22 مايو .. يوم النهوض من الذاكرة، لا من الغفلة
قبل 10 دقيقة
لم تكن الوحدة اليمنية في 22 مايو مجرّد اتفاق سياسي بين نظامين، بل كانت يقظة حضارةٍ كانت تنام في جوف الزمن، تنهض لتصرخ: أنا اليمن
.
الحكايةُ ليست حكاية جنوبٍ وشمال، ولا قصة نظام وجمهورية، بل قصة شعبٍ غُرِس في أعماق الأرض، وسقته دموع الأنبياء، ودماء الملوك، وصيحات الفاتحين، وسفن التجار.
من هنا بدأ الإنسان، قبل أن يخطر على بال أحدٍ مفهوم الكتابة، كانت اليمن تكتب. وقبل أن يُعرف الحساب، كنا نحسب النجوم ونرسمُ بها المواسم. وقبل أن يراقب أحدٌ الفلك، كنا نبني به معابدنا ونخطط به مدننا.
وقبل أن تظهر الأهرام، كانت قلاع مأرب و معابد المقة والشمس و عشتار و الكنس و الكنائس و المساجد ترتفع للسماء. وقبل أن تعبر السفن البحار، كانت موانئ قنأ و موكا و حضرموت و ظفار وصلاة ومسقط والاهواز و اللحيه وأوسان وشبوة وعدن وتعز و ميدى و تهامه و جيزان و جده و ثقيف و العلاء و نبط تتحدث بكل لغات الأرض.
من اليمن خرجت الهجرات السامية، منها تأسست السومرية، ومنها ارتحلت الآرامية، ومنها انطلقت شعوبٌ سكنت بابل، ونينوى، وتدمر، وقرطاج، ونحن بقينا هنا، في الأصل، في الجذر، نروي القصص.
لكن القصة لم تكن كلها نورًا في زمنٍ أسود، جاءتنا خرافة السلالة، دخلت بلادنا كما تدخل السموم في الجسد، وقالوا:
"نحن أسيادٌ من نسل النبي"، فقلنا: "النبي لا يُورّث سيفًا ولا عرشًا!"، وقالوا: "نحن هاشميون"، فقلنا: "لو كنتم كذلك، ما جئتم علينا بسيف الفُرس، ولا استخدمتم الدين لذبح الفقراء".
من قحطان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، نحن نعرف أصلنا.
العرب لا تُنسب إلى أمهاتها، ولا إلى خرافاتٍ صيغت بعد قرون من الدعوة.
ومن اليمن خرجت السلالة النقية، السلالة القحطانية، التي لم تعرف عبودية، ولا كسروية، ولا متعة باسم الدين.
يا من تقرأ.. إن الذي يحكم صنعاء اليوم لا علاقة له بأرضها، ولا بترابها، ولا بلغتها، ولا بجبالها، بل هو امتداد لكسرويةٍ فارسية استعارت لسان الدين لتكسر اليمن.
لكن اليمن لا تُكسر، كيف تنكسر أرضٌ علمت البشرية كيف تبني، وكيف تحسب، وكيف تسافر؟
كيف تنكسر من اخترعت الخط المسند قبل الألفية الثامنة قبل الميلاد؟.. كيف تنكسر أم الحضارات، وسيدة البحار، وأمُّ الممالك؟
وكما نظر أجدادنا إلى السماء، كانوا يرون نجم سهيل اليماني، أول ما يُرى من الجنوب، آخر ما يُدركه الشمال. ذاك النجم الذي اتخذوه بوصلةً للحق، وميلادًا للمطر، وإشارةً للسفر، قال فيه العرب: إذا طلع سهيل لا تأمن السيل، وإذا طلع طاب الليل، وامتنع القيل.. وأنشده أمرؤ القيس، أمير شعراء الجاهلية، حين قال:
كأنّ الرياحَ تَحتَهُ حينَ تُرْسِلُهُ،
سُهيلٌ إذا ما استقلّ بأنجمِهِ.
وقال لبيد بن ربيعة:
وإني لأُسْري الليلَ، حينَ سهيلُهُ
يُضيءُ لنا الأعلامَ من فوقِها النجمُ.
نجم سهيل ليس مجرد نجم، بل شاهدٌ سماوي على أن اليمن كانت دائمًا هناك:أول من يُبصر، وأول من يُهتدى به، وأول من يكتب، وأول من يُلهم الشعراء.
من أمرؤ القيس، إلى الحارث بن حلزة، إلى قيس بن سعد، إلى ذو حوال الأكبر، إلى الهمداني ، إلى نشوان الحميري، كان شعر اليمن يروي الأرض، ويقود الثورة، ويمجد الوعي.
22 مايو ليس احتفالًا فقط، بل نداء، أن الوحدة هي العودة للأصل، وأن التحرر لا يتم فقط بالسلاح، بل بعودة الوعي، واسترداد التاريخ.
أيها اليمني، أنت من نسج حكاية الكون الأولى، فارفع رأسك، وقل: "لن أكون تابعًا لمن لا أصل له، ولن أُحكم إلا من أبناء ترابي.
أنا اليمن، وأنا السيد، لا المسود.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news