سما نيوز / متابعات
ما زالت مشكلة الكهرباء في عدن الساحلية (جنوبي اليمن) لم تغادر الترتيب الأسوأ من حيث تزايد ساعات انقطاعها مقابل نزر يسير من ساعات التشغيل، وهي مشكلة تتشابه فيها أسباب وعوارض الأزمة في معظم المدن في مناطق نفوذ الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، لكن الأسوأ حالًا تبدو عليه في عدن، التي تتخذها الحكومة عاصمة مؤقتة لها.
وتزداد المشكلة تفاقمًا خلال الصيف مع الارتفاع الشديد في درجة الحرارة، في ظل أوضاع معيشية سيئة للغاية، جراء التردي المتواصل في قيمة العملة الوطنية، وتوالي ارتفاع الأسعار، مما يضاعف من معاناة غالبية الناس، لا سيما مع تراجع قيمة الراتب الحكومي، الذي بات متوسطه يناهز الخمسين دولارًا أمريكيًا.
واعتبر الصحافي الاقتصادي اليمني، عبدالحميد المساجد، «أن استمرار الحكومة في تجاهل أزمة الكهرباء في عدن، رغم حدتها وتفاقمها المستمر، يعكس بوضوح حالة من العجز المؤسسي والفشل الإداري»، معتبرًا أن «مدينة بلا كهرباء، وبلا مؤسسات قادرة، وبلا أمل في تحسين الظروف، لا يمكن أن تكون بيئة صالحة للحكم الرشيد».
وفي بيان لها، أمس الأحد، أوضحت المؤسسة العامة للكهرباء بعدن (حكومية)، «أنه في تمام الساعة الثامنة من صباح الأحد جرى تشغيل محطة الرئيس بترومسيلة وإعادتها للخدمة، وذلك عقب تجميع كميات من النفط الخام المخصص لأيام (الخميس – الجمعة – السبت)».
وأكدت أن «استمرارية تشغيل محطة الرئيس بحدها الأدنى من القدرة الإنتاجية مرهون باستمرار تدفق النفط الخام من حضرموت بواقع أربع ناقلات ومثلها من منشأة صافر، حيث إن الكمية الحالية القادمة من صافر لا تتجاوز 900 برميل، وهي نصف الكمية المطلوبة».
وجددت دعوتها «لجميع الجهات المعنية للعمل على ضمان تزويد محطات التوليد بكميات كافية ومنتظمة من الوقود، لضمان تشغيل كافة المحطات وإعادتها للخدمة وتخفيف المعاناة على أهالي العاصمة عدن جراء الصيف الحالي».
«لم تشهد عدن في تاريخها تدهورًا لخدمة الكهرباء مثل التدهور الحاصل الآن. فقد انقطعت الكهرباء لمدد طويلة حتى في الشتاء الماضي، وهو الفصل الوحيد في السنة الذي كانت الخدمة متوفرة فيه بشكل كبير يتيح للجميع تنفس الصعداء قبل انقطاعات الصيف المتعبة»، هذا ما ذكرته يومية «الأيام» العدنية، في عدد، الأحد، الذي جاءت صفحته الأولى متشحة بالسواد، في إشارة إلى الظلام الذي يخيم على أجواء مدينة عدن، في تعبير عما آل إليه حال المدينة بدون كهرباء. واكتفت الصحيفة بالتعليق: «مرحبًا بكم في عدن. إما إقالة الحكومة أو الثورة».
وتعبيرًا عن رفضهم لهذا الواقع، خرجت مظاهرة غاضبة، مساء السبت، بمديريتي الشيخ عثمان والمنصورة بمدينة عدن استنكارًا لاستمرار أزمة الكهرباء والانقطاعات الطويلة، دون حل في ظل تجاهل حكومي.
ونقلت يومية «عدن الغد» عن شهود عيان «أن عشرات المواطنين خرجوا إلى الشوارع، وقاموا بإشعال الإطارات، وقطع بعض الطرقات الرئيسية، تعبيرًا عن غضبهم من تدهور خدمة الكهرباء والانقطاع المستمر للتيار، في ظل ارتفاع درجات الحرارة».
وأضافت مشيرة إلى أن «حالة من السخط الشعبي تسود الأحياء السكنية في عدن، مع تزايد ساعات الانطفاء، ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة، وسط غياب حلول حكومية واضحة لمعالجة الأزمة».
وذكرت أن هذه الاحتجاجات «تأتي مع تصاعد المطالبات الشعبية للجهات الرسمية بوضع حد للانقطاعات، وتوفير حلول عاجلة لضمان استمرارية التيار الكهربائي، خاصة مع دخول فصل الصيف».
وأعلنت المؤسسة العامة للكهرباء في عدن، مساء الجمعة، «أن محطة الرئيس خرجت عن الخدمة فجراً، وجميع محطات التوليد العاملة بالديزل متوقفة حالياً، في ظل عدم توفر كميات الوقود اللازمة للتشغيل».
