مع تصاعد الهجمات الجوية التي تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا، وشاركت إسرائيل في ثلاث مناسبات متفرقة منذ مطلع العام الماضي ضد جماعة الحوثي، ذراع إيران في اليمن، تستنفر الجماعة التي تصنفها واشنطن كمنظمة إرهابية، لحماية منظومة اتصالاتها، بشقيها الخاص والعام، في محاولة لتفادي سيناريو الاختراق الكارثي الذي تعرض له "حزب الله" اللبناني عقب انهيار بنيته الاتصالية المعتمدة على شبكات "البيجر" وأجهزة الإشارة، والذي أدى إلى خلخلة منظومة القيادة والسيطرة لديه.
وتُعد منظومة الاتصالات الخاصة بالجماعة الحوثية أحد أبرز مكونات بنيتها التنظيمية والأمنية والعسكرية، إذ توفر لها مظلة حيوية لإدارة العمليات والتواصل الداخلي، كما تشكل خط الدفاع الأول لمنع تفككها التنظيمي، والحفاظ على سريتها وأمن هياكلها وشبكتها القيادية.
ومنذ اندلاع تمردها المسلح عام 2004 ضد الحكومة اليمنية، عمدت الجماعة إلى إنشاء شبكة اتصالات مستقلة، بعيدة عن النظام الوطني اليمني، تسهل القيادة والسيطرة، وتحمي قنوات تواصلها من المراقبة أو الاختراق.
وقد أشرفت وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية، إلى جانب استخبارات الحرس الثوري عبر ذراعه الخارجية "فيلق القدس"، على تطوير القدرات التقنية والاتصالية للحوثيين، وذلك ضمن هيكلية عمل اتصالات الكيانات التابعة لما يُعرف بـ"المحور الإيراني"، وبالتنسيق الوثيق مع منظومة اتصالات "حزب الله" في الضاحية اللبنانية.
شمل ذلك نقل الخبرات وإرسال المستشارين إلى جماعة الحوثي، وبناء شبكة اتصالات تعتمد على تقنيات ومعدات وأجهزة إيرانية المنشأ والصنع. وجرى تطوير هذه البنية الحيوية بما يتماشى مع اتساع العمليات الميدانية للجماعة، وتزايد نفوذها، وتعاظم هياكلها التنظيمية والعامة.
ملف حساس بيد عائلة المؤسس
تُبقي الجماعة هذا الملف محاطًا بدرجة عالية من السرية، وتفيد مصادر استخباراتية، ومعلومات حصل عليها "المصدر أونلاين"، أن إدارة هذا الملف يتولاها محمد حسين بدر الدين الحوثي، النجل الثالث لمؤسس الجماعة، الذي قُتل في سبتمبر 2004.
وعلى الرغم من الغموض الذي يلف حياة أبناء حسين بدر الدين الحوثي، فقد برز شقيقه علي حسين في واجهة العمل الأمني، بصفته مديراً لجهاز استحدث حديثاً تحت اسم "استخبارات الشرطة"، ووكيلًا لوزارة الداخلية لقطاع الأمن والاستخبارات برتبة "لواء"، بعد سلسلة من التنقلات في الأجهزة الأمنية المختلفة.
أما محمد، الذي يعمل بعيداً عن الأضواء على عكس شقيقه الطامح، فلا تتوفر عنه معلومات في المصادر المفتوحة، ولا تُتداول له صور شخصية، باستثناء صورة قديمة.
أُرسل محمد حسين إلى إيران منذ سنوات مبكرة، حيث خضع لتنشئة مذهبية وفكرية في مؤسسات دينية وتعليمية، إلى جانب دورات متقدمة في الأمن الرقمي والاتصالات ودورات عسكرية تحت إشراف فيلق القدس، وجرى تأهيله بعناية، كغيره من قيادات وعناصر الجماعة الذين تلقوا تدريبات مماثلة، ليعود لاحقاً لتولي مواقع مفصلية داخل الجماعة.
عُيّن محمد مسؤولاً عن "دائرة الاتصالات الجهادية"، وهي وحدة الاتصالات الداخلية الخاصة بالجماعة، ويديرها تنفيذياً القيادي محمد ناصر أحمد مساعد، المكنى بـ"أبو عصام".
وبعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، تم تعيينه أيضاً مُشرفاً على "دائرة الاتصالات العسكرية" في وزارة الدفاع التابعة للجماعة، ويقوم بإدارتها فعلياً، بقرار غير معلن وبرتبة لواء، ويعاونه نائبان برتبة "عميد" هما عبد الخالق أحمد محمد حطبة من صعدة، وأحمد الشامي، وكلاهما يرتبطان بأجهزة الجماعة الاستخباراتية.
