السفارة صارت مستشفى.. والملحق الثقافي صار "صيدلي"!
قبل 10 دقيقة
كل ما استطيع قولة بأدب انه في مشهد عبثي يتجاوز خيال الروائيين وأحلام أكثر الساخرين جرأة، استيقظ اليمنيون في العاصمة الصومالية مقديشو على "فضيحة دبلوماسية" من العيار الثقيل: السفارة اليمنية تم بيعها بالكامل وتحولت إلى مستشفى خاص!
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد — فقد شمل "الكرم" بيع مباني القنصلية، والملحقيات العسكرية والثقافية والطلابية والطبية، وحتى "الحوش" وهذا ما تم تدوالة في وسائل الاعلام المختلفة دون تعليق رسمي بالنفي!
و لان حكومة بن مباركة فضلت الصمت يبدو أن العرض كان يشمل كراج السيارة وساعة الحائط وصينية الشاي!
كنت اتمنى ان مزحة ثقيلة في كذبة أبريل، بل وللاسف واقعة حقيقية، جرت أحداثها خلال شهر رمضان الكريم، حين قررت السفارة "الصائمة" أن تغلق أبوابها وتعلن الإجازة… لتستفيق الجالية اليمنية بالصومال بعد العيد على يافطة ضخمة كتب عليها:
"مستشفى السلام – رعاية صحية بلا حدود"
أما الملحق الثقافي، فقد أعاد تعريف وظيفته، وانتقل من توزيع المنح الدراسية إلى صرف وصفات الدواء. والملحق العسكري قد تجده في غرفة الطوارئ يقيس الضغط. أما من تبقى من الطاقم فربما قرر فتح "كافيتيريا دبلوماسية" في الممر الجانبي. إنه وبلا شك فساد عابر للقارات، حصريًا على اليمن وشرعيتها المبجلة.
السفير اليمني هناك، فضل الحنق – والاسم على مسمّى – وعد الناس بأنه "سوف يحل الموضوع قريبًا باستئجار دكان أو شقة صغيرة".
عداه العيب! يحنق لا حنق من حقه إذا ما وُبِّخ على ما اقترفت يداه…
هكذا ببساطة: الوطن صار دكان، والدولة تقلصت إلى "استراحة موظف".
وأغلب الدبلوماسيين نقّوهم من سوق الملح: لا شهادات، لا كفاءات… ولهذا اصبح لا أحد في اليمن يدرس علوم سياسية؛ يكفي أن تحمل شهادة سمسار أراضي وعقارات، وأن تكون قريبًا من مصدر القرار وحزب يركي لك.
ولا يكتمل المشهد دون فقرة الخاتمة الكبرى:
لا أحد يعرف كيف بيعت السفارة، ولمن، ولا كم كان الثمن، لأن البيع تم "بثمن بخس قروش معدودة" وكأنها سلعة مهربة في سوق ليل.
وإن كنت تظن أن هذه الحكاية فريدة، فأنت مخطئ؛ إذ تشير الوقائع إلى أن "السباق المحموم لبيع اليمن" شمل:
بيع نصف مباني السفارة في روسيا لشركة من دولة شقيقة (ربما لاستثمار دبلوماسي مشترك؟).
تأجير نصف السفارة اليمنية في ألمانيا لدولة شقيقة (تأجير مشترك أم "شراكة قسرية"؟).
وهناك أنباء عن بيع ثلاثة عقارات حكومية في مصر، منها قصر سيف الإسلام، الذي تحوّل من رمز تاريخي إلى "عرض عقاري مغرٍ" ولم تنفي السفارة ما يتم تداولة.
باختصار… تحول السفراء من ممثلين دبلوماسيين إلى سماسرة أملاك عامة
شعارهم: «بيع ولا تخلي اسمك يضيع»، يتعاملون مع العقارات السيادية كما لو أنها إرث جدٍّ منسي.
أما "الشرعية" ومجلس القيادة الرئاسي، فيواصلون الغياب التام، وكأنهم في نسخة واقعية من "أليس في بلاد العجائب" ومكتفيين بالتنقل في الاعراس ما بين المضبي و المندي؛
لا صوت، لا موقف، ولا حتى بيان شجب وندب!
ربما لأن الشجب نفسه صار يباع هو الآخر.
في خضم كل هذا، يبقى السؤال:
هل هناك ما تبقى لبيعه؟
أم أننا ننتظر اليوم الذي يعرض فيه مقعد اليمن بالأمم المتحدة للبيع بالتقسيط مع عرض: جواز دبلوماسي صالح لفتح كشك فول في المهجر؟
هذه الفضيحة يفترض أن يعقبها إقالات من المنصب، ومسائلات قانونية، واستدعاء عاجل للسفير الحنق، إلا أن لا شيء من هذا حصل.
ظهر وزير الخارجية يقول: "السفارة ما بيعت، بل أُجرت"… وبالمصري "جاء يكحلها، عماها".
لا غرابة إذا كان رئيس مجلس القيادة يقول إنه مستأجر غرفة من نادٍ قرب المعاشيق لإدارة الدولة؛
فلا تستغرب أن تُؤجّر السفارات وتُدار الدبلوماسية من دكاكين.
هذه هي الشرعية… ينطبق عليها القول:
"إن لم تستحِ فاصنع ما شئت."
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news