وأشارت «إلى أن محطة المنصورة لن تتمكن من الاستمرار لأكثر من ثلاثة أيام في حال عدم توفير مادة المازوت بشكل عاجل، ما ينذر بانطفاء كامل مرتقب».
وناشدت المؤسسة «مجلس القيادة الرئاسي، ورئاسة الحكومة، وكافة الجهات ذات العلاقة، بسرعة التحرك لتوفير الوقود اللازم لضمان استمرار الخدمة وتخفيف معاناة المواطنين، خاصة في ظل الظروف الصعبة مع ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة مع دخول فصل الصيف».
وفي تصريح لـ»القدس العربي» يقول رئيس منتدى البحوث الاقتصادية والإعلام، ومقره عدن، الصحافي الاقتصادي، عبدالحميد المساجدي، «إن استمرار الحكومة في تجاهل أزمة الكهرباء في عدن، رغم حدتها وتفاقمها المستمر، يعكس بوضوح حالة من العجز المؤسسي والفشل الإداري، إضافة إلى استشراء الفساد الذي تغذيه الصراعات الداخلية، وتناقض الأجندات، وانعدام وحدة القرار الاقتصادي. في ظل هذا الواقع، تغيب الرؤية الوطنية المستدامة لمعالجة أزمة الكهرباء جذريًا، وتُستبدل بحلول مؤقتة ومبعثرة لا ترتقي إلى مستوى التحديات المتفاقمة.
وأضاف: «تتجلى الأزمة في أنها ليست مجرد خلل فني أو عجز مالي، بل نتيجة طبيعية لمنظومة متآكلة من التناقضات والصراعات السياسية، التي عطلت قدرة المؤسسات الحكومية على وضع سياسات متماسكة وطويلة الأمد. فمع تعدد مراكز النفوذ وتضارب المصالح، أُفرغت الدولة من أدواتها الاقتصادية، وأُعيقت كل مبادرات الإصلاح الحقيقي».
واعتبر أن «استمرار هذا التجاهل الممنهج لأزمة الكهرباء لن يؤدي فقط إلى مزيد من تدهور الوضع الخدمي والمعيشي، بل سيفضي إلى انفجار الأوضاع الأمنية والسياسية، عبر تصاعد التذمر الشعبي والاحتجاجات الساخطة، التي قد تتطور إلى حالة عصيان مدني واسع النطاق، خاصة في ظل انسداد أفق الحلول وتزايد معاناة المواطنين يومًا بعد آخر».
وأكد «أن الإصرار على إبقاء عدن غارقة في الظلام ومعاناة الكهرباء، يُفقدها تدريجيًا مؤهلاتها الأساسية كمركز مستقر لإدارة الحكم، ويضرب كل الجهود التي تهدف إلى جعلها نموذجًا للاستقرار والتنمية في البلاد. فمدينة بلا كهرباء، وبلا مؤسسات قادرة، وبلا أمل في تحسين الظروف، لا يمكن أن تكون بيئة صالحة للحكم الرشيد أو مركزًا سياسيًا أو اقتصاديًا واعدًا.
وخلص إلى أن «معالجة أزمة الكهرباء اليوم ليست خيارًا ترفيًا، بل مسألة مصيرية تتعلق بمستقبل عدن ودورها المحوري. وتتطلب هذه المعالجة تبني رؤية استراتيجية شاملة، ترتكز على إعادة هيكلة قطاع الطاقة، وضمان استقلاله عن الصراعات، وتأمين استثمارات مستدامة في البنية التحتية، وإرساء مبادئ الشفافية والحوكمة الرشيدة، بعيدًا عن العبث السياسي والمصالح الشخصية». وتعتمد محافظة عدن في الكهرباء على محطات تعمل بالمازوت، وأخرى تعمل بالديزل، ومحطة تعمل بالنفط الخام، بالإضافة إلى حقل توليدي بالطاقة الشمسية.
وتعيش مدينة عدن ومعظم المحافظات الواقعة في مناطق نفوذ الحكومة اليمنية المعترف بها منذ بدء الحرب، التي تشهدها البلاد منذ عشر سنوات، أزمة في تشغيل محطات توليد الكهرباء جراء إشكالات تتعلق بصيانتها، وسوء الإدارة وارتفاع نسبة الاحتياج الفعلي مقارنة بالطاقة التوليدية المتوفرة، علاوة على اهتراء البنية التحتية لهذا القطاع، وقبل ذلك العجز عن تزويدها بالوقود الكافي وقطع الغيار اللازمة، وارتفاع الكلفة الباهظة المترتبة على ذلك، وما يرتبط بذلك من فساد كشف عنه تقرير برلماني.
المصدر
القدس العربي
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news