مشاهدات
تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى القاهرة، اليوم الاثنين، ولقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية بدر عبد العاطي في توقيت شديد الحساسية، بحسب ما تصفه مصادر دبلوماسية مصرية، كاشفة عن رسائل متعدّدة باتجاه الخليج والولايات المتحدة الأميركية، من وراء الاستقبال المصري للضيف الإيراني.
توتر مكتوم مع السعودية والإمارات وما يلي أسبابه
قال مصدر دبلوماسي مصري، فضّل عدم نشر اسمه، إن عراقجي طلب الزيارة منذ فترة، والقاهرة كانت تعلق الرد على الطلب الإيراني في هذا الشأن، قبل أن تخطر طهران بتحديد الموعد، مضيفاً أنّ "قبول مصر الزيارة في حدّ ذاته في هذا التوقيت رسالة في أكثر من اتجاه، أهمها الاتجاه الأميركي، ويليها الاتجاه الخليجي، في ظل توتر مكتوم في العلاقات لأسباب عدّة".
وأوضح الدبلوماسي المصري أن الفترة الأخيرة شهدت عزوفاً خليجياً عن تقديم يد العون للقاهرة بشأن مطالب اقتصادية قدمتها مصر مؤخراً، في ظل استحقاقات اقتصادية، وحلول توقيتات فوائد ديون خلال النصف الأول من العام الجاري، مشيراً إلى أنه كانت هناك مفاوضات جارية بين مصر والمملكة العربية السعودية بشأن صفقات استحواذ اقتصادية، قبل أن يقوم الجانب السعودي بإرجاء المفاوضات بشأنها بدون إبداء أسباب، وهو ما دفع القاهرة، للبحث عن مسارات بديلة.
ولفت المصدر إلى أن الفترة الراهنة تشهد تباينات متعددة في وجهات النظر بين القاهرة والرياض، بشأن عدد من ملفات المنطقة، وهو ما كان سبباً رئيسياً في عدم دعوة الرئيس المصري إلى الرياض خلال زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة الشهر الماضي. وكشف الدبلوماسي المصري، أن الرسائل لا تقف عند المملكة العربية السعودية فحسب، لكن تتجه أيضاً إلى الشريك الإماراتي، في ظل ما يمكن وصفه بخلافات واضحة، متعلقة بملفات في الإقليم أبرزها سد النهضة، موضحاً "هناك خلاف حاد في العلاقات بعدما اكتشفت القاهرة مؤخراً، اتفاقاً إثيوبياً إماراتياً على تمويل أبوظبي إنشاء سدين جديدين على نهر النيل، من شأنهما أن يسبّبا أضراراً بسدّ النهضة والأمن المائي المصري".
وتابع الدبلوماسي المصري "الخلافات مع الجانب الإماراتي، تمتد أيضاً إلى الملف السوداني، إذ جرت مناقشات مصرية إماراتية مباشرة في هذا السياق مؤخراً، أكد خلالها الجانب الإماراتي عزمَه عدم التراجع عن دعم قوات الدعم السريع"، كاشفاً أن "مسؤولين رفيعي المستوى في الإمارات أكدوا لنظرائهم في القاهرة، أن الحل هو التوصل لصيغة تحقق مصالح الطرفَين في السودان، حتى لا يضطر الجميع للخسارة"، في ظل تمسك أبوظبي بعدم التراجع عن مسارها.
وقال الدبلوماسي المصري إن "جولة الرئيس الأميركي الأخيرة في المنطقة كانت فارقة، بشأن علاقات مصر مع شريكيها في الخليج السعودية والإمارات، إذ كان هناك تعويل مصري على دعوة القاهرة من أيّ منهما للقاء ترامب، في ظل عدم الرغبة المصرية في زيارة البيت الأبيض، وسط الأجواء المتوترة عقب رفض القاهرة مطالب عدّة للرئيس الأميركي دونالد وأهمها القبول بخطة التهجير"، المصادر نفسها أشارت أيضاً إلى "خلافات واسعة، بين مصر والإمارات في الوقت الحالي بشأن الملف الليبي، في ظل تصاعد التوترات في ليبيا مؤخراً، وسط تحركات معاكسة من جانب الإمارات في هذا الملف"، على حدّ تعبير المصدر.
رسائل باتجاه واشنطن
من جهته، كشف دبلوماسي مصري آخر، مطلع على ملف العلاقات المصرية الأميركية، أن زيارة عراقجي للقاهرة في هذا التوقيت لا تخلو من رسالة، إلى الولايات المتحدة الأميركية، في ظل محاولات واشنطن تهميش دور القاهرة، في القضايا الأبرز في الإقليم وأهمها الوضع في قطاع غزة. وأوضح المصدر أن الأمر لا يمكن وصفه سوى أنه رسالة خاصة إذا ما اقترن بزيارة مرتقبة للرئيس الصيني تشي جين بينغ إلى القاهرة منتصف الشهر الجاري، موضحاً أن هناك استياء مصرياً بالغاً جراء حالة التهميش الحاصل.
