كتب/ بشرى العامري:
لم يعد الصيف فصلاً للراحة والتعلم كما عهده اليمنيون سابقاً، بل أضحى محطةً للقلق والخوف جراء تحول المدارس إلى معسكرات تجنيد للأطفال، تُختطف فيها البراءة من ساحات اللعب لتُساق إلى جبهات القتال.
تلك معسكرات الموت التي تديرها مليشيا الحوثي تحت مسمى “المراكز الصيفية”، والتي باتت مصنعاً لأجيال مغيبة، تُغذى بأفكار طائفية، وتُهذب على عقيدة القتال من أجل خرافةٍ تُعيد اليمن إلى عصور الظلام.
مؤخراً ظهر زعيم المليشيا الحوثية، عبد الملك الحوثي، في خطابٍ متلفز يدعو إلى استقطاب الأطفال للمشاركة في هذه الدورات، ويوجّه بتكليف شخصياتٍ ذات خلفياتٍ عقائدية لتلقينهم الفكر الحوثي.
يأتي هذا في وقتٍ قلّصت فيه المليشيا العام الدراسي، وحرّفت المناهج، وحوّلت المؤسسات التعليمية إلى منصات تجنيد، لا مكان فيها للعلم أو المستقبل.
فقد أضحى الطفل في بلادنا، الذي يُفترض أن يحمل كتبه وأحلامه، يحمل بندقيةً ويتلقى دروساً في القتال بدلاً من دروس الحساب واللغة، وتحولت المدارس التي يُفترض أن تكون منارات للعلم إلى أوكارٍ لتعبئة العقول الصغيرة بفكر الكراهية، وإعدادها للانخراط في المعركة المقدسة كما تسميها الجماعة.
لم يكن تدمير التعليم عملاً عشوائياً، بل استراتيجية ممنهجة انتهجتها المليشيا الحوثية منذ سيطرتها على صنعاء في سبتمبر 2014، وبحسب التقارير، فإن 60% من أطفال اليمن حُرموا من حقهم في التعليم بسبب القصف الحوثي للمدارس، كما تم تجنيد قرابة 10,000 طفل، في حين تعرّض أكثر من 3,600 معلم للاختطاف والإخفاء القسري والتعذيب، وهُدمت أكثر من 460 مدرسة بفعل القذائف الحوثية.
وفي إطار هذه الاستراتيجية، شهد العام الدراسي الماضي سبع مراحل من دورات الوفاء للأقصى، وهي دورات عسكرية ضمن المدارس، كما نُفذت مرحلتان تحت مسمى “الطالب والمعلم الرسالي”، وهو ما يعكس حجم التغلغل الحوثي في النظام التعليمي.
لاتكمن خطورة هذه المراكز فقط في تدمير الحاضر، بل في تهديد مستقبل اليمن لعقود قادمة.
حيث تعمل المليشيا على إعداد تشكيلات متطرفة مشبعة بالكراهية، ترى في السلاح وسيلة وحيدة للحياة.
الأطفال الذين يُساقون اليوم إلى جبهات القتال، سيكونون غداً أدوات لحروب جديدة، ووقوداً لصراعات لا تنتهي.
وما يزيد الوضع خطورة أن هذه السياسة تأتي في وقتٍ يواجه فيه الحوثيون حرباً مفتوحة مع الولايات المتحدة، مما يجعلهم أكثر حاجة لمزيد من المجندين، ليكون الأطفال هم الضحية الأولى في هذه المواجهة.
الصمت الدولي أمام هذه الجرائم يمثل تواطؤاً غير مباشر في الكارثة، فتجنيد الأطفال جريمة حرب، وانتهاك صارخ للقوانين الدولية، لكن الحوثيين ماضون في تنفيذ مخططهم دون خوف من المحاسبة.
واليوم، إذ يعلنون مجدداً عن إنشاء المزيد من هذه المعسكرات فإن العالم مطالبٌ بالتحرك الجاد لوقف هذا النزيف، قبل أن تصبح البلاد بؤرة لتطرف لا يمكن السيطرة عليه، وقنبلة موقوتة تحرق الأخضر واليابس في المنطقة برمتها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news