البديل الحوثي للبنان...

     
عدن تايم             عدد المشاهدات : 131 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
البديل الحوثي للبنان...

يشبه الحوثيّون مُلاكماً كلّما عزم على توجيه ضربة إلى خصمه انهالت عليه ضربات الخصم المُهلكة. لكنّه، على رغم انكسار أنفه وانقلاع عينه وهطول الدم منه مدراراً، ظلّ يأبى النزول عن الحلبة.

سلوكٌ كهذا يحيطه الممانعون بكلّ التمجيد والإكبار. فبقاء الحوثيّين على الحلبة بالشروط الموصوفة أعلاه إنّما هو، في عرفهم، شرف وكرامة ودفاع عن غزّة وتضامن مع فلسطين. أمّا الإنجازات الفعليّة التي تكافئ تضحية الحوثيّين ببلدهم وشعبهم فلا تتعدّى إطلاق صاروخ غالباً ما يُعتَرَض، أو دفع إسرائيليّين إلى إطلاق صفّارات إنذار، أو إنزالهم مدّة ساعة إلى الملجأ، أو في الحدّ الأقصى، تهديد الملاحة الدوليّة... طبعاً «من أجل فلسطين»! لكنّ النتائج، في الأحوال جميعاً، غير مهمّة قياساً بالسعي والمبادرة والنيّة.

وفي كلّ يوم يطالعنا وجهٌ من وجوه «حزب الله» ولفيفه الممانع يأخذ على الدولة اللبنانيّة تقاعُسها عن المسؤوليّة ورضوخها للاحتلال. وغالباً ما يترافق هذا التشهير مع تشهير آخر بكلّ تعويل على السياسة والديبلوماسيّة في مواجهة الإسرائيليّين. لكنْ لمّا كان الحزب نفسه يئنّ تحت وطأة هزيمة عسكريّة موجعة، فيما الجيش اللبنانيّ غير مؤهّل لمواجهات من هذا الصنف، ولمّا كان المجتمع اللبنانيّ بأكثريّته الكبرى عازفاً عن الحروب، غير مقتنع بجدواها، بات البديل الحوثيّ للبنان هو بالضبط ما يقترحه هؤلاء المشهّرون. هكذا لا يبقى سوى الاستهانة بحياة أبناء شعبهم فيما يمضي «التضامن» مع غزّة وفلسطين بلا أيّ تأثير على معاناة الغزيّين وعموم الفلسطينيّين. فوق هذا، يعاد اختراع لبنان بلداً نافراً في محيطه وفي العالم، تماماً كما هي حال الرقعة اليمنيّة التي يحكمها الحوثيّون على نحو غرائبيّ.

والحوثيّة تعني، في ما تعنيه، اشتقاق المجد البطوليّ المزعوم من العجز والتصدّع اللذين أنتجهما انشقاق البلد وحربه الأهليّة وتجويع سكّانه، وبالتالي استمداد القوّة، أو ما يتراءى أنّه قوّةٌ، من ضعف يستحيل التستّر عليه وكتمانه. فالميل الحربيّ ذو البعد الانتحاريّ هو ما تلده الحال البائسة لنظام لا تُبقيه على قيد الحياة إلاّ الحرب. فإذا قضت عليه تلك الحرب يكون قد أتمّ واجبه بأن سقط شهيداً على نحو يُصوَّرُ موتاً بطوليّاً.

وربّما كان في الأمر بُعد ضامر آخر هو الدفاع عن عالم وماضٍ باتا مستحيلين، هما، في هذه الحالة، الإمامة الحميديّة التي أطاحها انقلاب عسكريّ في 1962 واستمات الحوثيّون دفاعاً عنها.

وفي الدفاع عن عالم وماضٍ ميّتين كان الروائيّ اليابانيّ يوكيو ميشيما قد أنهى حياته في 1970 عبر موت بطوليّ وطقسيّ دفعه إليه ولاؤه لليابان القديمة التي «لوّثها» التحديث والتغريب. فعلى رأس أربعة انتحاريّين مثله نفّذ عمليّة انقلابيّة توهّم أنّها تعيد بلاده إلى ماضيها المقدّس. فحين فشلت تجربةٌ لم يكن مقدّراً لها إلاّ أن تفشل، ألقى خطبة عصماء وقطّع أحشاءه.