وكشف الدبلوماسي المصري، أن هناك اتجاهاً لاتخاذ خطوة جديدة في ترفيع العلاقات بين القاهرة وطهران، قائلاً "إنّ تلك الخطوة لن تصل إلى مستوى تطبيع العلاقات، لكنّها تعد رسالة عبر إجراءات دبلوماسية تهدف لنقل العلاقات بين البلدين خطوة إلى الأمام على صعيد الشراكات الاقتصادية والتعاون التجاري"، كما كشف الدبلوماسي المصري أن القاهرة تلقت مؤخراً تطمينات إيرانية بشأن الوضع الأمني في الإقليم، وتدخل لدى الحوثيين في اليمن، لتخفيف حدة الأوضاع في البحر الأحمر، وفي المقابل، أكّدت مصر على رفضها الكامل لأيّ حلول عسكرية للتعامل مع الملف النووي الإيراني.
السيسي يلتقي عراقي وغروسي: تحذير من حرب إقليمية
واستقبل الرئيس المصري اليوم، كلاً من وزير الخارجية الإيراني، ومدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي، في لقاءين منفصلَين بحضور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين في الخارج، واللواء حسن رشاد رئيس جهاز المخابرات العامة. ونقل وزير الخارجية الإيراني، رسالة شفهية إلى السيسي من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، تتضمن تأكيدَ أهمية تطوير العلاقات بين القاهرة وطهران، وهو ما ثمّنه السيسي، مشيراً إلى انفتاح مصر على استكشاف آفاق التعاون المشترك بين البلدين.
وأكد السيسي، خلال لقائه عراقجي، موقفَ مصر الرافض لتوسيع دائرة الصراع في المنطقة، محذراً من مخاطر انزلاق الشرق الأوسط إلى حرب إقليمية شاملة ستكون لها تداعيات كارثية على شعوب ودول المنطقة، كما شدّد على ضرورة وقف إطلاق النار الفوري في قطاع غزة، وتسريع دخول المساعدات الإنسانية، إلى جانب تأكيده ضرورةَ عودة الملاحة الدولية إلى طبيعتها في مضيق باب المندب والبحر الأحمر. من جانبه، عبّر وزير الخارجية الإيراني عن تقدير بلاده للدور المصري في استعادة الاستقرار الإقليمي، مؤكداً أهمية استمرار التنسيق والتشاور بين الجانبَين.
وفي سياق متصل، التقى السيسي بمدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ أكد تقديرَ مصر للدور الحيوي الذي تضطلع به الوكالة في تعزيز منظومة عدم الانتشار النووي، مشدداً على دعم مصر الثابت لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
وقال السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، إن اللقاء تطرق أيضاً إلى الأوضاع الإقليمية، إذ شدّد السيسي على ضرورة تبني مقاربة شاملة لمعالجة قضايا الأمن الإقليمي كافّة، بما في ذلك ملف نزع السلاح النووي، باعتباره عنصراً محورياً في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط. من جهته، أثنى غروسي على الجهود المصرية التاريخية في دعم قضايا نزع السلاح وعدم الانتشار، مؤكداً استعداد الوكالة لتعزيز التعاون مع مصر في هذا الإطار، لا سيّما في الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية.
عراقجي: لن يكون هناك اتفاق يحرمنا حقوقنا النووية
من جهته، قال وزير خارجية إيران، في مؤتمر صحافي مع نظيره المصري في القاهرة، إن مباحثاتهما تناولت قضايا المنطقة خاصة فلسطين ولبنان واليمن، مؤكداً "أننا نطالب بوقف فوري ومستدام لإطلاق النار"، وأضاف "لا يوجد أي مانع لتطوير العلاقات بين إيران ومصر واتفقنا على زيادة التبادل التجاري والسياحي"، وأضاف أن مباحثاته خلال الزيارة "كانت جيّدة للغاية".
وعن عمليات الحوثيين في البحر الأحمر، قال إنها "ضد السفن الإسرائيلية أو التي تتجه إلى الكيان الصهيوني". وتطرق عراقجي، خلال المؤتمر الصحافي، إلى المفاوضات الإيرانية الأميركية وقال إن "أميركا إذا أرادت حرماننا من التقنية النووية لن يكون هناك اتفاق حتماً"، مؤكداً "برنامجنا النووي سلميّ وليس لدينا ما نخفيه حوله"، وأكد أن بلاده ستستمر في المفاوضات حتى تأمين مصالحها و"الدبلوماسية هي الحل"، داعياً إلى جعل الشرق الأوسط خالياً من الأسلحة النووية، وشدد عراقجي على أن تخصيب اليورانيوم في إيران "حقّنا وفق المعاهدات الدولية"، متهماً الغرب بأنه "لا يريد لإيران تحقيق أي إنجاز علمي"، ومؤكداً أن الغرب يدعم في الوقت ذاته "الكيان الصهيوني بأيّ ثمن".
كما قال عراقي إن غروسي قد جاء إلى مصر لأمر آخر، "لكنّنا ناقشنا ملف إيران النووي والمفاوضات"، مضيفاً أنه "لا ينبغي أن تؤثر الضغوط الغربية على الوكالة، ويجب أن تحافظ الوكالة على هويتها المستقلة والفنية."، متهماً دولاً بممارسة الضغط على إيران عبر الوكالة ونأمل ألّا تقع الوكالة في هذا الفخ".
إلى ذلك، نشر غروسي، صورة من لقائه الثلاثي مع عراقجي، وعبد العاطي وزير خارجية مصر، في القاهرة على صفحته الرسمية في منصة إكس، قائلاً: "لقاء في الوقت المناسب في القاهرة مع بدر عبدالعاطي وزير خارجية مصر وعراقجي وزير خارجية إيران. أشكر مصر على دورها البنّاء في دعم الحلول السلمية والدبلوماسية للتحديات الإقليمية".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news