سبتمبر نت/ توفيق الحاج
أحيا أبطال القوات المسلحة وأحرار الجمهورية ومحبو القائد الشهيد اللواء زيد الحوري، الذكرى الثامنة لاستشهاده.. استشهد اللواء الحوري المناضل والشجاع الذي جعل من حياته نبراسا من القيم والمبادئ التي تضيء دروب الأحرار، كان تجسيدًا حيًا للوفاء للوطن، والإيمان بالجمهورية.
لقد كان الشهيد القائد زيد الحوري قائدا فريدا واستثنائيا لم تنحن هامته سوى لله تعالى، لم يعرف غير الصدق والإخلاص، وظل طوال حياته ثابتًا على مبادئه، مناضلًا لا يساوم في قيمه، ومؤمنًا بأن الوطن أغلى من كل شيء.
وُلد الشهيد زيد الحوري، أركان حرب اللواء 314، في عام 1970 في قرية «الحوري» بمدينة القاعدة، مديرية ذي سفال بمحافظة إب، وهناك بدأت ملامح شخصيته تتشكل منذ الصغر في بيئة تغلب عليها القيم الوطنية والإيمان العميق بالواجب، تميز بحبه للعلم، فدرس في قريته ثم أكمل دراسته في مدينة القاعدة، ليصبح من أبرز القادة العسكريين و أحد أبرز القادة الذين خدموا الوطن بإخلاص، فبعد تخرجه من كلية الطيران والدفاع الجوي في عام 1993م حائزًا على بكالوريوس في الدفاع الجوي بتقدير امتياز ثم أكمل مشواره الأكاديمي والتحق بكلية الهندسة في جامعة صنعاء، ليحصل على بكالوريوس في هندسة الكهرباء والاتصالات الإلكترونية في عام 1997م.
لم يكن زيد الحوري مجرد قائد عسكري عادي، وإنما مدرس أكاديمي متميز في كلية الطيران والدفاع الجوي، تخرج على يديه عدد من الدفع والقادة العسكريين، كما شغل عدة مناصب، أبرزها قائد جناح المواد العامة، كما حصل على درجة الماجستير في العلوم العسكرية من كلية القيادة والأركان، ليكون بذلك نموذجًا يحتذى به في التوفيق بين العلم والمهارة العسكرية.
وصية خالدة
قبل استشهاده بأربعة أشهر، خطَّ الشهيد العميد الركن زيد الحوري وصيته الأخيرة، داعياً فيها المتقاعسين عن الدفاع عن الوطن إلى أن يقفوا عند مسؤولياتهم، محذرًا إياهم من تداعيات التراخي في مواجهة المشروع الفارسي الذي يهدد المنطقة، إذ قال: «إن المشروع الفارسي يجتاح المنطقة، لا يبالي بعدد من يُقتل من الطرفين، لأنه في النهاية دم عربي، وما يهمهم هو مشروعهم الذي يسعون من خلاله لإعادة أمجاد فارس، وستكون نهاية المتهاونين خلعهم بعد انتهاء المعركة»، هذه الكلمات التي سطرها الشهيد ليست مجرد تحذير، بل هي نداء وطني عميق يستدعي جميع الأحرار للوقوف صفًا واحدًا في مواجهة هذا التهديد.
إن دروسًا كثيرة تضيء طريقنا اليوم من خلال قصة الشهيد زيد الحوري وذكراه الخالدة، تلك القصة التي تسرد بطولة قائد لم يكن يرضى سوى أن يكون في الصفوف الأولى، يدافع عن وطنه وعن الجمهورية، وكان دائمًا يؤكد على ضرورة الاصطفاف الوطني، بأن نكون جميعًا يدًا واحدة في معركة الدفاع عن الجمهورية، وعن حلم الدولة الاتحادية التي يسعى إليها الشهداء الأبطال.
كما قال الشهيد زيد الحوري في وصيته: «كونوا صفًا واحدًا، ودافعوا عن جمهورية الشعب، وحلم الدولة الاتحادية، وعهد الشهداء الأبطال.» كلماتٌ تتردد صداها في أذهاننا اليوم أكثر من أي وقت مضى، لتظل تلك العزيمة الصلبة عنوانًا لحركة الأحرار في كل معركة وميدان.
نبراس القيم
كان الشهيد زيد الحوري بمثابة معلم وقائد يزرع القيم الوطنية في قلوب ضباطه وهو يدرسهم في قاعات كلية الطيران والدفاع الجوي ثم في ميدان الدفاع عن الوطن، وفي خضم اهتماماته العسكرية ونضالاته الوطنية كان مسارعا الى فعل الخير محبا له، حيث أسس مشروعًا خيريًا لإفطار الصائمين في قريته خلال شهر رمضان، موجهًا مساعداته للمحتاجين والفقراء، ليظل ذكره في الأذهان طيبًا عابقًا بالخير والإحسان.
لكن لم يكن الخير وحده هو ما يميز الشهيد، بل كان يربط بينه وبين وطنه علاقة مقدسة لا تقبل المساومة، فعندما اجتاحت المليشيات الحوثية المدعومة من إيران العاصمة صنعاء في 2014، لم يكن الشهيد ليقف مكتوف الأيدي، وإنما شكل البطل زيد الحوري مع الأحرار خلايا مقاومة لمواجهة الزحف الحوثي المدعوم من إيران مدركا حجم المؤامرة على البلد وعلى الثورة والجمهورية، فالتحق بمقاومة تعز بقيادة الشيخ حمود المخلافي ثم انتقل الى مأرب والتقى بالقائد عبدالرب الشدادي وحظي بدعم ومساندة، وهناك بدأ يخط سفر من النضال.
