تعز المحاصرة : الضمأ يتوحش وسط جفاف الآبار وغياب الدولة (تقرير خاص)

     
المجهر             عدد المشاهدات : 32 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
تعز المحاصرة : الضمأ يتوحش وسط جفاف الآبار وغياب الدولة (تقرير خاص)

تعز المحاصرة : الضمأ يتوحش وسط جفاف الآبار وغياب الدولة (تقرير خاص)

المجهر - تقرير خاص

الأربعاء 09/أبريل/2025

-

الساعة:

4:24 م

في مشهد يختزل معاناة مدينة تعز المحاصرة منذ عشرة أعوام، تصطف صهاريج نقل الماء ضمن طوابير طويلة بانتظار تعبئة المياه من الآبار الواقعة في وادي الضباب، الريف الغربي لتعز؛ فالأزمة الخانقة التي ضربت المدينة مؤخرًا، تسببت برفع سعر الصهريج الواحد سعة 3000 لتر إلى أكثر من 20 ألف ريال، في مؤشر خطير على اختلال منظومة المياه، وخفض منسوب تدفق المياه السطحية في المنطقة خلال هذا العام.

ولطالما كانت ينابيع وآبار منطقة الضباب تغطي نسبة كبيرة من حاجة المدينة للمياه، عبر شبكة نقل عشوائية تعتمد على هذه الحاويات؛ لكن في الأسابيع الماضية، شهدت المنطقة نفسها أزمة غير مسبوقة، لم تقتصر على سكان المدينة بل امتدت إلى الأهالي المقيمين في الضباب الذين باتوا يشكون من صعوبة الحصول على المياه.

 

جفاف حاد

 

في هذا التقرير، يبحث "المجهر" عن الأسباب الحقيقية التي تقف خلف هذه الأزمة، وأوجه القصور والفساد التي تهدد مستقبل تعز المائي، وبحسب باحثين فإن الحصار الحوثي الذي تفرضه الجماعة منذ أواخر مارس/آذار 2015، أدى إلى وقف ضخ المياه من الحقول الرئيسية الواقعة في منطقة الحيمة، والتي كانت تغذي سكان المدينة بالكامل قبل سنوات الحرب وهذا ما فاقم الوضع.

وبشكل كبير باتت المدينة تعتمد على المياه الجوفية والآبار التي تعاني من الاستنزاف المفرط، إلا أن الوضع ازداد سوءًا في منطقة وادي الضباب، سيما مع توسع زراعة القات بدءًا من نجد قسيم وصولًا إلى يَفرُس والمعافر، ما أدى إلى استنزاف إضافي للمياه، وسط ارتفاع المخاوف من استمرار شح المياه وتوسع استغلالها في غير احتياجات المواطنين الأساسية.

وتفيد مصادر خاصة لـ "المجهر" بأن آبار وينابيع المياه في منطقة الضباب غطت نسبة 60% من احتياج سكان المدينة خلال سنوات الحرب الماضية، لكن مع الاستهلاك المتزايد بات سكان القرى والمناطق المجاورة لوادي الضباب يعانون من شحة المياه ويشتكون باستمرار من جفاف بعض الآبار.

وتضيف المصادر بأن انخفاض منسوب المياه يتزامن مع توجه عشرات المزارعين لاستحداث آبار جديدة دون عمل دراسات مسبقة مستغلين غياب السلطة الرقابية، وتعد هذه المشكلة سببًا في انعدام تدفق المياه إلى ينابيع الضباب المعروفة، التي أصبحت غير قادرة على تلبية الاحتياجات المطلوبة للمواطنين في تعز.

 

تحديات معقدة

 

في أغسطس/آب من العام2023، دشنت سلطات تعز المحلية مشروع مياه "الشيخ زايد" في منطقة "طالوق"، ويتمثل بحفر 10 آبار ارتوازية في حوض "الضباب" غربي تعز إلى جانب تنفيذ شبكة متكاملة لتغذية المدينة بالمياه، وذلك بتكلفة تصل إلى 10 ملايين دولار بتمويل إماراتي.

ففي تلك الفترة، أكد محافظ تعز نبيل شمسان، أن "مشروع مياه الشيخ زايد يشكل إنقاذًا للمحافظة ومن شأنه أن يلبي جزء كبير من احتياجات المدينة للمياه، ويحقق استفادة القرى المحيطة مع مراعاة الحفاظ على منطقة الضباب كحوض مائي وأراضي زراعية".

وخلال التدشين، أوضح مدير فرع مؤسسة المياه، سمير عبدالواحد، أن المشروع يتضمن حفر 10 آبار، وإنشاء خزان تجميعي وسط الحقل سعة 2000 متر مكعب، وخزان بسعة 50 مترًا مكعبًا، وشبكة لقرى طالوق، وتركيب طاقة شمسية 850 كيلو وات للآبار مع 10 مولدات كهربائية ومبنى للتحكم.

