أعدّ التقرير لـ”يمن ديلي نيوز” عميد المهيوبي:
لعدة سنوات، اعتاد عامل البناء علي حمود (اسم مستعار) التوجه كل صباح إلى تقاطع شارع الستين في قلب العاصمة صنعاء، حيث يتجمع العشرات من عمال الأجر اليومي على أمل أن يحظوا بفرصة عمل من أحد المقاولين أو أصحاب المشاريع.
علي، البالغ من العمر 40 عامًا، يعيل أسرة من سبعة أفراد، ويستعيد بحسرة أيامًا مضت كانت أكثر رخاءً.
يقول: “قبل 2014، قبل سيطرة الحوثيين على صنعاء، كنت أعمل يوميًا بما يعادل 100 دولار، أي نحو 20 ألف ريال، وأحيانًا أكثر. أما اليوم، فالوضع تغيّر تمامًا”.
ويضيف: “العمل تراجع بشكل كبير، وكل يوم يتراجع أكثر، لأن الناس ما معهمش فلوس. نادرًا ما تحصل على فرصة، وإذا بنى أحدهم بيتًا، يتزاحم عليه العمال كلٌّ منهم يعرض نفسه بأقل أجر ممكن، فقط ليكسب ما يسد به رمقه”.
حتى المقاولون – كما يقول – توقفوا عن العمل، والعاملون المهرة الذين كانوا يُطلبون مباشرة دون الحاجة إلى الوقوف في “حراج العمال”، أصبحوا اليوم مضطرين للانضمام إلى صفوف الباحثين عن عمل في الشوارع.
في حديثه لـ”يمن ديلي نيوز”، يستعرض علي قصة تحوّل معيشته قائلاً: “استمريت اشتغل لحد 2019، بعدها ساءت الأمور كثير، واضطر أكبر أولادي – وكان عمره 15 سنة – لترك المدرسة والبحث عن عمل لمساعدتي. استمر هذا الوضع حتى 2021”.
يتابع: “الحوثيون فرضوا جبايات على كل شيء، من ملاك الأراضي إلى الشركات، وبسبب انقطاع الرواتب، انهار سوق العمل، وزادت البطالة. من بين كل عشرة عمال، واحد فقط يمكن يلقى عمل، وبأجر زهيد ما يكفي حتى للأكل”.
أمام هذا الواقع القاسي وتوقّف القطاع الخاص عن العمل خشية الضرائب والإتاوات، وجد علي نفسه عاجزًا عن تأمين قوت يومه، فقرر مطلع 2021 مغادرة صنعاء والتوجه إلى مدينة مأرب، الواقعة تحت سيطرة الحكومة.
يقول عن قراره: “سافرت مأرب أبحث عن فرصة عمل أقدر بها أعيل أسرتي وأرجّع أولادي للمدرسة. وبعد ما وصلت اشتغلت سنة، ونقلت عائلتي. الوضع في مأرب أفضل بكثير”.
ويتابع: “رغم أن الوضع الاقتصادي في مناطق الحكومة مش مثالي، لكن فيه فرص عمل، ومافيش جبايات ولا إتاوات. الناس تشتغل، والمقاولون يشتغلوا، وهذا يخلي الوضع أكثر استقرارًا من صنعاء ومناطق الحوثيين”.
أرقام للمعاناة
تشير تقارير محلية وحقوقية إلى أن أكثر من 10.5 ملايين عامل أي بنسبة 80 في المائة من القوى العاملة فقدت عملها منذ سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء واستحواذها على مؤسسات الدولة، حيث أدى ذلك إلى توقف نشاط الشركات المحلية والأجنبية.
كما تفيد تقارير صادرة عن الأمم المتحدة بتسريح أكثر من 70% من العمال في شركات القطاع الخاص، مما اضطرهم للهجرة إلى خارج الوطن. كما أن تعسف الحوثيين تجاه ملاك الشركات وقطاع العقارات دفع الكثير من العمال إلى الاغتراب، خاصة في السعودية.
تركتُ بلادي مكرهًا
“عبدالقوي الحداد”، مالك ورشة صغيرة في العاصمة صنعاء، يكافح بكل ما أوتي من قوة لتأمين حياة كريمة له ولأسرته، لكنه اضطر لاحقًا لبيع ورشته والتوجه إلى المملكة العربية السعودية بحثًا عن فرصة عمل تضمن له ولأسرته لقمة العيش.
