عندما كنتُ في المرحلة الابتدائية، كان هناك طالبٌ ما إن يراني خارج الفصل حتى يناديني قائلًا: "يا حالة!"
كان يكررها باستمرار، دون أن أجد في نفسي دافعًا لسؤاله عن السبب، إلى أن جاء يومٌ قلت له:
أسألك بالله، لِمَ تناديني بهذا الاسم؟
فأجابني بكل برود:
"لأنك داخل الصف دائمًا شارد الذهن، كأنك في عالمٍ آخر."
حينها فقط أدركتُ أن هناك من لاحظ ما كنتُ أمرّ به…
ما كنتُ أتصور أن أحدًا انتبه لتلك النظرات التائهة، أو لوجهي المُثقل بالصمت.
لم يكن ذلك مقتصرًا على الفصل الدراسي، بل حتى في ملعب الكرة،
كان بعضهم يلاحظ نفس الشرود، نفس الغياب العميق عن اللحظة.
وعلى هذا الحال، ازدادت حيرة من حولي، حتى إن والدتي ـ حفظها الله ـ أخذتني إلى الأطباء،
لكن لم يجدوا تفسيرًا لحالتي…
فما كنتُ أمرّ به كان أعمق من أن يُشخَّص، وأخفى من أن يُرى.
والأصعب من كل هذا…
أن هذه الحالة بدأت بعد عامين من فاجعةٍ غيّرت حياتي إلى الأبد:
وفاة والدي وأخي الأكبر،
كنتُ الابن المدلّل لأبي، الأقرب لقلبه، أعيش تحت ظله وأتنفّس بحنانه…
وفجأة اختفى كل ذلك، ووجدتُ نفسي في مواجهة الحياة،
صغيرًا، هشًا، محمّلًا بالفقد، لا أملك سوى الصمت والبكاء.
كنتُ أعيش حالة لا يعلمها إلا الله،
أذهب إلى المدرسة مواصلاً دون نوم،
وأنا لم أبلغ بعد الثانية عشرة من عمري.
يمرّ عليّ الليل كئيبًا، أبكي دون سببٍ واضح،
رغم توفر كل وسائل الترفيه من ألعابٍ وأجهزةٍ وغيرها…
لكن القلب كان مثقلًا، والنفس تائهة.
ورغم كل شيء،
أقول اليوم:
الحمد لله على كل حال.
ربما كنتُ "حالة" في نظرهم،
لكنني كنتُ قصةً صامتة في علم الله،
وما خاب من كانت نجواه إلى ربّه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news