وبحسب حديث عبدالواحد، فإنه سيتم تركيب أنبوب من الدكتايل بطول 12 كيلومترًا، وبقطر 20 هنشًا، وفي نهاية المشروع يتم إنشاء خزان تجميعي عملاق بسعة 5000 متر مكعب، وسيتم تزويد المدينة بالمياه العذبة بمعدل 7 ملايين لتر ماء في اليوم الواحد.

رغم أن المشروع شكّل بارقة أمل لسكان مدينة تعز الذين أنهكتهم أزمة المياه الخانقة، إلا أنه اصطدم بسلسلة من التحديات المعقدة التي أعاقت تنفيذه؛ فقد أثارت هذه الخطوة الكثير من المخاوف لدى الأهالي جراء ضعف منسوب المياه في المنطقة وعدم كفاية الآبار لتغطية الاحتياج المستمر للمدينة، وهو ما دفع أبناء طالوق والضباب إلى الاحتجاج والمطالبة بتوقيف العمل.

 

مخاوف مجتمعية

 

حتى اليوم، لا يزال مشروع مياه "الشيخ زائد" محل جدل لدى كثيرين من أبناء المحافظة، حيث يُبدي العديد من المواطنين في منطقتي طالوق والضباب تخوفهم من استكمال المشروع، مؤكدين أنه قد يؤدي إلى استنزاف المياه الجوفية والسطحية، ويتسبب في أضرار بيئية تمس حياتهم اليومية وحصتهم من المياه التي يعتمدون عليها في الشرب وري مزارعهم.

وقد طالب السكان بإجراء دراسة متعمقة للحوض المائي من قبل مختصين، لضمان توفر الكمية الكافية وعدم الإضرار بالآبار والأراضي الزراعية، كما طالبوا بتوصيل المياه إلى كافة قرى المنطقة، ووضع حلول مستدامة ورؤية واضحة للمشروع وتقديم ضمانات لتعويضهم في حال تعرضهم لأي أضرار مستقبلية ناتجة عن المشروع.

ويرى السكان أن المشروع يخالف دراسات سابقة وقوانين متعلقة بالحجر المائي، ويخشون أن يكون تنفيذه سببًا في إفقار مناطقهم مائيًا، ونتيجة لذلك جاءت الدعوات لتشكيل فريق محايد لدراسة المشروع والاستماع إلى كل الأطراف، مع التأكيد على حق الأهالي في وقف العمل إذا ثبت وجود أضرار مستقبلية.

هذه الاعتراضات، إلى جانب الجدل الفني والإداري، وضعت المشروع في حالة من الجمود والتأرجح بين وعود التنفيذ ومخاوف التوقف.. الأمر الذي أدى للحيولة دون الوصول لنتيجة، وبحسب مصدر مسؤول فإن المشروع لا يزال قيد الانتظار بالأخذ والرد والمتابعة من قبل الداعمين والسلطات المحلية ووجهاء المنطقة.

 

حفر عشوائي

 

رغم الحاجة الماسة لإيجاد حلول جذرية ومستدامة لأزمة المياه في مدينة تعز، وتوفير مصدر دائم وآمن لضخ المياه، إلا أن مشروع "الشيخ زايد" المعلق يواجه العديد من التحديات والمخاطر التي تهدد جدواه وتأثيره المستقبلي على المنطقة.

وتشير دراسات متعددة إلى عدم وجود مخزون مائي كافٍ في المواقع المختارة للمشروع، حيث فشلت عدة آبار في الوصول إلى منبع مائي رغم الحفر لأعماق تجاوزت 500 متر؛ والأسوأ من ذلك، أن الحفر غير المدروس أدى إلى نتائج عكسية، حيث تسبب في انقطاع المياه عن عدد من الينابيع، مما أدى إلى انخفاض كميات الضخ وتفاقم أزمة المياه بدلًا من حلها.

وتتركز أبرز المخاوف بحسب مطلعين على المشروع في التأثير المحتمل على المياه الجوفية، نظرًا لأن منطقة المشروع تقع بين جبل حبشي والضباب، وهي مناطق حيوية تعتبر من أهم المغذيات للأحواض المائية في تعز؛ إذ يخشى مختصون أن يؤدي نقل المياه دون دراسة دقيقة وشاملة إلى استنزاف المخزون المائي، بما يهدد الأمن المائي للمنطقة على المدى البعيد.

ومع ذلك، لم تُجرَ أي دراسة مجتمعية شاملة مع السكان وأصحاب المصلحة في المنطقة المستهدفة، وهو ما يعد إغفالًا كبيرًا؛ فمن الضروري إعداد دراسات متكاملة تتضمن التفاهم مع المجتمع المحلي، والاستماع إلى مخاوفهم وملاحظاتهم، وتقديم المعالجات الممكنة، بحيث يتم دمج الرؤية المجتمعية مع الدراسة الفنية لتشكّل أساسًا لتوصيات واقعية قابلة للتنفيذ.