كما عيّنت الجماعة محمد أحمد محمد المهدي على رأس وزارة الاتصالات، وعملت على إحكام قبضتها على هذا القطاع الحساس، بما في ذلك الشركات الخاصة، واستبدلت الكوادر الوطنية بقيادات موالية، معظمهم من منتسبي الأجهزة الأمنية والاستخباراتية.
تشارك تقني مع إيران
في 14 فبراير 2022، صدر قرار من مهدي المشاط، رئيس "المجلس السياسي الأعلى"، بتعيين محمد حسين عضواً في اللجنة العليا لإدارة "الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة"، وتولى بموجبه مسؤولية القطاع التقني والإلكتروني.
وتُعد "الرؤية الوطنية"، التي أعلنتها الجماعة في مارس 2019، مُخططاً استراتيجياً لإعادة هيكلة المؤسسات والهيئات العامة، وفق نهج الجماعة وأولوياتها، وتم تشكيل وحدة تنفيذية وهيئة عليا للإشراف على تنفيذ هذا المشروع.
كما يتولى محمد حسين مسؤولية ملف التنسيق التقني والمعلوماتي مع إيران وأذرعها في المنطقة، وقد أبقت الجماعة شبكتها الاتصالية المستقلة خارج الهيكل الحكومي الرسمي، لضمان مرونة وسرية التواصل بين قياداتها.
وتشير المعلومات إلى أن الجماعة طوّرت شبكات اتصالات عسكرية خاصة، تتضمن أنظمة شيفرة، وأجهزة إشارة، ومعدات متقدمة، وأنها ترتبط بقيادتها الجهادية مباشرة، وصولاً إلى زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.
تشديد الإجراءات والتحديثات التقنية
على وقع الضربات المكثفة، اتخذت الجماعة سلسلة من الإجراءات الاحترازية لتأمين بنيتها الاتصالية، وقامت بتحديث الأنظمة والشيفرات، وقيّدت تحركات قياداتها، وشددت من الاحتياطات الأمنية في المقار والمخابئ والمنشآت العسكرية.
تتولى "دائرة الاتصالات الجهادية" هذه التحديثات، بالتنسيق مع جهاز "الأمن الوقائي الجهادي" الذي يقوده أحسن عبد الله الحمران، أحد المقربين من زعيم الجماعة، إلى جانب وحدات الاتصالات والمخابرات العامة الحوثية.
وبالإضافة إلى سطوتها التقنية، تعتمد الجماعة على قبضتها الأمنية داخل مناطق سيطرتها، واحتكارها لوسائل الإعلام والاتصالات والانترنت، ما يجعل من الاختراق تحدياً معقداً.
توريدات وتهريب معدات اتصالات
رغم الضغط، تشير وثائق إلى قيام الجماعة بتهريب أجهزة اتصالات وتقنيات تنصت عبر قنوات متعددة، وشملت تلك الجهود استيراد معدات من الصين لصالح "الأمن الوقائي"، عبر شركة "سام" التي يمتلكها عبد السلام فليتة، المتحدث باسم الجماعة.
كما وصلت شحنات إضافية من المعدات عبر البحر الأحمر، وعبر الحدود البرية مع سلطنة عمان، تشمل أجهزة اتصالات غير إيرانية المنشأ.
مع تصاعد العمليات العسكرية التي تنفذها إدارة الرئيس دونالد ترامب ضد مواقع الحوثيين في اليمن، منذ منتصف مارس الماضي، تركزت ضربات دقيقة على شبكات الاتصالات، أنظمة التوجيه، ومحطات المراقبة والاستطلاع.
وتشير معلومات إلى أن هذه العمليات شاركت فيها معدات حرب إلكترونية، وطائرات تجسس، وخبراء سيبرانيون، واستهدفت مراكز تقنية ومواقع اتصالات جبلية استراتيجية، في صعدة وصنعاء والحديدة وعمران ومأرب والجوف وتعز وإب.
وتسبب ذلك، في تدمير أجزاء رئيسية من البنية الاتصالية، ما قد يؤثر سلباً على قدرة الجماعة على إدارة عمليات إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة الموجهة عبر الأقمار الصناعية، ويُربك أنظمة القيادة والدعاية الإعلامية.
لكن مدى فاعلية هذه الضربات سيظل مرهوناً بقدرة الجماعة على إعادة تموضعها، وتوفير الوقت والموارد لاستعادة بنيتها، وكذلك بمدى نجاح الولايات المتحدة في تعطيل قنوات الدعم التقني واللوجستي القادمة من طهران والأسواق الدولية.
المصدر أونلاين
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news