قال قيادي بارز في جماعة الحوثيين، لموقع دروب سايت نيوز إن القوات الحوثية ستوقف جميع الهجمات على السفن الأميركية في المنطقة في حال أنهت الولايات المتحدة حملتها الجوية ضد اليمن.
وأوضح (محمد البخيتي)، عضو المكتب السياسي للحوثيين والمتحدث الرسمي المخضرم باسم الجماعة:
"نحن لا نعتبر أنفسنا في حالة حرب مع الشعب الأميركي. وإذا توقفت الولايات المتحدة عن استهداف اليمن، فسنتوقف بدورنا عن تنفيذ العمليات العسكرية ضدها."
ومنذ نوڤمبر/ تشرين الثاني 2023، وردًا على الحرب الإسرائيلية على غزة، فرض الحوثيون حصارًا بحريًا صارمًا في البحر الأحمر، ما حال دون عبور السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل. كما شنت الجماعة هجمات عسكرية على تل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى، مؤكدة أن عملياتها البحرية والعسكرية ستستمر تضامنًا مع المقاومة الفلسطينية.
ورغم أن القوات الحوثية استهدفت سفنًا حربية أميركية وطائرات مُسيّرة كانت متمركزة في المنطقة لتنفيذ ضربات ضد اليمن، فإنها لم تستهدف أي سفن تجارية أميركية منذ تولي ترامب منصبه.
ومع تصاعد الهجمات الأميركية على اليمن، ظلّت جماعة الحوثيين ملتزمة بعمليات عسكرية تصفها بأنها دفاع عن النفس وأعمال تضامن مع الفلسطينيين في غزة.
وقال البخيتي:
"حربنا مع الولايات المتحدة ليست حتمية. فإذا تخلّت واشنطن عن سياساتها العدائية تجاهنا وتجاه أمتنا الإسلامية، فسنتوقف عن اتخاذ إجراءات عدائية ضدها. الكرة الآن في ملعب المؤسسة الحاكمة في واشنطن."
في مقابلة حصرية مع موقع دروب سايت -تُعد الأهم التي تُمنح لوسيلة إعلام أميركية منذ بدء الضربات الأميركية المكثفة الشهر الماضي- دافع محمد البخيتي عن الحصار البحري الذي تفرضه جماعة الحوثيين على البحر الأحمر.
البخيتي، الذي يشغل منصب محافظ محافظة ذمار التي كانت هدفًا لضربات أميركية حديثة، عرض شروط جماعته لخفض التصعيد العسكري.
وقال البخيتي:
"عندما يتوقف الكيان الصهيوني عن جرائم الإبادة في غزة، ويسمح بدخول الغذاء والدواء والوقود، وفقًا لاتفاق وقف إطلاق النار، فإننا سنتوقف عن جميع العمليات العسكرية ضده."
وأضاف:
"نحن فقط دافعنا عن أنفسنا. هناك أيضًا جرائم إبادة تُرتكب في غزة، وحصار يهدف إلى التجويع. يجب على جميع الأمم أن تتحرك نصرةً للمظلومين والضعفاء، كما تؤكد ذلك الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي لحقوق الإنسان."
وأوضح البخيتي أنه، في حال توقفت الضربات الأميركية، فإن الحوثيين سيحترمون أي اتفاق يشمل السفن الأميركية، إلا أن السفن الإسرائيلية ستظل خاضعة للحصار إلى حين إنهاء إسرائيل لحربها الإبادية ضد الفلسطينيين في غزة، أو في حال التوصل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار.
وقال:
"ستستمر عملياتنا ضد الكيان الصهيوني حتى تحقيق أهدافنا. وإذا كان ترامب يسعى فعلاً إلى السلام كما يدّعي، لكان الأجدر به أن يضغط على نتنياهو لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، والذي يتضمّن رفع الحصار عن غزة والسماح بدخول الغذاء والدواء. عندها فقط سنتوقف عن جميع العمليات العسكرية ضد الكيان الصهيوني."
و في الوقت الذي تصف فيه إدارة ترامب هجمات الحوثيين بأنها موجهة ضد سفن الشحن التجارية الأميركية، تكشف الوقائع أن الهجمات استهدفت السفن الحربية والطائرات المُسيّرة الأميركية المشاركة في الضربات على اليمن. فقد شن الحوثيون هجماتٍ على مدمرات أميركية باستخدام صواريخ كروز، وطائرات مُسيّرة، وصواريخ مضادة للسفن.
