كدرة فرعان الصنعة أصابح
عتابان تدغدغ مسمعي رقة عباراتهما، كلما مررت بهما سياحة في طرق الذاكرة إنهما (فرعان والصنعة أصابح).
ولذا واعدتهما خيرًا، بصباح سياحي يسبر أغوار الذاكرة والذكرى، لكل منهما في زيارتي القادمة للأستاذ عبدالكريم قيراط. وها قد فعلت.
مدخل
يرحمك الله ياعم حسن عون القمعي. كلما مررت في كدرة فرعان، أتذكر مقولتك التي كنت تكتم فيها أنفاس من يحاول المزايدة على طين هذه الكدرة مع خصوبة وادي بساتن..
لقد صارت مقولتك مثلًا سائرًا حينها “فرعان ما معوش رب” وكان الجميع يفهم هذه العباره؛ بأنه ليس لدى فرعان جبلًا يستقي منه كوادي بساتن الذي يقع في شبه جزيرة من الجبال (يُمَيْنْ،جحا، يهو).
لكن التدافع والتداول بين الناس قال كلمته، فها هو فرعان أمامنا اليوم يدخل في مضرابات الأراضي، وعشوائية المباني التي قد تصير بعد أعوام قليلة، غابات من الإسمنت، وتكون حينها القلوب قد تشققت إلى أبعد حدود الحرابة في الأهواء التي لا يجمع بينها رابط سوى روابط الأطماع المستمسكة بالعداوة والبغضاء..
فرعان الذاكرة والذكرى
عقود خلت، منذ أسكنت الهجر (طوعا وكرها) أنفاس الشعير، اخضرارًا، زهوًا، ومذاقًا بتذوقنا فيه الجهيش، وخبزًا نحن الآن أكثر احتياجًا إليه من الناحية الصحية.
ولفرعان الذكرى، أقدام أربع سنوات دراسية، و أعوامًا من التسوق على ظهور الحمير، وعقودًا من التسوق بالسيارت بعد أن غيرت الطريق الضرار (طريق الاسفلت الإنتخابي)، مسار طريقه.
لفرعان، ذاكرة الفجائع، ووحشة أساطير الطهاشة، وعواء الذئاب، واختلاسات الثعالب، وله ذاكرة القبور المقضضة، في مرويات اللواتي كن يتداوين بملامسة هذه القبور.
لفرعان ذاكرة الحمَير والجِمَال،الضَمَيْد والأبقار، الأغنام والشياه، وله كل مافي الحياة التي كانت بسيطة كإتساع بساطته، مرنة كطينة مَتَالِمُه.
له في ذاكرة اليوم الأسمدة واللامبالة، وذاكرة حديدية الهوى، وهوية الحراثات الزراعية.
وله من طيبات الروائح روائح مشاقر قبوة الكاذي الفواحة من رأس الهُجْمَة، وذاك الإحمرار في نضارة طماطيس المداجل.
لفرعان ذكريات الناظِر والمُخَمِنْ وعساكر التنافيذ العاشرة والشتوي والقطاف والبقية وعساكر تَنَافِيْذْ المُشَارَعَاتْ والواجِبات الزكوية. وذكريات القات وديونها التي أعدمها الحال. وكذا ذاكرة الشقاة(العمال)، والطلبة والمدرسون، والمواليد، والموتى.
ولذاكرته نشوة السواعد عند شق الطريق.
لفرعان ذاكرة وذكر، ثيران الأعياد، والمسالطة (ج. مسلط.. بائع السليط، الزيت).
ذكريات المُغَدِيَاتْ ومذاق الكَدِرْ والفَطِيْرْ، مع الحقين والبسباس الأخضر والكذابية (الوزف المدقوق مع الماء).
لفرعان في كل ذاكرة ذكرى، لها أول وليس لها آخر، كل واحدة منها تحتاج مجلدات من التأويل.
الصُنِّعَة أصابح
الذاكرة
وقوفًا بها، تستذكر هي ملاح رؤيتها فينا، واقدام خطواتها في طريقنا التي كنا نمر بها في طريق العودة من مدرسة الفجر الجديد في التربة.
ولها في ذاكرة المرح أصداء ماتزال ترددها السخريات الضاحكة لأمين شبيط، رحمه الله، السخرية الساخرة من كل شيء حتى من نفسه.
والصٌنِّعَة أصابح شجونها المعلقة وأشواقها المنسرحة صوب اللاجهات.
الذكرى
فضاء لتاج المرأة التي كانت تحرسها، من لصوص الليل، وتحميها من عاديات النهار، فمن أية جهة جئتها تلقى فيها اشراقة الحرف من ذي أصبح، تضيء في الخيال خيالاتها، وحيث وليت بها ومنها شطر وجهك وجدت فيها قبسا من تاح المحبة، للطفولة، للمدرسة، للمرعى، وعطاء من سرية الإحسان، وطلبة يقرؤنها أملا في صحيفة ومسارًا في كتاب الوطن الذي (مايزال يحضن دفتيه منذ أن غادرت صفحاته الخالة تاج رحمة الله عليها).
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news