سياحة في طرق الذاكرة (الأخيرة)

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 101 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
سياحة في طرق الذاكرة (الأخيرة)

بين مكتبتين

لكل كتاب ذاكرة وذكرى، ذاكرة محفوظة بين دفتيه، في الأدب، والتصوف والدين، في العلم والفلسفة، في المجلات وقصاصات الصحف، وشتى المعارف الإنسانية، الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، وذكرى لحظات اقتنائه. ذكريات اكثر من رصيف، واقل قليلًا من كشك، واقل من المكتبات والمعارض العامة للكتب، ولهذه الذاكرة ذكريات أخرى، كأن تظل أيامًا أو أكثر من شهر وربما سنوات تتغزل في هذا الكتاب حين تمر وقوفًا به وهو يبرز جمالية عنوانه في رف أحد المكتبات.

المكتبة تشكل تجاورًا بين عنوانين متشاكسة الرأي، ومفارقة للوضع، متشددة الرؤية، ولكنها تظل متجاورة تستحث القارئ أن يسبر غور هذه ويخفف من تطرف تلك.

حين تفتح كتابًا ما، تستذكر حافظة نقودك، وشغف شرائه، وتأوهات الحسرة حين تضع يدك في جيبك وتخرجها خالية من كل فلس.

للمكتبة  كل ما في الاستعارة من الندم الذي تراكمه  ذكرياتك، في المكتبات أجمعها والاكشاك كافة، والأرصفة.

في المكتبة تجد أبجديات طفولتك، ونرجسية تحليلاتك المراهقة، ومغازلة عناوينها، في سنوات صداقاتك الأولى معها.

ثم تجدك بعدئذ  قارئًا متمكنًا، تنقد هذا وتضع هوامش على ذاك.

في المكتبة أيضا قد تجدك مستوليًا على كتاب لم تعده إلى صاحبه، أو مختلسًا كتابًا مع سبق الآصرار والترصد، وكان هذا الشعور عبارة عن ردود أفعال مضمرة لما فقد من أصدقائك الكتب.

في المكتبة يجاور الأحياء الموتى، وتتحاور الأديان والشرائع، وتتجاذب الأفكار طرائقها. وتتآلف فيما بينها ثقافات الشرق والغرب.

وفي المكتبة تجد أصدقاء، وتجد الأنبياء والمرسلين، والكتب السماوية وتفاسيرها، وتلقى الفلاسفة والمفكرين، وتصادف المُخبرين، والمَرَدَة والشياطين، وفي نهاية المطاف تخرج كأنت إذا شئت أن تكون، وغيرك كما يشاء تواترهم أن تكون.

الأبناء بين مكتبتين

وأنا أدلف إلى مكتبة الأستاذ فارع، قفزت إلى ذهني فكرة الأبناء والكتب، الكتب الذين هم، معلمونا، أصدقاؤنا، طلابنا، وربما يكون بينهم ما لا يعد من فلذات أكبادنا الكتابية والادبية..

أما الأبناء فهم فلذات أكبادنا البيولوجيون.

المقارنة غير قابلة للمعايرة بين الإثنين، مع أنه سبق لي أن أجبت على سؤال ماهي أحب قصائدك، أجبت هي كالأبناء، لكل واحدة منها صفات مميزة، قد تعجب هذا، وقد ترضي ذاك، وقد تغضب ذلك، واضفت تماما مثل علاقة الأبناء بالآخر، القارئ هنا، والعلاقة الاجتماعية هناك.

المقارنه بين عمري المكتبتين هي مقارنه تقدر بفارق أكثر من جيلين كتابة وتفكيرًا، فمكتبة الأستاذ فارع عبده فارع، أحسن حظًا من مكتبتي، التي مزقت صفحاتها الكراتين، وخدد وجه نضارتها تقلب أحوال وحالات الكراتين، التي قضيت سنوات أواعدها بتنضيد جمالها، وكانت العشر الأوائل من رمضان حاسمة في تحريرها من هذه الكراتين ووضعها في رفوف.

الأبناء لا يعترفون بأخوة هذه الكتب لهم، و قد لا يقيم أحدهم أو بعضهم علاقات صداقة معها، تقديرًا لصداقاتها مع الأبناء.. وهكذا تزداد حدة القطيعة بين الأبناء والكتب.

الكتاب لا يورث، الكتاب لا يباع، الكتاب لا يعار، الكتاب قيمة جمالية للقراءة، ويجب أن تظل هذه القيمة الجمالية مثوارثة للاجيال القادمة من الأحفاد وأحفاد الأحفاد، فليعتن بها إذن من هو أقرب إليها مودة وألفة، لتبق شاهدة على القيم الجمالية المعرفية والثقاقية والدينية والفكرية للآباء، ومجدًا للأجيال القادمة من الأحفاد، ومن يدري بأنهما ربما تؤسسان لمكتبتين عامتين مستقبلًا كل واحدة في حدود قريتها.

الرحمة والمغفرة للدكتور صادق المخلافي الذي كان تابوته الذي نقل فيه جثمانه من القاهرة، سببًا في تجميع شمل أصدقائي وأساتذتي الكتب.

الشكر الحزيل موصول للأخوين حاتم العزعزي

عبدالحكيم نجيب ظافر.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

خالد سلمان يكشف عن زلزال عسكري قادم نحو تعز والبيضاء.. وساعات لحسم مصير محور الجبولي

نافذة اليمن | 699 قراءة 

اليمن مات. وهذا ما سيحلّ مكانه!

الوطن العدنية | 650 قراءة 

عودة علي سالم البيض إلى عدن بعد سنوات من الغياب.. ورسالة برلمانية حول الوحدة اليمنية

نيوز لاين | 618 قراءة 

عملية استباقية نوعية لشرطة مأرب.. اعتقال قيادي حوثي كُلف بإدارة الخلايا الإرهابية خلفاً للقيادي المعتقل “أحمد قطران”

بران برس | 508 قراءة 

اول ضربة جوية على قوات الانتقالي بوادي حضرموت (تفاصيل)

مراقبون برس | 494 قراءة 

إعلان رسمي: أول مدينة في اليمن تحظر السلاح وتتوعد المخالفين بالعقوبات

نيوز لاين | 474 قراءة 

هل تستخدم السعودية القوة لإخراج قوات الانتقالي من حضرموت والمهرة؟

الوطن العدنية | 465 قراءة 

منفذ الوديعة يفرض شرطاً جديداً على المغتربين اليمنيين

المشهد اليمني | 391 قراءة 

هل اكتشفت الرياض أن قوات الدرع التي بنتها غير جاهزة للمواجهة؟

الوطن العدنية | 345 قراءة 

باسندوة: أتمنى الموت قبل أن أرى تقسيم اليمن

قناة المهرية | 275 قراءة