اليمن بين عجز القيادة وفعالية اللحظة الضائعة: غضب شعبي يتصاعد وسط خذلان حكومي متكرر
في الوقت الذي تُكتب فيه مصائر الشعوب بأيدي صُنّاع الفعل، لا بمن ينتظرون الخارج ليمنحهم دورًا أو يخلق لهم مخرجًا، تواصل الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً الغرق في دوامة التبرير، بينما تتكشّف أمامها فرص استراتيجية كانت كفيلة بتغيير المعادلة لصالحها، لكنها ضاعت بفعل التردد وغياب القرار.
فالمعركة، كما يصفها المراقبون، لا تُقاس بما يرسمه الآخرون من تصورات أو ما تقتضيه نوايا الحلفاء ومكر الخصوم، بل تُصنع في لحظة وعي يتقدّم فيها الفاعلون، لا المتفرجون. وهذا ما فعلته سوريا، حين تمكّنت قيادتها الجديدة من فرض رؤيتها عبر خطوات سياسية جريئة سبقت قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب برفع العقوبات، في مقابل مشهد يمني يُعيد إنتاج أزماته ويعمّقها بالخطابات الإنشائية والعجز المؤسسي.
فرصة ضائعة وسخط شعبي
تشهد الساحة اليمنية موجة غضب متصاعدة، خصوصاً عقب الضربات الجوية الأمريكية المركّزة التي استهدفت مواقع حيوية لمليشيا الحوثي منذ منتصف مارس وحتى مطلع مايو الجاري. الضربات، التي شلّت حركة الحوثيين وأحدثت ارتباكاً كبيراً في صفوفهم، كانت بنظر كثير من اليمنيين فرصة نادرة لاستكمال تحرير المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة المدعومة من إيران، إلا أن الحكومة وقفت عاجزة، دون تحرك ميداني يوازي حجم الفرصة.
يقول أحد سكان المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين:
"الضربات الأمريكية كانت فعالة بشكل غير مسبوق، وشلّت قيادة المليشيا لأسبوعين على الأقل. كنا ننتظر تحركًا من الحكومة لتحرير ما تبقى من البلاد، لكن ذلك لم يحدث للأسف."
هذه الحالة من الجمود الحكومي فاقمت الاستياء الشعبي، خصوصًا في ظل استمرار معاناة المواطنين تحت سلطة الحوثيين، من تضييق على الحريات، وجبايات غير قانونية، وتجريف للمؤسسات، وفرض أيديولوجيا طائفية في التعليم، إلى جانب توقف رواتب الموظفين منذ أكثر من سبع سنوات.
إخفاق القيادة... هل هو تواطؤ أم عجز؟
يرى محللون أن ما حدث لا يمكن تبريره بمحدودية الموارد أو ضغوط الحلفاء، بل يعكس أزمة بنيوية في منظومة القيادة اليمنية. فالغياب المتكرر للمبادرة، وانعدام الرؤية الاستراتيجية، باتا سمة مقلقة تثير تساؤلات حول جدوى استمرار هذه الحكومة.
وتوسعت رقعة الانتقادات لتشمل نشطاء وصحفيين ومواطنين على منصات التواصل الاجتماعي، حيث وصف كثيرون ما جرى بـ"الفشل القيادي"، بل ذهب بعضهم إلى حد اتهام الحكومة بـ"خيانة تضحيات الشهداء والمقاتلين"، مطالبين بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في أداء وزارتي الدفاع والداخلية.
اليمن بحاجة إلى ثورة عقلية داخل القيادة
أصبح واضحاً أن أزمة اليمن لم تعد محصورة في شراسة الخصوم، بل في هشاشة الإدارة الرسمية وضعف الفاعلية السياسية والعسكرية. فمن يخلط بين المنصب والمسؤولية، لا يُنتج إلا فراغاً في القيادة، ومؤسسات خاوية تكرر ذات العجز.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يحتاج اليمن إلى ثورة ذهنية داخل مراكز القرار، تحرّر العقل السياسي من القوالب الجامدة والتبريرات الجاهزة، وتدفع نحو صناعة واقع جديد تنبع قراراته من الداخل، لا من غرف الانتظار الإقليمي والدولي.
فمعركتنا مع العدو الخارجي، كما بات يدرك الجميع، لن تُحسم إلا بعد الانتصار على علل الداخل... تلك التي كبّلت الإرادة الوطنية، وحوّلت القيادة إلى مشاهدين في مسرح لا يملكون زمامه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news