وفي يوم الأربعاء، أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين (يحيى سريع)، أن الجماعة أسقطت طائرة أميركية من طراز MQ-9 كانت "تنفذ مهامًا عدائية" في شمال شرق اليمن، مشيرًا إلى أنها أُصيبت بواسطة "صاروخ أرض-جو محلي الصنع".
وأكد سريع أن هذه الطائرة تُعد الثالثة التي تُسقطها الجماعة خلال الأيام العشرة الماضية، والثامنة عشرة منذ أن أطلقت جماعة الحوثيين جبهة التضامن مع غزة.
أما آخر هجوم معروف للحوثيين استهدف سفنًا تجارية أميركية فقد وقع في ديسمبر/ كانون الأول 2024، قبل تولي ترامب منصبه. حينها، كانت ثلاث سفن تحمل العلم الأميركي في طريقها إلى دولة جيبوتي بشرق أفريقيا، ترافقها سفن حربية أميركية، عندما تعرّضت لهجومٍ مكثف من قِبل القوات الحوثية. ومنذ أداء ترامب اليمين الدستورية، لم تُسجل أي هجمات مماثلة.
وقال محمد البخيتي:
"عدم استهداف أي سفن أميركية منذ ديسمبر/ كانون الأول 2024 يُثبت فاعلية عملياتنا الداعمة لإخواننا في غزة، ويؤكد أننا لا نستهدف سوى السفن التابعة للكيان الصهيوني أو تلك المتعاملة معه."
وأضاف:
"لقد تعلمنا من الولايات المتحدة كيف تُستخدم الحصارات البحرية كسلاح، لكننا نستخدمها لأسبابٍ أخلاقية. فالولايات المتحدة والكيان الصهيوني فرضا حصارًا بحريًا وبريًا وجويًا على غزة. وعليه، فإن حصارنا المفروض على الكيان الصهيوني هو رد على الحصار المفروض على غزة."
و في خطابٍ ألقاه يوم الخميس، صرّح (عبد الملك الحوثي)، زعيم جماعة الحوثي، بأن الغارات الجوية الأميركية على اليمن فشلت في إنهاء الحصار البحري في البحر الأحمر أو وقف الهجمات الحوثية على إسرائيل. وقال:
"لم يتمكن الأميركيون من تأمين الملاحة البحرية لصالح العدو الإسرائيلي، كما لم يتمكنوا من إيقاف الهجمات الصاروخية والطائرات المُسيّرة على فلسطين المحتلة، ولن يستطيعوا ذلك، بإذن الله."
ومنذ بدء الحصار البحري مع اندلاع الحرب على غزة، استهدفت القوات الحوثية عشرات السفن الدولية المتجهة إلى إسرائيل عبر ضربات بالطائرات المُسيّرة والصواريخ، بل واستولت على إحدى السفن.
ورغم أن الولايات المتحدة وصفت هجمات الحوثيين بأنها تمثل خطرًا وشيكًا على الأرواح الأميركية، فإن الهجمات التي وقعت خلال الأشهر الأربعة عشر الماضية أسفرت عن مقتل ثلاثة بحارة فقط، اثنان من الجنسية الفلبينية وآخر فيتنامي.
وقد تمثلت أبرز نتائج الحصار البحري الحوثي في أضراره الاقتصادية، حيث تراجعت حركة السفن التجارية بشكل كبير في المنطقة، ولا سيما في ميناء إيلات الإسرائيلي الذي يعتمد بشكل أساسي على الملاحة في البحر الأحمر.
أما موجات القصف الانتقامي التي شنتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل، فلم تنجح في ردع العمليات البحرية للحوثيين.
ورغم تصريحات ترامب ومسؤولين أميركيين كبار بأنهم سيوقفون الهجمات على اليمن إذا توقفت الجماعة عن استهداف السفن الأميركية -وهو ما أكده محمد البخيتي لموقع دروب سايت بأن الجماعة مستعدة للقيام به- إلا أن من غير المرجح أن تفي الإدارة الأميركية بذلك الوعد ما دامت الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة مستمرة.
