المهرة.. بوابة التهريب المالي للحوثيين في حربهم الصامتة على الاقتصاد اليمني
في خضم الحرب التي أنهكت اليمن منذ سنوات، لا تزال جماعة الحوثي تبتكر أساليب جديدة لتقويض الاقتصاد الوطني، بعيدًا عن أصوات المدافع وقذائف المدفعية. إحدى أخطر تلك الأساليب هي عمليات تهريب العملات الأجنبية من مناطق سيطرتها في صنعاء إلى خارج البلاد، عبر محافظة المهرة، التي تحولت إلى منفذ مفتوح للعبث المالي وتهريب الأموال.
شحنات مالية مهربة عبر "شحن"
مصادر أمنية مطلعة كشفت لـ"المنتصف" عن ضبط شحنة كبيرة من العملات الأجنبية مؤخرًا كانت في طريقها للتهريب عبر منفذ "شحن" الحدودي، إحدى أبرز البوابات البرية في شرق البلاد.
ووفقًا للمصادر، فإن عمليات التهريب تتم عبر سائقي نقل جماعي من جنسيات متعددة، بتنسيق مباشر مع شركات صرافة موالية لجماعة الحوثي.
المثير للقلق، بحسب تلك المصادر، هو الانعدام شبه الكامل للرقابة الرسمية على المنافذ البرية، ما يمنح المهربين حرية واسعة في نقل الأموال دون تدقيق حقيقي، في ظل ضعف الدولة وتداخل المصالح بين أطراف متعددة.
خبراء: الاقتصاد اليمني يُستنزف من الداخل
خبراء اقتصاديون وصفوا هذه الممارسات بأنها "حرب مالية صامتة" لا تقلّ خطورة عن العمليات العسكرية، إذ تفضي إلى استنزاف احتياطيات البلاد من العملات الصعبة، ما يؤدي إلى إضعاف قيمة الريال اليمني وارتفاع متواصل في أسعار السلع الأساسية.
ويحذر الخبير الاقتصادي الدكتور جمال البريهي من أن "الطلب المتزايد على الدولار والريال السعودي، الناتج عن هذه العمليات، يدفع بأسعار الصرف نحو الارتفاع المستمر، ويضاعف من الأعباء المعيشية على المواطن اليمني".
130 مليار دولار.. حجم الأموال المهربة منذ 2014
تشير تقديرات اقتصادية غير رسمية إلى أن إجمالي الأموال التي جرى تهريبها من قبل جماعة الحوثي منذ عام 2014 قد يتجاوز 130 مليار دولار، وهو رقم مذهل يعادل نحو 15 مرة حجم موازنة الدولة اليمنية في العام ذاته.
ويُعتقد أن هذه الأموال تُستخدم لتمويل شبكات تابعة للجماعة في الخارج، أو تُودع في حسابات مصرفية بدول أفريقية وآسيوية، بما يُمكّن الحوثيين من التحايل على العقوبات وتغذية أنشطتهم العسكرية والاستخباراتية.
المهرة.. ثغرة أمنية مفتوحة
تحولت محافظة المهرة، التي تقع في أقصى شرق اليمن وتحد سلطنة عمان، إلى ما يشبه "المنطقة الرمادية" اقتصاديًا وأمنيًا.
فمع ضعف التواجد الحكومي والانقسامات بين القوى العسكرية والأمنية، أصبحت المنافذ البرية والبحرية فيها مسرحًا مفتوحًا للتهريب بأنواعه، من السلاح إلى المخدرات، وصولًا إلى العملات الأجنبية.
ويرى مراقبون أن معالجة هذا الملف تتطلب خطوات جادة من الحكومة الشرعية، والتحالف العربي، لتأمين المنافذ وتعزيز الرقابة الجمركية والأمنية عليها، خاصة في المهرة التي تكتسب أهمية استراتيجية في هذه الحرب الخفية.
خاتمة: معركة بلا مدافع
بينما ينشغل اليمنيون بتبعات الحرب اليومية من نزوح وجوع وفقر، تدور في الخلفية معركة لا تقلّ فتكًا، لكنها تستخدم أدوات مختلفة: المال، البنوك، والشبكات السرية. تهريب العملات عبر المهرة ليس مجرد جريمة اقتصادية، بل فصل جديد في حرب تُخاض بلا مدافع، لكنها تُخلّف جراحًا عميقة في جسد اليمن المتهالك.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news