ما السيناريوهات المحتملة أمام رئيس الوزراء اليمني الجديد؟ (تقرير خاص)
المجهر - تقرير خاص
الأحد 04/مايو/2025
-
الساعة:
8:06 م
تنتظر رئيس الوزراء اليمني الجديد سالم صالح بن بريك، ملفات اقتصادية وإدارية كثيرة، وهو ما يتطلب منه تنفيذ إصلاحات عاجلة وشاملة لإحراز تقدمات بناءً على مجموعة من الأولويات التي يجب التركيز عليها بهدف استعادة الاستقرار الاقتصادي وتعزيز كفاءة الإدارة المالية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.
ويأتي قرار رئيس مجلس القيادة الرئاسي بتعيين سالم صالح بن بريك في وقت لم يعد الشارع اليمني متفائلاً بما يمكن أن تقدمه الحكومة الجديدة في ظل التحديات الاقتصادية والإنسانية غير المسبوقة، مما يستدعي اتخاذ خطوات جريئة ومدروسة لمعالجة الأزمات المتفاقمة لإعادة الثقة بالجهود التي تقدمها السلطة الشرعية في اليمن.
فمثلما بدأ رئيس الوزراء السابق أحمد عوض بن مبارك بالتطلع إلى حزمة إجراءات اقتصادية مشترطاً على مجلس القيادة الرئاسي تنفيذها من أجل التعافي الاقتصادي، ولم يحدث من ذلك شيء حتى أخر يوم من توليه للمنصب، وهو الأمر الذي يتكرر اليوم مع الشروط التي وضعها رئيس الوزراء المُعين حديثا سالم بن بريك للقبول بالمنصب وفقا للتسريبات.
وكان رئيس الوزراء السابق، أحمد عوض بن مبارك قدر نشر رسالة تهنئة على منصة "إكس" لرئيس الحكومة الجديد سالم بن بريك، حث فيها كافة القوى الوطنية على الالتفاف حوله والعمل معه "لإنقاذ البلد".
وقبلها قال بن مبارك لدى إعلانه عن تقديم استقالته، إن السبب في ذلك هو عدم تمكينه من ممارسة صلاحياته الدستورية ومنع التعديل الحكومي المطلوب، مشيراً إلى تبنيه سياسة تقشف للإسهام في تقليص الإنفاق العام.
أزمات متراكمة
لابد من الإشارة في البداية إلى أن التحديات الاقتصادية الجسيمة التي تواجهها الحكومة الشرعية اليوم ليست مرتبطة بمرحلة معينة، وإنما هي نتيجة أزمات متراكمة منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015م مروراً بحالة الانقسام النقدي التي بدأت مع نقل البنك المركزي إلى عدن عام 2019م بالتزامن مع تعيين سالم بن بريك وزيراً للمالية حينها، ووصولاً إلى حالة الانهيار الفادحة في قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.
وبشكل عام يعاني اليمن من تدهور حاد في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصحة، الأمر الذي يستدعي التركيز عليها كأولويات يتم معالجتها على الواقع باعتبارها خدمات أساسية مُلحة لتلبية احتياجات المواطن اليمني.
ومقارنةً بحكومة أحمد عوض بن مبارك، يُتوقع أن يركّز سالم بن بريك على الحلول المالية العملية والمالية، على اعتبار أن له خبرة مسبقة بحكم توليه لمنصب وزير المالية منذ عام 2019م، بعكس بن مبارك الذي طغى أداؤه السياسي والدبلوماسي على أدائه في الملفات الاقتصادية.
ومع تولّي بن بريك منصب رئيس الوزراء يضعه ذلك أمام مهمة صعبة للغابة تتطلب منه تنفيذ إصلاحات جذرية لمعالجة تلك الأزمات المتراكمة، وفي مقدمة أولوياتها الوصول إلى إعادة استقرار العملة والحد من التضخم من خلال إجراء إصلاحات مالية ونقدية واسعة بالتعاون مع كل المؤسسات والهيئات الاقتصادية والإيرادية في البلاد لا سيما البنك المركزي اليمني في عدن.
