في تطوّر قد يعيد رسم خريطة الصراع المستمر منذ سنوات في اليمن، برزت تساؤلات ملحّة حول مستقبل الميدان والسياسة في حال قررت طهران التخلي عن دعمها الاستراتيجي لميليشيا الحوثي.
هذا السيناريو، وإن كان يبدو بعيد المنال بالنسبة لبعض المحللين، قد يُنعش الآمال بحل سياسي شامل للحرب التي أنهكت الشعب اليمني وأثرت على استقرار المنطقة بأسرها.
الدعم الإيراني: حجر الزاوية في نفوذ الحوثيين
على مدى سنوات طويلة، شكّل الدعم الإيراني عاملًا حاسمًا في تعزيز نفوذ الحوثيين وإطالة أمد الحرب. فقد أتاح هذا الدعم للميليشيا الاستمرار في انقلابها العسكري وسيطرتها على مناطق واسعة من البلاد، مما حوّل اليمن إلى ساحة صراع بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية.
ومع ذلك، فإن أي تغيير في هذه المعادلة قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على الساحة اليمنية وتتجاوزها إلى ممرات الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب.
تصريحات مسؤول إيراني – نقلتها صحيفة "تليغراف" البريطانية مؤخرًا – أثارت جدلاً واسعًا حول احتمالية تخلي طهران عن دعمها للحوثيين كجزء من صفقة مع واشنطن لتجنّب مواجهة مباشرة بشأن برنامجها النووي.
هذه الخطوة، إذا ما أقدمت عليها إيران، قد تضع الحوثيين أمام تحديات غير مسبوقة، ليس فقط على الصعيد العسكري، بل أيضًا السياسي والإيديولوجي.
تأثير افتراضي لسحب الدعم الإيراني
وفقاً لمسؤولين وخبراء يمنيين، فإن خسارة الحوثيين للدعم الإيراني ستؤدي إلى تراجع كبير في قدراتهم العسكرية والتنظيمية.
وكيل وزارة الإعلام في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، فياض النعمان، أكد أن "الدعم الإيراني يُعد حجر الأساس في تعزيز القدرات العسكرية للميليشيات الإرهابية الحوثية"، مشيرًا إلى أن غياب هذا الدعم سيؤثر بشكل مباشر على استخدامهم للطائرات المسيّرة، والقوارب المفخخة، والصواريخ البالستية، فضلًا عن التقنيات الأمنية المتقدمة التي تمدهم بها طهران.
وأضاف النعمان أن "غياب الخبراء الإيرانيين سيضعف المنظومة الأمنية للميليشيا، وقد يخلّ بالتوازن الذي تتمتع به حاليًا".
وأشار إلى أن التخلي عن الحوثيين قد يؤدي أيضًا إلى تراجع الدعاية السياسية والإعلامية التي تبرّر وجودهم وتعبّئ الجمهور المحلي، مما يخلق فراغًا أيديولوجيًا داخل صفوف الجماعة.
ورغم هذه التوقعات، لم يستبعد النعمان لجوء الحوثيين إلى مصادر بديلة لتعويض الدعم الإيراني، مثل زيادة الجبايات الداخلية، أو الاعتماد على السوق السوداء لتأمين الأسلحة، أو حتى تعزيز تحالفاتهم مع جماعات موالية لإيران في دول أخرى.
الحوثيون: عمق استراتيجي لإيران
من جهته، استبعد العميد ركن ياسر صالح، المحلل العسكري والخبير الاستراتيجي، إقدام إيران على خطوة التخلي عن الحوثيين.
وأوضح أن "إيران لن تتخلى بسهولة عن أدواتها الإقليمية، خاصة وأن الحوثيين يمثلون أحد أهم أذرعها الخارجية، ويمتلكون موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا يمنحها نفوذًا كبيرًا في منطقة هامة من العالم".
وأشار صالح إلى أن استراتيجية الأمن القومي الإيراني ترتكز على ثلاثة محاور أساسية: امتلاك برنامج نووي للردع، وتطوير برنامج صاروخي لتعويض ضعف القدرة العسكرية التقليدية، وإنشاء أذرع خارجية لتجنب المواجهات داخل الحدود الإيرانية.
وفي هذا السياق، يرى أن الحوثيين يلعبون دورًا محوريًا في تحقيق هذه الأهداف، حيث يمتد نفوذهم إلى القرن الإفريقي عبر شبكات مرتبطة بالصومال وجيبوتي وإريتريا.
احتمالية التخلي: الواقع والمستقبل
في حال قررت إيران التخلي عن الحوثيين، فإن ذلك قد يعني أحد احتمالين: إما أنها أصبحت قريبة من امتلاك سلاح نووي يضمن لها الردع الإقليمي، أو أنها استسلمت للضغوط الدولية.
ومع ذلك، يبقى الخيار الأول الأكثر احتمالًا، خاصة مع التقارير التي تشير إلى تقدم إيران في برنامجها النووي.
وفي الختام، يرى محللون أن إنهاء الدعم الإيراني للحوثيين قد يفتح الباب أمام حل سياسي للصراع في اليمن، لكنه قد يؤدي أيضًا إلى تصعيد ميداني مؤقت من قبل الجماعة في محاولة لتعويض خسائرها.
وبالتالي، يصبح من الضروري على الحكومة اليمنية والتحالف العربي استغلال هذه الفرصة لتحجيم الحوثيين سياسيًا وعسكريًا، والسعي نحو استعادة السيطرة على المناطق التي لا تزال تحت سيطرتهم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news