مشاهدات
كشفت حكومة الرئيس الصيني شي جين بينغ عن توجه أكثر تطورًا في إستراتيجيتها الجيو-اقتصادية لمواجهة محاولات العزل التي تقودها الولايات المتحدة، وذلك عبر سلسلة من التحركات الدبلوماسية والاقتصادية الذكية التي تهدف إلى إعادة رسم تحالفاتها وتعزيز موقعها في النظام التجاري العالمي، وفقًا لما نقلته وكالة بلومبيرغ.
وفي خطوة لافتة، رفعت بكين هذا الأسبوع عقوبات كانت قد فرضتها على عدد من نواب البرلمان الأوروبي، عاقبتهم سابقًا ردًا على انتقادات الاتحاد الأوروبي سجل الصين في حقوق الإنسان.
ووفقًا لـ"بلومبيرغ"، فإن هذه الخطوة قد تمثل محاولة صينية لإعادة فتح قنوات التعاون مع أوروبا بعد فشل اتفاق استثماري كبير كانت الصين قد أبرمته مع الاتحاد في نهاية الولاية الأولى للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وقالت الوكالة، إن بكين كانت حينها تفضل الصراع التكتيكي على الحسابات الإستراتيجية، لكنها اليوم تسعى إلى تصحيح المسار وإظهار انفتاح جديد على العالم، لا سيما في ظل التحديات المتزايدة التي تواجهها من الإدارة الأميركية.
تهديدات بيسنت وعودة الصين إلى كوريا الجنوبية
التحركات الجديدة تأتي في ظل محاولات وزير الخزانة الأميركي الحالي، ومدير صندوق التحوط السابق، سكوت بيسنت، تنفيذ رؤية تقوم على إبرام اتفاقيات تجارية مع شركاء الولايات المتحدة لتكثيف الضغط على الصين. لكن، ووفقًا لـ"بلومبيرغ"، فإن بكين تبدو أكثر جاهزية في هذه الجولة من الصراع.
من أبرز التحولات التي رصدتها الوكالة، استئناف العلاقات الثقافية والتجارية مع كوريا الجنوبية، بعد سنوات من التوتر عقب نشر نظام الدفاع الأميركي "ثاد" على الأراضي الكورية الجنوبية في عام 2016. وكانت بكين قد فرضت حينها حظرًا على السياحة الصينية إلى كوريا، وأغلقت 87 متجرا من متاجر "لوتي" الكورية في الصين، وفرضت حظرًا على منتجات "الكاي-بوب" الكورية.
لكن الصين بدأت الآن، بتخفيف هذا الحظر، حيث تستعد فرقة "إيبيكس" الكورية لإحياء أول حفل لها في الصين منذ ما يقرب من عشر سنوات، والمقرر في 31 مايو/أيار المقبل، في مؤشر على تحسن العلاقات بين البلدين.
رسائل تحذيرية إلى الحلفاء
في المقابل، لم تغفل بكين عن توجيه رسائل واضحة إلى دول آسيا وحلفاء واشنطن. ففي بيان أصدرته وزارة التجارة الصينية الشهر الماضي، حذرت بكين من أنها "ستتخذ إجراءات انتقامية متبادلة" ضد أي دول تتعاون اقتصاديًا مع الولايات المتحدة على حساب مصالح الصين.
وأشار تقرير "بلومبيرغ" إلى أن هذه الرسائل وصلت فعلا إلى عواصم كبرى مثل طوكيو، التي عانت في 2010 من وقف صادرات "المعادن النادرة" الصينية. وتؤكد مصادر حكومية يابانية حالية وسابقة للوكالة، أن بلادهم لن تقبل بالانضمام إلى أي تحالف اقتصادي مناهض للصين.
حتى الحكومة المجرية، بقيادة الحليف المقرب من ترامب، فيكتور أوربان، أوضحت أنها لن تُضعف علاقاتها الاقتصادية مع بكين. وقال وزير الاقتصاد المجري مارتون ناجي في مؤتمر صحفي ببودابست: "لدينا موقف براغماتي للغاية".
شي جين بينغ في موقع المدافع
وتسعى بكين إلى إعادة تقديم نفسها كمدافع عن النظام الاقتصادي القائم على القواعد، في مواجهة ما تصفه بـ"البلطجة الأحادية" من ترامب. ومع ذلك، يبقى من غير الواضح مدى نجاح هذه المحاولات في جذب شركاء جدد.
وفي هذا السياق، قال السفير الأميركي السابق لدى الصين، نيكولاس بيرنز، في محاضرة ألقاها في مركز فيربانك للدراسات الصينية في جامعة هارفارد، إن بكين تحاول حث الأوروبيين واليابانيين والكوريين على "التحالف ضد ترامب".
لكنه اعتبر أن هذا الطرح "خطأ إستراتيجي"، موضحًا أن "الصين توفّر 90% من مكونات الميكروإلكترونيات التي تستخدمها الصناعات العسكرية الروسية، وهذا تهديد وجودي لأوروبا".
وأضاف بيرنز، الذي خدم في إدارات جمهورية وديمقراطية، أن مفتاح القوة الأميركية يكمن في "التحالفات"، قائلاً: "كلما عاملنا حلفاءنا بلطف، تضاعفت قوتنا وتأثيرنا".
من سيكسب الحلفاء؟
وفي ظل سعي الصين إلى إعادة تشكيل تحالفاتها وتقديم نفسها كقوة اقتصادية مسؤولة، تجد إدارة ترامب ووزير الخزانة بيسنت أنفسهم أمام تحدٍ كبير: إعادة بناء الثقة مع الحلفاء، وإتمام الاتفاقيات التجارية قبل أن تملأ الصين الفراغ.
وبحسب تقرير "بلومبيرغ"، فإن السؤال الأساسي في المرحلة المقبلة لن يكون فقط عن مَن يمتلك أقوى اقتصاد، بل عن من يتمكن من جذب مزيد من الشركاء في نظام عالمي يتجه بسرعة نحو الانقسام.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news