وهو ما من شأنه تحسين إدارة الموارد المحلية، وتوسيع دائرة الإيرادات غير النفطية، نظراً لتوقف صادرات النفط، كما لابد من تعزيز دور الشفافية ومكافحة الفساد، حيث تحتل اليمن مرتبة مدنية في مؤشرات الشفافية الدولية، وهو ما يتطلب من بن بريك تنفيذ إصلاحات مؤسسية لإعادة هيكلة الأجهزة الرقابية وتفعيل دورها.
إسناد رئاسي
يعتمد نجاح رئيس الوزراء سالم بن بريك في معالجة الملف الاقتصادي على قدرته في الحصول على الدعم السياسي، وتحصيل الموارد الرئيسية للدولة، بالإضافة إلى تمكينه من تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والإدارية على الواقع.
ويبقى معيار نجاح أو فشل حكومة بن بريك، متوقف على دعم المجلس الرئاسي لخطته دون تدخل من أي طرف سياسي خصوصا من قبل الانتقالي الجنوبي، بما يمكنه من تفعيل أدوات الرقابة المالية وتحقيق الانضباط الإداري.
ويرى مراقبون أن هناك تحديات محتملة يمكن أن تقف أمام رؤية رئيس الوزراء الجديد سالم بن بريك في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وفي مقدمة هذه التحديات الانقسامات السياسية داخل مجلس القيادة الرئاسي.
لأن عدم منحه صلاحيات كافية سيشكل عائقا أمام تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والإدارية، فإذا بقيت المحافظات تتصرف بمواردها بشكل مستقل، أو تدخلت أطراف متنفذة في قراراته المالية، فإن أي إصلاح لن يكون له أثر فعلي على الواقع.
وإذا لم يتحقق تحسن ملموس في إداء حكومة بن بريك خلال 6 أشهر من الآن، في صرف رواتب الموظفين أو تفعيل الخدمات الأساسية، فستتكر حالة الإحباط عبر موجة جديد من الاحتجاجات الشعبية التي ستؤدي إلى إضعاف دور الحكومة وفقدان الثقة بها.
فعلى الرغم من أن التوقعات تشير إلى أن سالم بن بريك يمتلك خبرة مالية وإدارية لا بأس بها، إلا أن ذلك لا يعد كافيا في ظل ضعف شخصية الرجل منذ كان في الجمارك إلى جانب عجزه عن تحقيق بصمة ملموسة في وزارة المالية آخر مناصبه فيما يتعلق بضبط الموارد المالية، وفق مراقبين.
وإجمالاً، على حكومة بن بريك أن تتبنى إصلاحات اقتصادية وإدارية جريئة لوضع نطام شفاف في مراقبة الإنفاق الحكومي وإعادة هيكلة المؤسسات المتضخمة ليتسنى لها وضع ميزانية عامة وتحديد آلية لدفع المرتبات خصوصا في قطاع الجيش والأمن، مما يقلل من الاختلالات المالية الكبرى.
تأمين التمويل
ينظر رئيس الوزراء الجديد سالم بن بريك، للجانب السعودي كطرف رئيسي في دعم الاقتصاد اليمني، نتيجة لما قدمته الشقيقة من مساعدات مالية كبيرة لدعم الميزانية العامة منذ اندلاع الحرب.
وهذا جعله يعول على الدعم السعودي كبوابة لتأمين تمويل مستقر يضمن تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية إضافة إلى توسيع الشراكة مع المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
ذلك أن نجاح بن بريك في إعادة تنشيط خطوط الدعم المالي سيمكنه من استخدامه في مشاريع بنية تحتية خفيفة تعيد بعض الحركة الاقتصادية، وتعيد الثقة بين المواطن والحكومة لا سيما فيما يتعلق بالجوانب الخدمية كالكهرباء مثلا.