و في أمر تنفيذي وقّعه في 22 يناير/ كانون الثاني، أعلن ترامب:
"تتمثل سياسة الولايات المتحدة في التعاون مع شركائها الإقليميين للقضاء على قدرات الحوثيين وعملياتهم، وحرمانهم من الموارد، وبالتالي إنهاء هجماتهم على الأفراد والمدنيين الأميركيين، وشركاء الولايات المتحدة، والملاحة البحرية في البحر الأحمر."
وشمل هذا القرار أيضًا إعادة تصنيف جماعة الحوثيين كـ"منظمة إرهابية أجنبية"، وهو إجراء كان ترامب قد اتخذه خلال ولايته الرئاسية الأولى قبل أن يُلغيه الرئيس جو بايدن لاحقًا.
وقال محمد البخيتي:
"المصالح الأميركية، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية، ما زالت قائمة على استمرار الحرب في اليمن والمنطقة، من أجل بيع السلاح والحفاظ على التفوق النوعي لإسرائيل. لذلك، فإن أميركا لا تتصرف كوسيط لتحقيق السلام، بل كطرف يسعى إلى تعميق الانقسامات والخلافات بين دول المنطقة."
وأكد الحوثيون أن قرار رفع الحصار البحري مرهون بأفعال حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى في غزة.
وقال البخيتي:
"عندما يتوقف الكيان الصهيوني عن جرائم الإبادة في غزة، ويسمح بدخول الغذاء والدواء والوقود، وفقًا لاتفاق وقف إطلاق النار، فإننا سنتوقف عن جميع العمليات العسكرية ضده."
وهناك ما يدعو لتصديق هذا الموقف.
فحين وقّعت حماس اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل في 17 يناير/ كانون الثاني، أعلنت جماعة الحوثيين رفع الحصار وعلّقت هجماتها.
وقد انتهت المرحلة الأولى من الاتفاق في 1 مارس/ آذار، ورفضت إسرائيل الدخول في مفاوضات بشأن المرحلة الثانية، بل فرضت حصارًا شاملاً على غزة ومنعت دخول أي مساعدات إنسانية.
وردًا على ذلك، أصدرت جماعة الحوثيين إنذارًا نهائيًا لإسرائيل تطالب فيه برفع الحصار عن غزة خلال أربعة أيام. وفي اليوم الخامس، أُعيد فرض الحصار البحري من قبل الحوثيين.
وقال البخيتي:
"فيما يتعلق بقضية غزة، ينبغي على الأميركيين التفاوض مع المقاومة الفلسطينية في غزة للتوصل إلى حل، إذ إن عملياتنا العسكرية تهدف إلى الضغط وتشكّل ورقة قوة بيد المفاوض الفلسطيني."
وأضاف:
"يجب أن نتحرك لوقف جرائم الإبادة بكل الوسائل، حتى العسكرية والاقتصادية منها. ويجب أن تُوجّه المساءلة إلى أولئك الذين يدعمون الإبادة في غزة، ويوفرون الحماية لمرتكبيها، ويتخلّون عن واجبهم، وليس إلى من يؤدون واجبهم الديني والأخلاقي والإنساني."
•
قرع طبول الحرب ضد إيران
تصوّر إدارة ترامب جماعة الحوثيين على أنهم وكلاء لإيران، وتزعم أن طهران تقوم بتسليحهم وتسهيل الحصار اليمني والهجمات على إسرائيل.
وقبيل شنّ الهجمات في 15 مارس/ آذار، نشر ترامب رسالة قال إنها موجهة إلى إيران، جاء فيها:
"لا تُهددوا الشعب الأميركي، ولا رئيسه الذي نال أحد أكبر التفويضات في تاريخ الرئاسة، ولا ممرات الشحن العالمية. وإن فعلتم، فاحذروا، لأن أميركا ستحمّلكم كامل المسؤولية، ولن نكون لطفاء في ردّنا."
من جانبه، نفى اللواء (حسين سلامي)، قائد الحرس الثوري الإيراني، أن تكون إيران هي من يوجه عمليات الحوثيين، وقال إن طهران "لا تلعب أي دور في تحديد السياسات الوطنية أو العملياتية" لحلفائها ضمن ما يُعرف بـ"محور المقاومة".