 

تضليل المانحين

 

ما يثير القلق لدى أهالي المنطقة، هو الإصرار على تنفيذ المشروع دون مراعاة لتلك الدراسات التحذيرية، ودون استيعاب حقيقي للمخاوف المجتمعية، حيث تفيد المصادر بأن الجهة الداعمة والممولة للمشروع لم يتم اطلاعها على الواقع كما هو، وتم تزويدها بمعلومات ودراسات مغلوطة من قبل مؤسسة المياه والسلطة المحلية في المحافظة، الأمر الذي يكشف عن وجود حلقة مفقودة وسوء تقدير واستشعار للمسؤولية.

وحسب تأكيدات مصادر "المجهر" فإن مؤسسة المياه رفعت في وقت سابق مقترح تنفيذ المشروع إلى الجهة المانحة بشكل عشوائي، وحددت مواقع الحفر دون تحليل جيولوجي معمق أو تقييم بيئي مناسب، في ظل اتهامات وجّهت للمؤسسة بتضليل المانحين، نتيجة لفساد داخلي أو قصور مهني فادح، وهذا ما يعزز الشكوك حول سلامة التقدير وإمكانية نجاح المشروع دون أن يخلف أضرارًا كبيرة على المدى الطويل.

تعزيز الدور الرقابي

 

وسط هذا الشد والجذب، يرى مراقبون أنه من الضروري أن تُعزز السلطة المحلية في تعز دورها الرقابي وضمان الشفافية، وتسعى إلى إخضاع المشروع لمراجعة شاملة تأخذ في الاعتبار الجوانب الفنية والمجتمعية والبيئية، وهو ما قد يساعد في تفكيك العقدة والخروج برؤية واضحة.

فمن الناحية البيئية، يحذر خبراء من وجود مخاطر متعددة قد تترتب على تنفيذ المشروع بصيغته الحالية، خاصة في ظل التوسع العشوائي في حفر الآبار وتركيز الضخ في أحواض مائية محدودة، مشيرين إلى أن هذه الممارسات قد تؤدي إلى استنزاف المياه الجوفية، وحرمان الأجيال القادمة من حصتها في المياه، حتى وإن بدت مستويات المياه مرتفعة في الوقت الراهن.

إلى جانب ذلك، يؤكد مختصون في مجال البيئة أهمية إدارة المساقط المائية التي تغذي الطبقات الجوفية، مشددين على ضرورة تشجير المنحدرات والسفوح الجبلية، خصوصًا في المناطق المحيطة، بأشجار حراجية قادرة على جذب المياه وتعزيز حماية البيئة، لضمان استدامة الأداء الوظيفي والطبيعي لها.

وتشير بعض التقديرات إلى أن مشروع "الشيخ زائد" قد ينجح في توفير المياه لفترة لا تتجاوز 10 سنوات، وهو ما حدث في مشاريع مشابهة سابقة، قبل أن تظهر الحاجة مجددًا للبحث عن مصادر بديلة؛ ولهذا يرى خبراء أن الحل يتطلب من الجهات المعنية مناقشة الجدوى الفعلية للمشروع، واستكشاف البدائل الممكنة، للخروج بسياسة مائية مستدامة تعتمد على تنمية الموارد المتجددة.

تابع المجهر نت على X

#اليمن

#تعز

#أزمة مياه

#الضباب

#جفاف

#آبار مياه

#مشروع

#ينابيع مائية

#مخاوف مجتمعية

#مطالبات

#صهاريج

#وائتات


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

الذعر يعصف بأروقة الحوثيين.. إجراءات أمنية غير مسبوقة في صنعاء المختطفة

حشد نت | 1366 قراءة 

دولة عربية تفاجئ الجميع وتهنئ المستوطنين الاسرائيليين بعيد الفصح"شاهد"

جهينة يمن | 919 قراءة 

غارات عنيفة تستهدف قيادات وأسلحة حوثية في 4 محافظات

المنارة نت | 909 قراءة 

عاجل- انفجارات جراء قصف امريكي على صنعاء

بوابتي | 780 قراءة 

الأفغان اليمنيون يأسسون كيان ارهابي في حضرموت لنقل تجربة سوريا وليبيا الى اليمن وهذه الدولة تقف خلفه

عدن تايم | 752 قراءة 

بدعم مباشر من تركيا...إشهار كيان سياسي يمني جديد بقيادة "جولاني اليمن" صديق "الشرع"

جهينة يمن | 734 قراءة 

الكشف عن امر صادم استهدفه الطيران داخل أحد المصانع بصنعاء (صفعة للحـ.وثي)

كريتر سكاي | 618 قراءة 

هدى العطاس: رفض حضرموت للانتقالي بداية لرفض شعبي أوسع

سما نيوز | 503 قراءة 

عاجل : الطيران الامريكي يقصف ويدمر هذا المصنع في صنعاء "تفاصيل أولية"

جهينة يمن | 495 قراءة 

هجوم صاروخي على اسرائيل من اليمن وتوقف مطار بن غوريون ودوي انفجارات في عدة مدن

المشهد اليمني | 419 قراءة