مهندس الانتصارات
لقد خاض الحوري معركة استعادة الدولة والجمهورية بكل بسالة وشجاعة وشرف، قاد معركة تحرير الجدعان وحقق فيها انتصارات ساحقة على مليشيا الحوثي، ثم خاض معركة ماس التي سطر اللواء 314 في الجيش الوطني بقيادته انتصارا كبيرا تكلل بتحرير منطقة ماس بدعم الشدادي، ثم قاد عملية التفاف توغل من خلالها إلى محافظة الجوف وخاض معركة تحرير براقش ، ولعل مقبرة عناصر الحوثي بجانب القلعة والموقع الاثري دليل لا يمكن إنكاره أو طمسه على شراسة المواجهات التي منيت على إثرها المليشيا خسارة فادحة، كان الفضل في ذلك بعد الله يعود الى التخطيط المتقن الذي رسمه القائد زيد الحوري وحنكته في القيادة، فتوالت أخبار الانتصارات أرجاء الوطن، ولاح بارق الأمل في سماء الوطن وتنفس ابناء محافظة الجوف والمناطق المجاورة الصعداء بدحر المليشيا وقرب زوالها من مناطقهم، واصل الحوري معاركه الوطنية وحصد الانتصارات المتتالية دون توقف، توجه إلى منطقة الصفراء وخاض معارك عنيفة ضد الانقلاب أسفرت عن تحرير منطقة الصفراء وفرار بقية عناصر مليشيا الحوثي وهم يجرون أذيال الهزيمة مخلفين جثث قتلاهم متناثرة في الطرقات والصحاري، واصل القائد زيد الحوري زحفه حتى مفرق الجوف والحق هزيمة شنعاء بمليشيا الخراب وتم تحرير مفرق الجوف ثم قاد التفافا وخاض مع بقية الوحدات من الجيش الوطني معركة تحرير الفرضة ومعسكر الفرضة ووصل إلى تبة الأريلات، فتوالت بشائر النصر وعمت الفرحة أرجاء الوطن بوصول الجيش الوطني إلى مشارف صنعاء..
معركة استثنائية
لم تكن معركة تحرير نهم معركة عادية، وإنما معركة استثنائية ومختلفة بكل المقاييس العسكرية إذ شهدت العديد من التحديات والمصاعب، أصبح تجاوز نقيل الفرضة ودك تحصينات المليشيات الحوثية وتحرير السلاسل الجبلية الشاهقة الممتدة والطويلة جدا إحدى أبرز البطولات التي سُجلها التاريخ للجيش الوطني، فهذه المناطق، تتميز بتضاريسها الوعرة والمعقدة، اضافة الى أن المليشيا الحوثية تراهن عليها، ومع ذلك، تمكن البطل الشهيد زيد الحوري ورفاقه الضباط من قيادة القوات بكل شجاعة وحنكة، مُتغلبين على عقبات صعبة، تشمل السلاسل الجبلية التي تمتد شرقًا وغربًا وجنوبًا، فضلاً عن حقول الألغام المموهة والموزعة بشكل عشوائي في المنطقة، والتي تعد واحدة من أخطر التحديات التي قد تواجه أي جيش في العالم.
لم يكن تجاوز هذه العوائق الأمنية مجرد مهمة عسكرية، بل إنجازًا، يشهد على إبداع الشهيد الحوري وبقية زملائه الأبطال في تنفيذ تلك المعركة، الذين استطاعوا، بعزم لا يلين، تجاوز تلك الصعاب الجسيمة رغم قلة الإمكانيات العسكرية المتاحة، كان هذا الاختراق هو بمثابة معجزة عسكرية تحقق بفضل ذكاء الشهيد الحوري وتخطيطه الاستراتيجي، وكذلك شجاعته الفائقة التي ألهمت كل من حوله.
تكريم مستحق
وقد أدركت القيادة السياسية والعسكرية أهمية هذا النصر العظيم وقيمته، وقامت بتكريم قائد النصر الشهيد زيد الحوري تقديرًا لشجاعته الفائقة وقيادته الحكيمة، فصدر قرار رئيس الجمهورية بترقيته إلى رتبة عميد، وهو تكريم يعكس تقدير الوطن لما قدمه من تضحيات عظيمة، كما قام القائد الشهيد عبد الرب الشدادي، مؤسس الجيش الوطني، بتكريمه بصفته أحد أبطال هذه المعركة المصيرية.
من خلال هذا السفر النضالي والوطني الخالد، وبإعادة قراءة الوقائع البطولية، لا تدهشنا بطولات الشهيد زيد الحوري العسكرية، بل عمق التزامه الوطني وإيمانه الراسخ بقضية شعبه، فكل مرحلة من مراحل نضاله كانت بمثابة درس في التفاني والقيادة الحقيقية، وهو ما يمكن تسميته بالقائد الاستثنائي بكل معنى الكلمة، أكد للعالم أن البطولة لا تقتصر على القوة العسكرية فحسب، بل تشمل الاستراتيجية والقيادة الفائقة التي تُلهم الأجيال القادمة.
إن استلهام الدروس من حياة الشهيد زيد الحوري يعد ضرورة ملحة للقادة في كل ميدان، سواء في الحروب أو في مواجهة التحديات اليومية، فهو ليس فقط نموذجًا للتضحية والشجاعة في الميدان، بل هو قدوة في العمل العسكري المبدع والإيمان العميق بقضية الوطن ستبقى تضحياته خالدة في ذاكرة الشعب والوطن، ورمزًا للبطولة التي لا تموت.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news