تقرير خاص “يمن ديلي نيوز”:
في ظل تعقيدات المشهد اليمني الراهن سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا أمام الحكومة اليمنية، تبرز أسئلة ملحّة حول ما يمكن إنجازه خلال الأشهر الأولى لرئيس الوزراء الجديد، مع تضاؤل الموارد وزيادة الضغوط على الإيرادات المحدودة.
والسبت الماضي 3 مايو/أيار، أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، قرارًا بتعيين سالم بن بريك رئيسًا للحكومة، خلفًا لرئيس الوزراء المستقيل الدكتور أحمد عوض بن مبارك.
هذا التعيين تزامن مع تدهور مستمر للعملة الوطنية أمام العملات الأجنبية وتزايد الأوضاع المعيشية سوءًا، فضلاً عن التعقيدات في المشهد العسكري والسياسي، الذي يجعلنا نتساءل عن الأولويات التي يجب التركيز عليها خلال الأشهر الأولى لرئيس الحكومة.
“يمن ديلي نيوز” ناقش مع متخصصين وباحثين سياسيين وعسكريين واقتصاديين أبرز الأولويات المطلوب من رئيس الحكومة الجديد خلال أول مائة يوم له.
في إدارة الدولة
البداية مع الباحث في المركز الشرق أوسطي للأبحاث بجامعة كولومبيا، الدكتور عادل دشيلة، الذي قال إن الإشكالية ليست في أداء الحكومة كونها جهة تنفيذية، بل في إدارة الدولة من قمتها، المتمثلة في المجلس الرئاسي، والبرلمان، وبقية مؤسسات الدولة، فالحكومة تنفذ ما يُملى عليها من مجلس القيادة الرئاسي.
وأضاف دشيلة لـ”يمن ديلي نيوز”: هناك ثلاث أولويات استراتيجية ذات أهمية يفترض أن تعمل الحكومة على معالجتها، وهي: “توفير الخدمات الأساسية، ومعالجة انهيار أسعار العملة اليمنية في مناطق الشرعية، وصرف مرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين، باعتباره ضرورة ملحة”.
أما الأولويات التالية لما سبق فتتمثل في المسار العسكري، والبحث عن خطة للتعامل مع جماعة الحوثي المصنفة إرهابية، سواءً سلماً أو حربًا، مشددًا: “نحن بحاجة إلى قرار يمني، لا إلى مجموعة من الفاشلين يتقاسمون المناصب ويتبادلون الأدوار”
العملة في خطر
من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة حضرموت، الدكتور محمد الكسادي، إن أهم قرار يجب أن يتخذه رئيس الوزراء خلال اول مئة يوم هو تثبيت سعر صرف العملة الوطنية، لأنها أساس الاستقرار في حياة الناس، إلى جانب توحيد الأوعية الضريبية، وتفعيل أجهزة الرقابة، وتوفير الخدمات من كهرباء وماء، بالإضافة إلى انتظام صرف رواتب الموظفين.
وتابع في حديثه لـ”يمن ديلي نيوز”: “إذا تعززت العملة الوطنية وثُبّتت بسعر رسمي، فسيتغير الوضع الاقتصادي، أما إذا استمر الانهيار، فإن الأوضاع الاقتصادية ستتجه إلى الأسوأ، وقد نصل إلى وضع كارثي اقتصاديًا واجتماعيًا”.
وقال: العملة الوطنية حالياً غير مستقرة، وتتغير كل لحظة، ما يجبر التجار والمستثمرين على مغادرة البلاد بسبب الخسائر، وارتفاع تكلفة الإنتاج يؤدي إلى إغلاق المنشآت، مما يزيد البطالة ويؤثر سلبًا على الاقتصاد.
وتابع: “إذا استقرت العملة الوطنية، سنجذب المستثمرين، وتدور عجلة الإنتاج، ويستقر الاقتصاد نوعًا ما، لكن في ظل الوضع الكارثي الحالي، لا يستطيع حتى التاجر الصمود”.
وشدد على أهمية رقمنة الإيرادات الضريبية للدولة وتحصيلها بشكل سليم، وتوحيد أوعيتها، مشيرًا إلى أن ذلك سيوفر إيرادات تُسهم في التوازن بين النفقات والإيرادات. كما دعا إلى إعادة هيكلة السلك الدبلوماسي، وتقليص عدد السفارات والسفراء، معتبرًا أن ذلك سيخفف العبء عن ميزانية الدولة.
نجاح مشروط بالتمكين
أما الصحفي الاقتصادي نجيب العدوفي، فأوضح أن نجاح رئيس الحكومة الجديد، بن بريك، يتوقف على منحه صلاحياته الدستورية الكاملة، مطالبًا “القيادة السياسية بتوفير مساحة حقيقية له للتحرك، وتجنّب تكرار تجربة تجريد سلفه بن مبارك من أدواته التنفيذية”.