يقول لـ”يمن ديلي نيوز”: “عشتُ في صنعاء وفتحت ورشة صغيرة لأتمكن من الحصول على لقمة العيش، لكن الحال لم يدم، وقد تسببت زيادة الضرائب والجبايات المفروضة على أصحاب المشاريع من قبل الحوثيين، تحت ذريعة ‘المجهود الحربي’ و’دعم الجبهات’ وغيرها من المسميات، في توقف العمل بشكل شبه كامل في صنعاء، وجعلت حياة العمال وأصحاب المشاريع الصغيرة صعبة جدًا”.
وأضاف: “خلال عام 2023، تعقّد الوضع بسبب الانهيار الاقتصادي الحاصل في اليمن، وكغيري من العمال وأصحاب المشاريع الصغيرة، وجدت نفسي عاجزًا تمامًا عن توفير متطلبات الحياة الأساسية لأسرتي، مما أجبرني على بيع أثاث الورشة والبحث عن فيزا للسفر إلى السعودية”.
وتابع: “في مطلع عام 2023، أكملت معاملتي وجهزت كل ما يتعلق بالفيزا، وتركتُ البلاد مكرهًا من أجل الحصول على لقمة العيش لي ولأسرتي، وتمكين أبنائي من إكمال دراستهم”.
وأضاف: “رغم أن وضعي المعيشي مستقر حاليًا، إلا أنني أشعر بشوق لبلادي وحرقة لفراقها”، معبرًا عن شكره وامتنانه للسعودية على دعمها المستمر لليمنيين، وسماحها بدخول الأيدي العاملة اليمنية إلى أراضيها.
لماذا هذا التراجع؟
أدت الحرب التي أشعلها الحوثيون، والمستمرة منذ عشر سنوات، إلى تدهور كبير في الاقتصاد اليمني، وتقليص فرص العمل، وتراجع الإنتاجية، وارتفاع معدلات الفقر إلى نحو 80%، فيما ارتفع معدل البطالة بين الشباب إلى أكثر من 75%، وفقًا لإحصائية أممية خلال العام الماضي.
يقول الخبير الاقتصادي ،وحيد الفودعي، لـ”يمن ديلي نيوز”: “الانهيار الاقتصادي خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين أدى إلى ركود شديد في الأسواق، وتراجع فرص العمل نتيجة ضعف الحركة التجارية وعزلة هذه المناطق اقتصاديًا”.
وأضاف: هذا الوضع دفع العمال وأصحاب المهن إلى الهجرة نحو السعودية، أو نقل أعمالهم إلى مناطق الحكومة الشرعية، بحثًا عن أسواق أكثر حيوية واستقرارًا اقتصاديًا.
وأوضح أن الحرب التي أشعلها الحوثيون تسببت بكارثة معيشية حقيقية للعمال في مناطق سيطرتهم، خصوصًا في صنعاء، حيث أدت إلى تدمير القطاعات الإنتاجية والخدمية، وتفشي البطالة، وتآكل الدخل، مع استغلال الحوثيين للقوى العاملة عبر فرض الإتاوات، ومصادرة الفرص لصالح عناصرها، والتحكم في سوق العمل.
وتابع: عمال اليمن يعيشون تحت قمع اقتصادي ممنهج، دفع بالكثير منهم إلى الهجرة القسرية إلى السعودية، أو الفرار بمعداتهم إلى مناطق الحكومة الشرعية، بحثًا عن الحد الأدنى من الكرامة وفرصة البقاء.
وفي ظل استمرار تصعيد الحوثيين العسكري وتآكل مؤسسات الدولة، يبدو العامل اليمني، لا سيما في مناطق سيطرة الحوثيين، ضحية مركّبة لعوامل القمع الاقتصادي، وغياب العدالة، وتهالك الخدمات، وفقدان الأمان الوظيفي.
لا تقتصر معاناته على لقمة العيش، بل تمتد إلى مستقبل أبنائه، وحقه في حياة كريمة داخل وطنه.
وبينما تتضاءل خياراته يومًا بعد يوم، لم يعد أمامه سوى ثلاث طرق شاقة: الهجرة الموجعة، النزوح إلى مناطق الحكومة المنهكة، أو البقاء في واقع البطالة والحرمان الذي يتسع بلا أفق.
وفي كل هذه الخيارات، يدفع العامل اليمني ثمن الحرب من جسده، وكرامته، ومستقبل أسرته.
مرتبط
الوسوم
اليوم العالمي للعمال
الأيدي العاملة
الانقلاب الحوثي
ارتفاع البطالة في اليمن
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news