كيف تستخدم أميركا كابلات الإنترنت في التجسس؟

     
شبكة اليمن الاخبارية             عدد المشاهدات : 123 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
كيف تستخدم أميركا كابلات الإنترنت في التجسس؟

مشاهدات

العالم اليوم يعتمدُ بشكلٍ متزايدٍ على الاتّصال الرقْمي، وتقفُ خلفَ هذا الاعتماد بنية تحتيّة حيوية لكنها غير مرئية تدير الإنترنت العالمي، وتؤمّن تدفق البيانات والمعاملات المالية على نحو مذهل.

تتمثلُ هذه البنيةُ في كابلات الألياف الضوئية البحرية، التي تنقل أكثر من 95% من حركة البيانات الدوليّة، وتدعم معاملات مالية تُقدَّر بحوالي 10 تريليونات دولار يوميًا. ورغم هذا الدور الجوهريّ، تبقى هذه الشبكة الدقيقة والهائلة في طيّ النسيان، مهملة من حيث الحماية، رغم أنَّها تمثّل العصب الفعلي للاقتصاد الرقْمي العالمي.

تمتدّ هذه الكابلات، التي لا يتجاوز قُطرها بوصتين، لمسافات تتجاوز 1.2 مليون كيلومتر عبر المحيطات، وتتكوّن من ألياف ضوئية رفيعة محاطة بطبقات من النحاس والبلاستيك والفولاذ، لحمايتها من الضغوط الهائلة والتيارات المائية.

وبفضل هذا التصميم، تستطيع الكابلات البحرية نقل بيانات بسرعة تصل إلى التيرابايت في الثانية، ما يجعلها الخيار المثالي لتطبيقات تتطلب زمنَ انتقالٍ منخفضًا مثل الخدمات السحابية، البث الحي، والتعاملات المالية، وهي بذلك تتفوق بشكل واضح على الأقمار الصناعية التي تبقى سرعتها محدودة وزمن تأخيرها أكبر.

رغم التصوّر الشائع، فإن الاعتماد على الأقمار الصناعيّة في نقل البيانات الدوليّة لا يتجاوز بضع نسب مئويّة، لأنّ الكابلات البحرية أكثر كفاءة وأقلّ تكلفة وأسرع استجابة.

ويتمُّ تثبيت هذه الكابلات عبر سفن متخصّصة تُطلقها في أعماق المحيطات وفق مسارات مدروسة بعناية لتجنّب مناطق الزلازل والتيارات القوية والانهيارات الأرضية. لكن المفارقة أن أكثر من 70% من الأعطال التي تصيب هذه الكابلات سببها أنشطة بشرية مثل الصيد الجائر، أو إلقاء المراسي البحرية، وليس الكوارث الطبيعية، أو هجمات الحيوانات البحرية كما يُشاع.

ورغم الطبيعة التقنية لهذا القطاع، فإن الجانب السياسي والأمني فيه حاضر بقوّة. فالكابلات البحرية تمثّل أصلًا إستراتيجيًا تمسّ الحاجة إلى حمايته في زمن التّوترات الجيوسياسيّة.

فعلى سبيل المثال، أنشأت أستراليا مناطق بحريّة محمية حول مسارات الكابلات لمنع إلحاق الضرر بها، في حين تعتمد القوات المسلّحة الأميركية عليها بشكلٍ مباشرٍ لنقل بيانات استخباراتيّة بين قواعدها ومراكز القيادة. أي انقطاع في هذه الكابلات يمكن أن يؤدّي إلى شلل في الخدمات، وتأخير في العمليات العسكرية، وانهيار في الأسواق المالية، ولو لساعات.

تاريخيًا، لم تكن هذه الكابلات بمعزل عن الحروب. ففي عام 1959، قطعت خمسة كابلات أميركية تحت المحيط الأطلسي في ظروف غامضة، واتّهمت واشنطن آنذاك السفن السوفياتية بالقيام بعملية تخريبية متعمدة.

وفي العصر الحديث، كشفت تسريبات إدوارد سنودن عن قدرة وكالة الأمن القومي الأميركية على التنصت على البيانات العابرة من خلال نقاط التقاطع في الكابلات، وهو ما دفع بعض الدول مثل البرازيل إلى إنشاء كابلات جديدة تتفادى المرور عبر الولايات المتحدة.

في السنوات الأخيرة، تصاعدت المخاوف من الهجمات المقصودة. ففي عامَي 2023 و2024، تضرّرت كابلات بحرية في بحر البلطيق والبحر الأحمر تحت ظروف اعتُبرت مشبوهة، ما أعاد طرح سؤال الأمن البحري في سياق الجغرافيا السياسية.

