شرعية من ورق.. كيف غابت اليمن عن المشهد وحضرت خيباتها؟!
قبل 12 دقيقة
في الوقت الذي يشتعل فيه الإقليم بالقضايا والتحالفات، ويجتهد الجميع لحجز موقع مؤثر على خارطة المستقبل السياسي للمنطقة، تغيب اليمن عن المشهد كليًا، وكأنها لم تعد قضية حاضرة على طاولة صانع القرار العربي والدولي. فهل السبب في تجاهل العالم؟ أم في تراجع أصحاب القضية أنفسهم؟.. المؤشرات تقول إن من يمثل اليمن بات هو المشكلة، لا جزءاً من الحل.
لقد تحولت الشرعية اليمنية، التي جاءت لمواجهة الانقلاب واستعادة الدولة، إلى عبء سياسي ودبلوماسي، لا تمتلك مشروعاً وطنياً ولا رؤية جامعة، ولا حتى موقفاً قادراً على فرض اليمن في ملفات النقاش الكبرى. ومثلما غابت اليمن عن القمة الخليجية – الأمريكية، مرت اجتماعات وزراء الخارجية العرب مرور الكرام دون أي ذكر فعلي أو موقف حاسم تجاه القضية اليمنية، عدا إشارات مجاملة شكلية. إنه غياب لم يعد يمكن تبريره، بقدر ما أصبح وصمة فشل مكشوفة.
الشرعية التي كانت يوماً أمل اليمنيين في استعادة جمهوريتهم، تحوّلت إلى واجهة بلا فاعلية، تُدار من فنادق الخارج، وتستثمر الوقت لا من أجل التحرير، بل من أجل الإقامة والامتيازات. أما الدبلوماسية اليمنية، فسقطت في أسوأ صورها، حيث باتت السفارات مجرد مكاتب للعلاقات العامة، وغالبية العاملين فيها من غير المؤهلين، يشغلون مواقعهم بالمحسوبية والوساطات، ويعيشون خارج نطاق الزمان والمكان اليمني.
لقد غاب صوت اليمن في المحافل الدولية لأن ممثليه لم يعودوا يملكون الإرادة ولا الكفاءة. لا مشروع وطني، ولا قائد جامع، ولا سياسة خارجية نشطة. بعضهم ينشغل بجمع المكاسب، وآخرون لا يترددون في إطالة أمد الحرب لإدامة مصالحهم، غير عابئين بملايين اليمنيين الذين يرزحون تحت وطأة المعاناة.
وحتى حين سنحت الفرص لإعادة ترتيب المشهد، كانت "الشرعية" غارقة في خلافات تافهة، وانقسامات قاتلة، وانشغالات بامتيازات المناصب، في وقت كانت فيه الميليشيا تُضرب جوًا وتختبئ تحت الأرض. لكن بدلاً من استثمار اللحظة، انشغل القادة في الخارج بسؤال سخيف: "كيف نملأ الفراغ بعد الحوثي؟".
إن غياب اليمن في هذه اللحظة السياسية الحرجة ليس غيابًا عارضًا، بل نتيجة طبيعية لشرعية ورقية بلا مشروع، تفتقر للإرادة، وتعيش في عزلة عن شعبها. والمخيف أن العالم بدأ يتعامل مع الملف اليمني باعتباره أزمة داخلية هامشية، لا انقلابًا داميًا على دولة، ولا مأساة إنسانية طاحنة.
لقد آن الأوان أن يُقال لها بوضوح: هذه الشرعية بصيغتها الراهنة انتهت صلاحيتها، ولا يمكنها أن تمثل اليمن أو أن تقود مشروع استعادة الدولة. المطلوب اليوم ليس ترقيع الفشل، بل مراجعة شاملة تعيد بناء القيادة على أسس وطنية حقيقية، بقيادات ميدانية تملك الإرادة والتضحية، لا بشخصيات تبحث عن امتيازات وتقاتل لأجل السفارات.
اليمن لا تحتاج لمزيد من الورق، بل إلى مشروع وطني حقيقي، وشرعية من دم الشعب وهمّه وتاريخه، لا من صفقات الخارج.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news