ووفقا لتسريبات إعلامية جعل سالم بن بريك الدعم السعودي لتنفيذ الإصلاحات شرطاً للقبول بمنصب رئيس الحكومة، وهي خطوة بالغة الأهمية، وتحمل أبعادا استراتيجية على المستوى الاقتصادي.
فاتخاذ مثل هذه الخطوات سيظهر جدية الحكومة في الإصلاحات، وهي رسالة تعيد الثقة للداعمين مثل السعودية التي ظلت تقدم الدعم مراراً دون رؤية نتائج ملموسة، وبالمقابل هي رسائل للداخل تعني أن عدم جاهزية الأجهزة الحكومية لتنفيذ الإصلاحات سيهدد بانقطاع الدعم الخارجي وفقدان الثقة بالمكونات السياسية للشرعية، وهذا يمثل غطاء سياسي يحمي الحكومة من الابتزاز أو العرقلة.
سيناريوهات محتملة
يمتلك بن بريك سجلاً حافلاً بالنجاحات والاخفاقات كغيره من السياسيين اليمنيين، فخلال فترة عمله وزيرا للمالية واجه تحديات اقتصادية كبيرة نتيجة للصراع المستمر في البلاد، ومع ذلك حاول تامين دعم مالي دولي وإقليمي.
ففي أبريل/ نيسان الماضي، كان بن بريك على رأس وفد رفيع المستوى من المسؤولين اليمنيين لحضور جلسات مع مسؤولي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لمناقشة الأوضاع المالية والتشاور حول الإصلاحات والسياسات الاقتصادية بهدف الحصول على قرض جديد.
وكان بن بريك قد وقع اتفاقًا مع صندوق النقد العربي، في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2022م، بقيمة مليار دولار لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والنقدي الشامل، كما وقع اتفاقية مع الجانب السعودي في أغسطس/ آب من العام 2023م لدعم الموازنة العامة بقيمة 1.2 مليار دولار.
ورغم ذلك واجهت وزارة المالية في عهده صعوبات كثير في تحصيل الإيرادات من بعض الجهات الحكومية، حيث امتنعت بعض المحافظات والجهات الإيرادية عن توريد إيراداتها إلى حسابات الحكومة، وهو ما شكل ضغوطات حادة على الموازنة العامة بجانب توقف تصدير النفط الذي يشكل حوالي 70% من إيرادات الدولة.
وخلال فترة توليه لمنصب وزارة المالية، واجهت الحكومة تحديات في توحيد النظام المالي، حيث أدى الانقسام بين المناطق المحررة ومناطق سيطرة جماعة الحوثيين إلى وجود نظامين نقديين وتدهور قيمة العملة المحلية حيث تجاوزت حاجز 2000 ريال للدولار الواحد، مما زاد من تعقيد الإدارة المالية العامة في البلاد.
وبشكل عام يعد استمرار التحديات الاقتصادية والاعتماد على الدعم الخارجي مؤشرا على ضعف في بناء موارد ذاتية مستدامة، وهذه من أبرز الإخفاقات التي واجهت الحكومة اليمنية منذ تولي بن بريك لمنصب وزارة المالية في العام 2019م، فخلال تلك الفترة تصاعدت حالة الغضب الشعبي والمطالبات بإقالة حكومة معين عبدالملك ومن بعدها حكومة أحمد عوض بن مبارك.
ومع ذلك، يرجع خبراء اقتصاديون سبب هذه الإخفاقات في إدارة الملف الاقتصادي غالباً إلى الظروف الاستثنائية التي تمر بها اليمن، ومع تولي بن بريك منصب رئيس الوزراء سيكون من الضروري معالجة هذه القضايا من خلال استراتيجيات فعالة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة.
توازن سياسي
يصنف البعض رئيس الحكومة سالم بن بريك على أن كان ضمن فريق الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، عندما أختاره وزيرا للمالية، ثم بات اليوم محسوبا على رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي الذي دفع به إلى رئاسة الحكومة، فيما يعتقد آخرون أنه مقرب من المجلس الانتقالي الجنوبي.