كذلك كان الانتحار الجماعيّ الذي حلّ بـ»معبد الشعب» في جونزتاون بغويانا عام 1978. فهناك أريدَ تطبيق تعاليم فرقة دينيّة مهووسة، ودُفع ذاك التطبيق حتّى نهاياته القصوى. يومذاك تعدّى رقم الضحايا الـ900 شخص، كانت نسبة معتبرة منهم أطفالاً سُمّموا «إرضاءً لله».

ووفق صور خرافيّة كهذه عن العالم، تنحسر أهميّة التمسّك بالحياة، والسعي وراء نموذج أفضل من نماذجها. فالوحش أو الشرّ لنا بالمرصاد، لا تردعه سياسة ولا ديبلوماسيّة ولا شيء آخر نفعله. هكذا لا يبقى لنا إلاّ أن نصرخ: طاب الموت، تماماً كما صرخ الحوثيّون ويصرخون.

وفي موازاة العدّ العكسيّ نحو موت موصوف بالبطوليّة، يحوّل الحوثيّون الرقعة الجغرافيّة التي يسيطرون عليها إلى أضحية على مذبح النظام الإيرانيّ بوصفه الطوطم الأعلى الذي يطيب الموت دفاعاً عن مصالحه. هكذا يغدو البديل الحوثيّ للبنان واللبنانيّين أقرب إلى دعوة للإقبال على الموت كرمى لمصالح الدولة الإيرانيّة ولعدد من الحسابات المجنونة الأخرى. وكان «حزب الله»، إبّان قوّته، مؤسّس هذه المدرسة التي ورث الحوثيّون تعاليمها حتّى باتوا السبّاقين في سباق الممانعين العرب إلى موت مجّانيّ.

والحال أنّ للتفكير الخرافيّ هذا أصولاً دفعتها الحرب الأخيرة نحو محطّة أشدّ احتداماً ودراميّة وخطورة. ذاك أنّ اللبنانيّين عُرضت عليهم، في عقود سابقة، نماذج طُلب منهم أن يقتدوا بها. هكذا اقترح البعثيّون عليهم نموذجي سوريّا والعراق البعثيّين، واقترح الشيوعيّون نماذج كانت تنتشر ما بين اليمن الجنوبيّ وبلغاريا وكوريا الشماليّة، وبالطبع مكث النموذج الإيرانيّ الخمينيّ نموذجاً أمثل يلوّح به الخمينيّون...

ولربّما كان الفارق بين البديل الحوثيّ والبدائل السابقة أنّ الموت، هذه المرّة، أضمن وأسرع بلا قياس.

* نقلا عن " الشرق الأوسط"


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

بنك كبيرفي عدن  يفاجئ الأسواق ويحدد سعر صرف الدولار

المرصد برس | 1033 قراءة 

ارتفاع طفيف في أسعار الدولار والريال السعودي مقابل الريال اليمني بأسواق عدن الأحد 3 أغسطس 2025

عدن نيوز | 750 قراءة 

مباشر من محلات الصرافه .. أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية..!

عناوين بوست | 717 قراءة 

انخفاض مفاجئ في أسعار الدجاج بعدن ينعش الأسواق

نيوز لاين | 643 قراءة 

في القاهرة.. نجل الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح يحتفل بزفافه وسط حضور سياسي واجتماعي بارز

يني يمن | 640 قراءة 

دولة عظمى تقف خلف تعافي الريال اليمني.. هددت كبار الصرافين ومصدر حكومي يكشف الكواليس

نيوز لاين | 635 قراءة 

عاجل:هيوط جديد باسعار الصرف الان

كريتر سكاي | 602 قراءة 

ارتفاع طفيف لأسعار الصرف صباح اليوم الأحد

نافذة اليمن | 461 قراءة 

مسؤول حكومي يكشف خفايا تعافي العملة اليمنية

المرصد برس | 415 قراءة 

الريال اليمني يستعيد ثلث قيمته وسط سعي حكومي لضبط الأسعار

سما نيوز | 352 قراءة