وقد وجّه موقع دروب سايت سؤالًا إلى محمد البخيتي حول المزاعم الأميركية، وحجم الدعم العسكري الإيراني لقوات أنصار الله، فأجاب:
"اليمن يخضع لحصار يمنع دخول أي أسلحة، لذا اضطررنا للاعتماد على أنفسنا في تصنيع كل أسلحتنا، من صواريخ وطائرات مُسيّرة ومعدات عسكرية أخرى."
وأضاف:
"اليمن يواصل تطوير قدراته الدفاعية، وهو أحد المكاسب القليلة التي فرضها علينا الحصار."
وتابع البخيتي مؤكدًا:
"العمل الإسلامي لنصرة إخواننا في غزة هو واجب ديني وأخلاقي وإنساني وأخوي، وليس انحيازًا لإيران. أما موقف إيران فهو موقف أخلاقي ومشرّف، لأنها تقف إلى جانب حرية وحقوق المظلومين."
يوم الإثنين، وأثناء اجتماع في المكتب البيضاوي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، انحرف ترامب عن مناقشة مجريات الحرب في غزة ليتطرق إلى الوضع في اليمن.
وقد بدا أن ترامب قد علم مؤخرًا فقط بأن الحوثيين يصنّعون أسلحتهم بأنفسهم، وظهر وكأنه يؤكد ما ذكره محمد البخيتي بشأن القدرات التصنيعية المحلية الواسعة في اليمن.
وقال ترامب:
"هؤلاء خبراء في مجال الصواريخ. أعني، هم في الواقع يصنّعون الصواريخ. لم يكن أحد يعتقد ذلك، لكنهم يصنعون صواريخ متطورة للغاية، وهم مقاتلون أشداء."
ثم التفت ترامب إلى وزير دفاعه (بيت هيغسث)، الذي كان جالسًا على الطرف الآخر من الأريكة، وطلب منه الإدلاء برأيه.
فأجاب هيغسث:
"نعم، سيدي. لقد كانت ثلاثة أسابيع سيئة بالنسبة للحوثيين، وما هو قادم سيكون أسوأ. إنها حملة مدمّرة، سواء استهدفت المنشآت تحت الأرض، أو مرافق تصنيع الأسلحة، أو المخابئ، أو القوات في العراء، أو أنظمة الدفاع الجوي. لن نتراجع. بل سنواصل التصعيد بلا هوادة إلى أن يعلن الحوثيون وقف هجماتهم على سفننا."
و أقرّ محمد البخيتي بأن حملة القصف الأميركي تسببت في دمار واسع في اليمن، لكنه أضاف أن الحوثيين كانوا يدركون تمامًا تبعات المواجهة مع إسرائيل.
وقال:
"كنا نعلم منذ البداية أن دعم غزة سيترتب عليه خسائر فادحة، لأننا سندخل في مواجهة مع الكيان الصهيوني وحلفائه، وعلى رأسهم الولايات المتحدة. ومع ذلك، ألحقنا أيضًا خسائر اقتصادية وعسكرية كبيرة بأميركا والكيان الصهيوني."
وأضاف:
"هذه المعركة ليست معركة سلاح فقط، بل هي أيضًا معركة أخلاق. وقد انتصرت اليمن في المعركة الأخلاقية من الجولة الأولى. العالم بات يرى أن أميركا ليست صادقة في مزاعمها بحماية حقوق الإنسان والحرية والكرامة، ولا في ادعائها الحرص على نشر الديمقراطية، فهي تدعم الإبادة الجماعية في فلسطين."
وأوضح البخيتي أن الحوثيين نجحوا في "تشويه صورة أميركا"، من خلال إجبارها وحلفائها الداعمين لإسرائيل على استخدام طرق بحرية بديلة ومعقدة، بما في ذلك الإبحار عبر السواحل الجنوبية لإفريقيا للوصول إلى أوروبا. كما أشار إلى أن السفن الحربية الأميركية اضطرت للتراجع إلى مواقع تبعد مئات الأميال عن السواحل اليمنية.
وقال:
"هذا جعلها غير قادرة على تنفيذ هجمات دون تزويد طائراتها بالوقود جوًا، وهو ما قلّص من فاعلية عملياتها."