وفي الوقت نفسه، يمكن القول إن تعيين بن بريك رئيسًا للوزراء يأتي في سياق التوازنات السياسية داخل مجلس القيادة الرئاسي والذي يجمع المكونات السياسية للحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي.
وفي هذا الإطار، يرى مصطفى بكري السياسي الجنوبي وعضو مجلس النواب، أن اختيار سالم بن بريك رئيسا للوزراء، هو قرار صائب يفتح الطريق أمام البحث عن حلول جادة للاقتصاد اليمني. وفقا لتدوينة له على "إكس".
أما عدنان الأعجم نائب ما يسمى بنقابة الصحفيين الجنوبيين، يعتقد أن قرار تعيين بن بريك لم يُبنى على الكفاءة أو على المشروع الوطني، وإنما على الولاءات والمصالح الشخصية الضيقة.
وقال الأعجم في تدوينة له على منصة "إكس" إن "ما يجري ليس بناء دولة، بل إعادة إنتاج السيطرة بمسميات جديدة" متهما رئاسة مجلس القيادة بتصفية الحسابات بعيداً عن أي رؤية وطنية جامعة.
وفيما يتوقع مراقبون أن بن بريك سيواجه تحديات تتعلق بتحقيق التوافق السياسي بين مختلف القوى في المجلس الرئاسي بغض النظر عن حسابات تصنيفه السياسي، وذلك بحكم الانقسام الموجود داخل المجلس نفسه.
ويذهب آخرون إلى التعبير عن مخاوفهم من أن يكون بن بريك مجرد واجهة لقوى أخرى تريد أن تتحكم بالمشهد، بعدما صارت اليمن ملعباً كبيراً للصراعات الداخلية التي تديرها أيادي خارجية.
بيئة مشحونة
شهدت حكومة الدكتور أحمد عوض بن مبارك، منذ توليه المنصب في فبراير 2024، سلسلة من الإخفاقات في مختلف المجالات، مما أدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والخدمية والسياسية في اليمن.
ومن أبرز النقاط التي أثرت على أداء حكومة بن مبارك وأوصلتها إلى طريق مسدود، هو خلق تصادمات مع مجلس القيادة الرئاسي، حيث اتهمته تقارير دولية بتجاهل توجيهات رئيس المجلس الدكتور رشاد العليمي، المتعلقة بإصلاح الاقتصاد وتعزيز الشفافية والمساءلة.
ولعل ذلك أظهر حالة من التباينات في الأولويات السياسية والاقتصادية بين المجلس والحكومة، حيث اعتبر بعض الأعضاء أن الحكومة لا تقوم بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه في اجتماعات المجلس، وهو ما طرح علامات استفهام حول مدى فعالية الحكومة وقدرتها على تنفيذ إصلاحات حقيقية.
ومن أبرز القضايا التي شهدت تصادما بين المجلس وحكومته، هو أن بعض أعضاء مجلس القيادة كان ينظرون بأن الحكومة لم تكن تتخذ الخطوات اللازمة لإدارة العلاقة بين الشرعية ودول التحالف بالشكل المطلوب، إلى جانب ملاحظاتهم حول التنسيق مع الدول المانحة لليمن، وهو ما أثر على مستوى الدعم الإقليمي والدولي للبلاد.
كما أن تأخير اتخاذ القرارات الحاسمة بشأن الإصلاحات المالية والاقتصادية ومنها إعادة هيكلة المؤسسات المالية إلى جانب التراجع عن بعض القرارات الاقتصادية مثل قرار نقل البنوك، كشفت عن ضعف التنسيق بين المجلس وحكومته.
تابع المجهر نت على X
#اليمن
#الحكومة الشرعية
#سالم بن بريك
#أحمد بن مبارك
#رئيس وزراء جديد
#تحديات
#قرار رئاسي
#مجلس القيادة
#انهيار اقتصادي
#موارد
#وزير المالية السابق
#سيناريوهات
#تطلعات
#العاصمة المؤقتة
#عدن
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news