن هذه الجهة لا تملك قدرة السيطرة على إصدار الوثائق، ولا تضمن نزاهتها، ولا تراقب منافذها، ولا تستطيع منع التزوير والتلاعب وتعديل البيانات. وهذا ليس تفصيلاً إدارياً، بل ضربة في صميم مفهوم الشرعية نفسه.

وتثور هنا أسئلة محورية:

لماذا لم يتم نقل المركز الرئيسي للجوازات إلى العاصمة المؤقتة عدن من قبل وزارة الداخلية، ممثلة برئاسة مصلحة الهجرة والجوازات، بشكل كامل، مع إنشاء مركز بيانات خارجي احتياطي يحمي معلومات المواطنين في حال حدوث كوارث أو هجمات سيبرانية؟

لماذا لم يُنجز مجلس القيادة الرئاسي هيكلة وطنية موحدة تُنهي الانقسام في القوات المسلحة والأمن تحت مظلتي وزارتي الدفاع والداخلية؟

ولماذا لا تتواجد الحكومة بشكل دائم على الأرض، حتى في المناطق التي تصفها بـ”المحررة”؟

هذه الأسئلة لا تتعلق فقط بالجواز، بل تمس هيبة الدولة، ومفهوم الشرعية، وقدرتها على الفعل السيادي. فتعدُّد مراكز القرار، وغياب القيادة الموحدة، وتشتت السيطرة الأمنية، كلها مؤشرات على تآكل التماسك الداخلي للشرعية، وقرب فقدانها غطاءها الدولي الفعلي.

القرار الأمريكي لا يزال يُستخدم كمرجع دبلوماسي في تقييم الحالة اليمنية، وقد يتحول، إن لم يتم تدارك الأمور، إلى نقطة انطلاق لسحب الاعتراف الفعلي بالحكومة، حتى لو بقي الاعتراف الشكلي قائماً على الورق.

لا أحد يحمي شرعية لا تحمي نفسها. لن يقاتل العالم من أجل حكومة لا تقاتل من أجل مواطنيها، ولن يدافع أحد عن دولة لا تدافع عن وثائقها، ولا تبسط سيادتها، ولا تُثبت كفاءتها.

فالسيادة لا تُمنح، بل تُنتزع بالحضور، وتُثبت بالكفاءة، وتُصان بالثقة.

فالجواز اليمني ليس مجرد ورقة، إنه الاختبار الأخير لوجود الدولة. وإذا سقط، سقطت معه آخر أعمدة السيادة.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

بينما يترقب العالم موقفه من الحرب مع إيران.. ترامب يصدر إعلانا مفاجئا!

جهينة يمن | 492 قراءة 

فتح طريق عقبة القنذع بين شبوة والبيضاء لتخفيف معاناة المواطنين وتعزيز الحركة التجارية

صدى الجنوب | 438 قراءة 

فتح طريق عقبة القنذع خطوة إنسانية لتعزيز التواصل وتخفيف معاناة المواطنين بين شبوة والبيضاء

صدى الجنوب | 382 قراءة 

ترامب يوجه إهانة لبوتين بسبب إيران

جهينة يمن | 375 قراءة 

الشهر الجاري...ليلى عبد اللطيف تتوقع كارثة تضرب السعودية

جهينة يمن | 345 قراءة 

سيناريوهات المواجهة بين طهران وواشنطن...طبول الحرب تُقرع في الخليج

جهينة يمن | 324 قراءة 

تزوجت 100 قيادي زواج متعة.. القصة الكاملة للجاسوسة الإسرائيلية التي هزّت إيران

بوابتي | 307 قراءة 

أول تعليق من كوريا الشمالية عن الهجوم الإسرائيلي على إيران

عدن تايم | 268 قراءة 

نداء عاجل لإنقاذ فنان يمني  كبير يصارع المرض..الاسم

المرصد برس | 260 قراءة 

من غرفة الأسرار إلى قلب النظام: القصة الكاملة للجاسوسة التي هزّت إيران

المرصد برس | 206 قراءة