وتابع:
"صحيح أننا نتكبد خسائر، لكننا نُلحِق الخسائر أيضًا. بالنسبة لنا، هذه معركة أخلاقية لا بد من خوضها، مهما كان الثمن. الصمت أمام الإبادة الجماعية يعني نهاية الأخلاق والإنسانية والوفاء. إن موقف اليمن يجب أن يكون مصدر فخر لكل الأحرار في هذا العالم."
احتفى ترامب ووزير دفاعه هيغسِث بضرباتهم العسكرية ضد أفقر دولة في العالم العربي، بمزيج من التفاخر والمديح الذاتي، وغالبًا ما صوّروا تلك العمليات على أنها فريدة من نوعها. غير أن الواقع يشير إلى أن الولايات المتحدة تقصف اليمن بشكل مستمر منذ ديسمبر/ كانون الأول 2009، حين أطلق الرئيس (باراك أوباما) حربًا جوية سرية تحت ذريعة محاربة تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب".
وتحوّلت هذه الحملة لاحقًا، منذ عام 2015، إلى قصف جوي مستدام، تم تنفيذه بدعم مباشر من الولايات المتحدة وبريطانيا، ضمن تحالف تقوده السعودية رسميًا.
وفي يناير/ كانون الثاني 2024، وردًا على هجمات الحوثيين ضد إسرائيل وحصارهم البحري، منح الرئيس (جو بايدن) الإذن للقوات الأميركية بتنفيذ ضربات عسكرية في اليمن بالتوازي مع هجمات بريطانية. وتركزت هذه الضربات بشكلٍ رئيسي على مواقع إطلاق الصواريخ التابعة للحوثيين، واستهدفت مناطق صناعية وبُنى تحتية كهربائية، وسعت إلى تعطيل الموانئ المخصصة للشحن.
أما إدارة ترامب فقد وسّعت هذه العمليات بشكلٍ كبير، إذ استهدفت مباشرة مسؤولين حوثيين لمحاولة اغتيالهم، إلى جانب قصف مدن يمنية مكتظة بالسكان. وبحسب وزارة الصحة اليمنية، فقد قُتل ما لا يقل عن 115 مدنيًا يمنيًا منذ 15 مارس/ آذار. وفي يوم الثلاثاء، أسفرت الغارات الأميركية على محافظة الحديدة عن مقتل 15 شخصًا، معظمهم من النساء والأطفال، بحسب ناطق باسم الوزارة. كما قُتل ثلاثة أشخاص ليلة الأربعاء في صنعاء. ولم تصدر جماعة الحوثي إحصاءات حول عدد القتلى في صفوف مقاتليها.
و في ظل إدارتي بايدن وترامب، حاولت الولايات المتحدة أيضًا تدمير منشآت إنتاج الأسلحة في اليمن، إلا أن الخبراء والمسؤولين الأميركيين أقرّوا مرارًا بأن هذه الضربات لم تُضعف قدرات الحوثيين ولم توقف عملياتهم البحرية. ويُعتقد أن الحوثيين يمتلكون ترسانة كبيرة من الأسلحة، محمية بتضاريس اليمن الجبلية ومخزنة في مواقع عميقة تحت الأرض. وعلى مدى سنوات، واجه محللو الاستخبارات الأميركية صعوبات في تحديد مواقع هذه المنشآت أو وضع خطط فعّالة لتدميرها.
وفي خطابه يوم الخميس، قال زعيم جماعة الحوثي إن الضربات الأميركية لم تؤدِّ إلا إلى تعزيز عزيمة الحوثيين على مواصلة إنتاج الأسلحة. وأضاف عبد الملك الحوثي: "لن تُضعف هذه الضربات قدراتنا العسكرية، بل ستُسهم في تطويرها بشكل أكبر، و لن تُضعف الوضع العسكري في هذا البلد، لأنه قائم على أسس وجذور إيمانية راسخة".
وتُقدّر تكلفة الحملة الجوية التي تنفذها إدارة ترامب في اليمن بأكثر من مليار دولار، تشمل الذخائر وتكاليف العمليات والمعدات والكوادر، رغم محدودية الإنجازات العسكرية المحققة. ووفقًا للقائد البحري المتقاعد (برايان كلارك) من معهد هدسون، فقد استخدمت البحرية الأميركية عددًا من الصواريخ للدفاع الجوي ضد الحصار البحري الحوثي يفوق ما استخدمته منذ عملية "عاصفة الصحراء" في تسعينيات القرن الماضي وحتى أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حين بدأت العمليات العسكرية في البحر الأحمر.
