أيها الإنسان… أما آن لك أن تفهم من أنت؟
بعد ساعاتٍ طويلة قضيتها أبحث وأقرأ بين كتب الفلك، وأطالع في أضخم المراجع، وأتأمل صور المجرات والثقوب السوداء وأعماق الفضاء… وبعد سنواتٍ من المعرفة في هذا المجال الذي أحببته، وجدت أن عليّ اليوم أن أكتب، لا لأحدّد حجم مجرة أو أرقّم عدد النجوم… بل لأهزّ قلوبًا طغت، وعقولًا نامت، وأعينًا تنظر للسماء ولا ترى. أريد أن أُخبركم كيف أنظر أنا للكون من حولي… لعلّها كلمة توقظ قلبًا، أو توقّف متكبرًا، أو تعيد ضالًا عن طريقه.
أيها الإنسان… أما آن لك أن تتفكر؟! أنت ترى السماء كل يوم، وتظنها مجرد لوحة زرقاء أو ستارٍ أسود تتناثر فيه نقاط بيضاء. لا… الأمر أعظم من ذلك بكثير. الكون الذي تمكّن العلم إلى هذه اللحظة من رصده — بأقوى التلسكوبات وأعقد التقنيات — هو كونٌ عرضه 93 مليار سنة ضوئية. والسنة الضوئية الواحدة تعني أن الضوء — بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية — يقطع 10 تريليون كيلومتر في سنة. فهل عقلك يستوعب؟! 93 مليار سنة ضوئية… ونحن ما زلنا نرصد! أما ما وراء ذلك… فلا يعلمه إلا الله.
ثم تعال وانظر، فالعدد الذي يخدعك في صغره أعظم مما تتصور. في هذا الكون المرصود وحده، يوجد قرابة 2 تريليون مجرة، وفي كل مجرة مئات المليارات من النجوم. وأما عدد النجوم مجتمعة، فقدّره العلماء بين سكستليون إلى سيبتليون — أي رقم لو كتبته لما انتهيت، ولو جمعته لما استطعت، ولو تصوّرته لعجز عقلك عنه. فكيف بك تتكبر؟ كيف بك تعصي خالق هذا الكون؟ كيف تغفل عن من يمسك السماوات والأرض أن تزولا؟!
وانظر إلى موضعك الحقيقي… مجرتنا درب التبانة التي فيها نحن، لا شيء. فيها 300 مليار نجم فقط. لكنها تنتمي إلى عنقود مجري ضخم اسمه لانيكايا، عرضه 520 مليون سنة ضوئية، يضم 100 ألف مجرة مثل مجرتنا! فقط عنقود واحد من عنقيد لا تحصى… ألا تخجل من نفسك حين تغتر بدنياك وأموالك ومنصبك وصورتك التي ستبلى؟! أتتكبر وأنت لا ترى حجمك أمام هذا الكون؟ والله إنك أمام أبسط نجمة فيه لا تساوي شيئًا.
ثم اسأل نفسك: إذا كان هذا ما تم اكتشافه، فما بالك بحجم الكون الحقيقي؟ فما بالك بالجنة التي قال الله عنها: "عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ"؟ فما بالك بعذاب نارٍ لا تنطفئ، وبجحيمٍ وقودها الناس والحجارة؟ أيها الإنسان… أما آن لقلبك أن يخشع؟ أما آن لعقلك أن يفيق؟ أما آن لروحك أن تعترف بعجزها أمام خالقها؟ الدنيا زائلة، والكون شاهد، والساعة قريبة.
يقول الله جل وعلا:
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
[آل عمران: 190-191]
ويقول عزّ من قائل:
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ
[فصلت: 53]
فيا أيها الإنسان… تذكّر قبل فوات الأوان.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news