قصة صحفية أعدها لـ”يمن دلي نيوز”: نسيم الشرعبي:
من قلب مدينة تعز، وبين أزقتها الشعبية، يبرز اسم “مطعم الشويطر للفول والتميّز”، كواحد من أقدم وأشهر المطاعم الشعبية، الذي رسّخ حضوره منذ أكثر من أربعين عاماً.
في هذا المطعم تروي الجرة ونار التنور الطيني حكاية عقود حملت في عبقها طعم الفول ودفء المخبز، حكاية المطعم الذي أداره ثلاثة أجيال من أسرة الشويطر، وتحوّل إلى مزار شعبي يقصده الآلاف.
بداية العودة
تبدأ القصة مع المرحوم ،صالح الشويطر، الذي أمضى أكثر من ثلاثين عامًا من عمره في السعودية يعمل في نفس المهنة، حيث صقل مهارته وتعلّم أسرار إعداد الفول وخبز التميس بالنكهة التقليدية.
وبعد عودته إلى تعز، لم يبدأ من جديد، بل أكمل ما بدأه في الغربة، مؤسسًا مطعمه الأول في منطقة باب موسى في سبعينيات القرن الماضي، وكان حينها في الخمسينيات من عمره.
لم تكن هناك ديكورات لافتة ولا واجهات زجاجية، لكن الزبائن كانوا يأتون من كل أحياء المدينة، لأنهم وجدوا في طبق الفول هذا نكهة خاصة، وسعراً يناسب جيوب الجميع، وكان هذا كافياً لصناعة إسم يتوارثه جيل بعد جيل.
الابن الذي وسّع الحلم..وأحفاد يحفظون الأمانة
ورث الابن علي صالح الشويطر هذه المهنة عن والده، وعمل إلى جانبه سنوات طويلة حتى أصبح عصب المطعم وروحه.
لم يكتفِ بالحفاظ على ما أسسه والده، بل توسّع بفروع جديدة في عدة أحياء، أبرزها جولة القصر، حوض الأشرف، التحرير الأسفل، وبير باشا، حيث كان يسلم كل فرع لأحد أبنائه، وأصبح شعارهم المشهور والمعروف بين المواطنين هو “إذا خلص التميّز والفول..الشويطر غير مسؤول”.
لكن رحلة النجاح لم تخلُ من المآسي. ففي العام 2011، فقد علي ابنه بندر برصاصة طائشة وهو خارج من الفرع الذي يديره أثناء تفريق قوات الأمن إبان حكم الرئيس علي عبدالله صالح إحدى المظاهرات الشبابية آنذاك، ما دفعه لإغلاق فرع حوض الأشرف.
وفي 2015، تسببت هجوم الحوثيين على مدينة تعز في إغلاق فرع جولة القصر. ثم جاءت الضربة الكبرى في عام 2020، حين توفي علي صالح الشويطر، تاركاً خلفه حملاً ثقيلاً وإرثاً عظيماً، وبعد عامين من وفاة علي توفي والده المؤسس الأول صالح الشويطر عن عمر ناهز 120 عاماً.
ولادة جديدة للفروع
بعد وفاة علي، عاد ابنه الأكبر بدر علي الشويطر من السعودية، ليواصل ما بدأه والده وجده. ولم يكن وحده، بل تكاتف مع إخوانه لإعادة النبض لفروع المطعم.
افتتحوا فرعين جديدين في باب موسى وصِينه، وكان بدر صاحب فكرة التوسّع خارج مدينة تعز، حيث بدأ العمل حالياً على إنشاء فرع جديد خارج مدينة تعز وتحديداً في منطقة الخشبة، في واحدة من أبرز خطوات التوسع الجغرافي للمطعم.
يقول بدر لـ”يمن ديلي نيوز”: “ما نفعله اليوم ليس مجرد تجارة، بل مسؤولية تجاه اسم الشويطر وتجاه آلاف الزبائن الذين يعتبروننا جزءاً من يومهم.. نحن نكمل طريقاً بدأه جدنا بيده على جرةٍ فوق الفحم.”
لانملك وصفة سرية
يقول “نشوان علي الشويطر”، مدير فرع التحرير الأسفل لـ”يمن ديلي نيوز”: “نحن لا نملك وصفة سرية، لكننا نملك طريقة تقليدية خالصة.
وأردف: نطبخ الفول في الجرة على نار الفحم، ونضيف إليه الطحينة وزيت السمسم أو الزيتون، حسب رغبة الزبون. نلتزم بالطعم القديم، لأن الناس يريدون أن يتذوقوا نفس النكهة التي عرفوها قبل عشرين وثلاثين سنة.”
ويضيف شقيقه “نائف علي الشويطر” مدير فرع المركزي: “خدمة الناس والابتسامة في وجوههم هي رأس مالنا الحقيقي. نحرص على أن يكون كل فرع من فروعنا امتداداً لروح الجد المؤسس ووالدنا، لا مجرد محل لبيع الفول.”
لماذا يحبون الشويطر؟
في شوارع تعز، لا يحتاج أحد إلى كثير من الشرح لتفهم شهرة الشويطر. يقول أبو ياسر، أحد الزبائن القدامى: “أنا آكل من عند الشويطر من أيام ما كان الفرع الأول في باب موسى فقط. لا في طعم مثل فول الشويطر، لا في السعر ولا في النكهة.”
أما الحاج ياسين، وهو مسن يزور فرع التحرير الأسفل بشكل أسبوعي، فيقول: “رائحة التميّز لحالها تكفي تجيبك لعند الباب، والفول؟ ما يتغير طعمه من سنين.. وكمان السعر بمتناول الكل.”
مطعم لا يشيخ
في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تعيشها البلاد ومنها تعز، أصبحت مطاعم مثل الشويطر شريان حياة للكثير من المواطنين.
أسعاره المناسبة وجودته الثابتة جعلته خياراً يومياً للفقراء وذوي الدخل المحدود، ولم تغلق نيران الحرب أبوابه، بل زادت من ارتباط الناس به، لأنه يقدم لهم وجبة تقليدية، مشبعة، ومناسبة.
مطعم الشويطر ليس فقط أقدم مطعم في تعز، بل هو شاهد حيّ على قوة العائلة، ومرونة الذاكرة الشعبية، وبساطة الحياة التي لاتزال تجد لها مكاناً وسط كل ما تغيّر. في كل صحن فول يُقدّم هناك، تتكرر الحكاية: نكهة لا تموت، ووفاء لا ينضب.
مرتبط
الوسوم
مدينة تعز
الأكلات الشعبية
جرة الشويطر
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news