هذه الحوادث، التي يبدو بعضها جزءًا من صراعات خفيّة، أكدت هشاشة هذه البنية الأساسية رغم قوتها التقنية. ولمواجهة هذه التحديات، لجأت شركات مثل غوغل وميتا إلى بناء كابلات خاصة بها، مثل الكابل البحري "Dunant" الذي يعبر الأطلسي وينقل 250 تيرابايت في الثانية، وهو ما يشير إلى سباق صامت بين القوى التكنولوجية العالمية لامتلاك شبكاتهم الخاصة والمحمية.

ولا تقتصر أهمية هذه الكابلات على الدول المتقدمة فقط، بل تمتد إلى الدول ذات المواقع الجغرافية الحساسة. فمصر، على سبيل المثال، يمر بها أكثر من 16 كابلًا بحريًا رئيسيًا تربط بين آسيا وأوروبا، مما يمنحها موقعًا إستراتيجيًا عالي الأهمية في خريطة الاتصالات العالمية. ومع ذلك، فإن هذه الأهمية لا ترافقها دائمًا سياسات حماية أو استثمار تتناسب مع حجم الأصول "الجيوسيبرانية" التي تمتلكها.

تبقى كابلات الإنترنت البحرية بمثابة شبكة الحياة الرقمية للعالم الحديث. فهي تحمل الاقتصاد العالمي، وتغذي المعاملات والمعلومات لحظة بلحظة، لكنها في الوقت نفسه تفتقر إلى الحماية الكافية، وتُدار غالبًا من قبل شركات خاصة، في غياب إطار دولي ملزم. وإذا ما استمرّ هذا الوضع، فإن السؤال لم يعد هل ستُستهدف هذه الكابلات، بل متى، وكيف سيؤثر ذلك على عالم يعتمد أكثر من أي وقت مضى على تدفق غير منقطع للبيانات.

على ضوء ما تقدم وفي ظلّ تسارع التنافس الجيوسياسي والتقدم التكنولوجي، تبرز الكابلات البحرية ليس فقط كبنية تحتية رقمية، بل كأصل إستراتيجي ذي حساسية فائقة.

ومع أن الاعتماد عليها سيستمر لعقود قادمة، فإن مستقبلها لن يُحدد فقط بتطور السرعات أو تحسين الطبقات العازلة، بل بمدى قدرة الدول والمنظمات الدولية على صياغة منظومات حوكمة وتأمين جماعيّة.

فالعالم مقبل على مرحلة تصبح فيها السيطرة على البيانات، لا على الأرض، هي جوهر القوة. وفي هذا السياق، قد تتحول أعماق المحيطات إلى ساحة صراع جديدة، صامتة ولكنها شديدة التأثير. فالكابلات البحرية ليست مجرّد أنابيب بيانات، بل شرايين عالم معولم يُعاد تشكيله، حرفيًا، من تحت سطح البحر.

عربيًا ما زال الحضور في مشهد حوكمة هذه البنية التحتية هامشيًا، إن لم يكن غائبًا تمامًا. فلا توجد إستراتيجية عربية موحدة لحماية هذه الكابلات، ولا رؤية واضحة للاستثمار فيها أو للمشاركة في تطوير معايير أمنها وتشغيلها.

في عالم تُدار فيه القوة من خلال السيطرة على تدفق البيانات، فإن تجاهل العمق الإستراتيجي للكابلات البحرية يُعد نوعًا من القصور الإستراتيجي. فهل سيبقى العرب مجرد ممر عبور للكابلات، أم إن هناك من سيلتفت لهذا المشهد ويصبح طرفًا فاعلًا في رسم خريطة الأمن الرقمي العالمي!


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

عاجل : مقتل عبدالله ياسر عبدالله اليزيدي في المملكة "صورة"

جهينة يمن | 514 قراءة 

شاهد الصور الأولى لجثة العقيد الذي وجد مقتولاً بعدن

جهينة يمن | 461 قراءة 

دعوة لرئيس الوزراء ” سالم بن بريك” للاطاحة بهؤلاء المسؤولين "اسماء"

صوت العاصمة | 447 قراءة 

عاجل : عملية نوعية على الحدود "اليمنية السعودية "ووزارة الداخلية تصدر بيان هام

جهينة يمن | 417 قراءة 

حاج يمني يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أداء المناسك..الاسم

المرصد برس | 386 قراءة 

لا يصدق .. هذا سعر السلة الطماطم بصنعاء!

جهينة يمن | 366 قراءة 

احتجاجات لوس أنجلوس تتمدد إلى سان فرانسيسكو وشيكاغو

صوت العاصمة | 305 قراءة 

طارق عفاش يشتبك عسكريا مع تركيا !

العربي نيوز | 290 قراءة 

تحرك أمني في صنعاء لإزالة إعلانات مثيرة للجدل من الشوارع

نيوز لاين | 277 قراءة 

بعد اعلنت امس تحذيرا عاجلا .. إسرائيل تشن عدة غارات جوية على مدينة الحديدة غربي اليمن

المشهد الدولي | 266 قراءة