•
إشارات قاتلة
في صباح يوم 15 مارس/ آذار، وقبيل بدء الولايات المتحدة ضرباتها الجوية الواسعة على اليمن، أنشأ مستشار الأمن القومي (مايك والتز) مجموعة دردشة على تطبيق "سيغنال" المشفّر، أطلق عليها اسم "المجموعة المصغّرة حول الحوثيين". وقال والتز إنه أنشأها لتكون "مجموعة قيادية تتعامل مع ملف الحوثيين، خصوصًا خلال الساعات الـ72 المقبلة". و ضمّت المجموعة وزير الدفاع (بيت هيغسيث)، ونائب الرئيس (جي دي ڤانس)، ووزير الخارجية (ماركو روبيو)، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية (جون راتكليف)، إضافة إلى عدد من كبار مسؤولي الأمن القومي.
وقد تم تسريب محتوى هذه المجموعة إلى العلن، بعد أن أُضيف رئيس تحرير مجلة "ذا أتلانتيك" (جيفري غولدبرغ)، عن طريق الخطأ. وكتب غولدبرغ: "اكتشف العالم، قبل الساعة الثانية بعد الظهر بتوقيت الساحل الشرقي في 15 مارس/ آذار، أن الولايات المتحدة بدأت قصف أهداف حوثية في أنحاء اليمن. لكنني علمت قبل ذلك بساعتين أن الهجوم قد يكون وشيكًا".
وقد أظهرت المحادثات مجموعة من المسؤولين يتصرفون بطريقة صبيانية، ويتباهون بالتخطيط لضرب اليمن، بما في ذلك قصف مسؤول حوثي مزعوم فور دخوله إلى مبنى سكني. كتب والتز: "الهدف الأول -المسؤول الأبرز عن الصواريخ- تم التعرف عليه بشكل مؤكد عند دخوله مبنى صديقة له، والمبنى الآن قد انهار". فردّ ڤانس: "ممتاز". ثم أرسل والتز رموزًا تعبيرية لعلم أميركي ونار. وأضاف وزير الدفاع هيغسيث: "عمل رائع من الجميع". وعلّقت (سوزي وايلز)، رئيسة موظفي البيت الأبيض: "تحية تقدير للجميع، خصوصًا من هم في الميدان وفي القيادة المركزية! عمل عظيم. بارككم الله". وكتبت (تولسي غابارد)، مديرة الاستخبارات الوطنية: "عمل رائع وتأثيرات ممتازة!"
وبحسب مسؤولين صحيين يمنيين، أسفرت الضربة عن مقتل 53 شخصًا، بينهم خمسة أطفال، وإصابة أكثر من مئة آخرين.
و تركّز معظم التغطيات الإعلامية والانتقادات الموجّهة لإدارة ترامب على استخدام تطبيق "سيغنال" وعلى إدراج جيفري غولدبرغ ضمن محادثات الاستخبارات الأميركية، أكثر من تركيزها على مضمون العمليات العسكرية نفسها. فقد ناقش كبار المسؤولين الأمنيين في الولايات المتحدة قصف اليمن كما لو كان مباراة رياضية. ومن بين جميع المسؤولين المشاركين في المحادثة، كان جي دي ڤانس الوحيد الذي أعرب عن بعض التحفظات الأولية بشأن شن الهجمات على اليمن، لكن اعتراضاته تمحورت حول الأبعاد الاقتصادية ومسائل الخطاب العام.
و كتب ڤانس: "أعتقد أننا نرتكب خطأً. 3٪ فقط من التجارة الأميركية تمر عبر قناة السويس، في حين أن 40٪ من التجارة الأوروبية تعتمد عليها. هناك خطر حقيقي يتمثل في أن الجمهور لا يدرك ذلك أو لا يفهم سبب الضرورة". وأضاف: "السبب الأقوى للمضيّ في هذا، كما قال الرئيس، هو إرسال رسالة. لكني لست متأكدًا من أن الرئيس يدرك مدى تناقض ذلك مع خطابه الحالي تجاه أوروبا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news