وأضاف لـ”يمن ديلي نيوز”: اليمن بحاجة إلى حكومة مصغرة وكفؤة، تعتمد على الكفاءة والخبرة لا على المحاصصة، وتكون قادرة على إدارة المرحلة بمهنية.
وأشار إلى ان من الأهمية خلال المئة اليوم الأولى إعداد موازنة عامة حقيقية، مبنية على الموارد المتاحة، مع تحديد العجز وآليات تغطيته، والعمل على تفعيل الرقابة والمحاسبة، ووقف نزيف العملة الوطنية من خلال تمكين البنك المركزي من أداء دوره الرقابي بكفاءة.
وتابع: “بالتوازي مع ذلك، يجب إعطاء أولوية قصوى لتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وتنفيذ إصلاحات مالية وإدارية حقيقية تعزز ثقة الداخل والمجتمع الدولي، ما قد يفتح المجال لمزيد من الدعم والاستقرار”.
غياب البيئة المناسبة
أما الخبير والمحلل العسكري عبدالرحمن الربيعي، فقد استبعد تحقيق تغييرات جوهرية خلال أول مئة يوم.
وقال لـ”يمن ديلي نيوز: هذا السؤال ينطبق على دول مستقرة، لا على بلد يعاني من حروب وأزمات متشابكة كاليمن.
وأوضح أن رئيس الوزراء معني بالملف الاقتصادي بدرجة أولى، لكن في ظل غياب الموارد واستمرار الحرب، يصعب تحقيق أي إنجازات ملموسة.
وأشار إلى أن اليمن يعيش وضعًا مأزومًا قد يشهد مزيدًا من التصعيد العسكري خلال الفترة المقبلة، ما يستلزم موارد طارئة.
وتابع: “أتمنى ألا يتدهور الوضع أكثر مما كان عليه في عهد بن مبارك. إذا ما قدمت السعودية وديعة مجدية تتجاوز 3 إلى 4 مليارات دولار، قد يتمكن بن بريك من معالجة بعض الأزمات ووقف تدهور العملة، لكن لا أتوقع معجزات”.
وقال الدكتور الربيعي إن رئيس الوزراء الجديد يواجه واقعًا صعبًا يتمثل في شبه انعدام للموارد، يفاقمه الوضع السياسي المتأزم وحالة الحرب المستمرة، والتي قد تتصاعد إلى حرب برية.
وأردف: “نحن لا نتحدث عن نقص، بل عن انعدام شبه كامل للموارد، مما يصعّب تحقيق اختراق فعلي على الأرض”.
واختتم حديثه بالقول: “إن تحسّن الأوضاع مرهون بدعم إقليمي كبير، خصوصًا من دول الخليج وعلى رأسها السعودية، عبر تقديم وديعة مالية معتبرة. حينها فقط، يمكن لرئيس الوزراء تحريك بعض الإصلاحات ووقف تدهور العملة المحلية. نأمل أن يلمس المواطنون تغييرًا حقيقيًا، لكن لا ينبغي انتظار معجزات خلال المئة يوم الأولى”.
سد الفجوات لا صناعة الرؤى
من جهتها، قالت المديرة التنفيذية لمركز تهامة للدراسات والتنمية، حياة جعدان، إن المطلوب من رئيس الوزراء بن بريك ليس إعداد رؤية جديدة للحكومة، لأن اليمنيين تجاوزوا هذه المرحلة، لكن المطلوب هو سد الفجوات في تنفيذ الرؤية المعتمدة سابقًا.
وأوضحت لـ”يمن ديلي نيوز” أن أبرز هذه الفجوات هي: “استيعاب وحشد الطاقات والمكونات
السياسية لدعم الحكومة، وتعزيز دور السلطات المحلية، وإنهاء المشكلات العالقة بين عمل المؤسسات والسلطات المحلية، خاصة في مجالات التخطيط والشفافية والحوكمة”.
وأضافت: من المهم تعزيز الشراكة مع الفاعلين الإقليميين والدوليين، وتحرير موارد الدولة، وتوحيد السوق المصرفية، ومواجهة انهيار العملة، إلى جانب الإعداد الإداري والجاهزية للمناطق التي ستتم استعادتها من جماعة الحوثي بعد التحرير.
وشددت على أن المواطن يجب أن يشعر بوجود حكومة تقدّم له الخدمات وتوفر الأمان، وتعزز من مشاركة الشباب والمرأة، مؤكدة أن من دون بناء هذه الثقة، لا يمكن بناء اليمن.
واختتمت بالقول إن مركز تهامة يرحب بالتعاون مع الحكومة الجديدة في تقديم رؤيته لتحفيز المسار السياسي، ودعم مجلس القيادة الرئاسي والحكومة في سد الفجوات التي تعيق العمل التنفيذي والمؤسسي.
مرتبط
الوسوم
أولويات الحكومة
رئيس الحكومة اليمنية
سالم بن بريك
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news