بينما تحتفل اليمن بالذكرى الخامسة والثلاثين لوحدتها التي تحققت في 22 مايو، تتعالى أصوات تدعو إلى الانفصال، مدفوعة بأجندات متضاربة ووعود بإنهاء الاحتقانات السياسية والمناطقية.
لكن الخبراء والمحللين يحذرون من أن هذه الدعوات قد تدفع البلاد نحو مزيد من الفوضى والصراع، مستندين إلى تجارب دولية مريرة أثبتت أن الانفصال ليس بالضرورة وصفة للسلام، بل غالبًا ما يكون بوابة لمرحلة جديدة من التناحر.
وعود زائفة: الانفصال لا ينهي الصراعات
يزعم البعض أن الانفصال سينهي التوترات الداخلية ويخلق كيانين مستقرين، لكن التاريخ يروي قصة مختلفة تمامًا. ففي كثير من الحالات، أدت الانفصالات إلى حروب أهلية وصراعات حدودية طويلة الأمد، وهو ما ينسف الادعاء بأن الانفصال سيجلب الاستقرار:
1- السودان وجنوب السودان: تُعد هذه التجربة من أكثر الأمثلة حداثة وإيلامًا. انفصل جنوب السودان عام 2011 بعد حرب أهلية طويلة، على أمل أن يعم السلام والاستقرار. لكن بعد سنوات قليلة، غرق جنوب السودان في حرب أهلية مدمرة بين فصائلها الداخلية، واستمرت التوترات والاشتباكات على الحدود مع السودان الأم. هذا النموذج يؤكد أن الانفصال لا يضمن الاستقرار، بل قد يفاقم الصراعات. 2- باكستان وبنغلاديش (باكستان الشرقية سابقًا): انفصلت بنغلاديش عن باكستان عام 1971 في حرب دامية. ورغم أن الانفصال أنهى هيمنة باكستان الغربية، إلا أنه ترك ندوبًا عميقة من العنف، وما زالت العلاقات بين البلدين تتسم بالحذر.
3- الكوريتان: رغم أن الانفصال هنا لم يكن اختيارًا داخليًا بقدر ما كان نتيجة حرب إقليمية وعالمية، إلا أن حالة شبه الجزيرة الكورية تقدم درسًا قاسيًا في عواقب الانقسام. فالكوريتان، الشمالية والجنوبية، ما زالتا في حالة حرب تقنية، تفصل بينهما منطقة منزوعة السلاح هي الأكثر تسليحًا في العالم. هذا الانقسام أدى إلى تطور مسارين مختلفين تمامًا، مع استمرار العداء والتوترات التي تهدد الأمن الإقليمي والعالمي بشكل دوري.
هذه النماذج تظهر بوضوح أن الانفصال ليس حلاً سحريًا، بل غالبًا ما يكون بداية لفصل جديد من الصراع، سواء كان داخليًا حول السلطة والموارد، أو خارجيًا بين الكيانات المنفصلة.
لماذا الوحدة هي السبيل: قوة الأمة الكبرى
على النقيض من مخاطر الانفصال، تحمل فكرة الأمة الكبرى والوحدة في طياتها فوائد جمة يمكن أن تدفع اليمن نحو الازدهار والاستقرار:
1- القوة الاقتصادية والتنموية: توفر الوحدة سوقًا داخلية أوسع، وتسمح بالاستفادة المتكاملة من الموارد الطبيعية المتنوعة للبلاد. تقسيم اليمن سيعني تفتيت الموارد وتقسيم السوق، مما يضعف الاقتصاد الكلي ويجعل كل كيان أصغر أكثر عرضة للضغوط الخارجية والتحديات الاقتصادية. 2- الاستقرار السياسي والأمني: تُعزز الوحدة الاستقرار من خلال توحيد الجهود لمواجهة التهديدات الأمنية المشتركة، مثل الإرهاب والصراعات الإقليمية. الانفصال سيخلق حدودًا جديدة ونقاط توتر محتملة، ويزيد من فرص اندلاع نزاعات حدودية أو صراعات داخلية على تقاسم السلطة والموارد. 3- العمق الاستراتيجي والنفوذ الدبلوماسي: الدولة الموحدة تتمتع بعمق استراتيجي أكبر، مما يعزز قدرتها على الدفاع عن نفسها وممارسة نفوذها على الساحتين الإقليمية والدولية. الكيانات المنفصلة تكون أضعف وأقل قدرة على التأثير في مجريات الأحداث العالمية. 4- التنوع الثقافي كمصدر قوة: تتميز اليمن بتنوع ثقافي واجتماعي غني. بدلاً من أن يكون هذا التنوع سببًا للانفصال، يمكن أن يكون مصدر قوة للبلاد، حيث يسهم كل مكون في بناء هوية وطنية شاملة ومتماسكة. الوحدة تسمح بتناغم هذه التنوعات وتوجيهها لخدمة الصالح العام. 5- تجنب حروب النفوذ بالوكالة: الانفصال قد يدفع بالقوى الإقليمية والدولية إلى التدخل لدعم فصائل مختلفة، مما يحول الأجزاء المنفصلة إلى ساحات لحروب النفوذ بالوكالة، وهو ما يهدد بجر البلاد إلى صراعات أعمق وأكثر تعقيدًا.
مستقبل اليمن.. وحدة أم تفكك؟
إن دعوات الانفصال المتصاعدة في اليمن، وإن بدت للبعض كطوق نجاة، إلا أنها تحمل في طياتها بذور فصول جديدة من الصراع والمعاناة.
إن الدروس المستفادة من التجارب الدولية واضحة: الوحدة، رغم تحدياتها، هي الطريق الأكثر أمانًا واستقرارًا وازدهارًا على المدى الطويل. ففي ذكرى الوحدة اليمنية، يبقى السؤال الأهم: هل ستتعلم اليمن من أخطاء الماضي وتتجه نحو تعزيز وحدتها، أم ستنجرف وراء دعوات التفكك التي قد تدفع بها نحو مستقبل غامض؟
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news