أعد الحلقة لـ”يمن ديلي نيوز” محمد العياشي:
يعتبر المستشرق “لودفيكو دي فارتيما” أحد أول الغربيين الذين دخلوا اليمن في القرن السادس عشر.
في رحلته الاستخباراتية لصالح البرتغال، وثّق تفاصيل عن ثقافة المنطقة وحضارتها، مما جعل رحلته مصدرًا هامًا لفهم تاريخ اليمن والشرق الأوسط.
وُلد دي فارتيما في بولونيا عام 1466، وبدأ مغامرته الشهيرة في عام 1502. وهدفه لم يكن فقط استكشاف الأماكن الجديدة، بل جمع معلومات عن الشعوب والموارد، تحت غطاء “رحلة علمية” لصالح البرتغال.
مر عبر مدن إسلامية عديدة مثل القاهرة ودمشق، قبل أن يصل إلى مكة في مايو 1503 لينضم إلى قافلة الحجاج.
رحلته إلى عدن
بعد انتهاء موسم الحج انفلت “دي فارتيما” من قافلة العودة، واختبأ حتى غادرت القافلة، فاتجه إلى جدة ومنها استقل سفينة متجهة إلى عدن.
خلال رحلته في السفينة اكتشف أحد روادها من المغربيين أنه مايزال على الدين المسيحي، وأنه ادعى الإسلام لأهداف اسخباراتية، فقام بإبلاغ السلطات اليمنية في عدن فقامت بالقبض عليه بتهمة التجسس.
كانت عدن حينها تحت حكم الدولة الطاهرية وعاصمتها “زبيد” وكانت الدولة الطاهرية تسيطر على معظم جغرافيا اليمن واستمرت من العام 1454م (858هـ) حتى سقوطها على يد العثمانيين عام 1538م.
وكانت عدن مركزًا تجاريًا مهمًا، حيث بذل الطاهريون جهودًا للحفاظ على سيطرتهم على الموانئ والتجارة البحرية.
عن سجنه في عدن يقول لودوفيكو دي “أخذني المسلمون ووضعوا القيد في قدمي، وكان يأتيني رجل يصيح علي”.
وأثناء وجود دي فارتيما في السجن وصل إلى عدن حوالي ستين مسلماً هربوا سباحة بعد أن وقعت سفنهم في أيدي البرتغاليين، وهجموا على قصر السلطان يريدون الفتك بالسجين “لودوفيكو” ولكن الحارس أنقذه بإغلاق الباب في وجه المهاجمين، ليتم نقله بعد ذلك إلى الروضة شمال صنعاء.
غير أن الرحالة البرتغالي ادعى الجنون، وأتقن دور المجنون إلى درجة أنه استطاع خداع عالمين انتدبا لتقييم حالته فأطلق سراحه، ليتابع جولته بمدن ومناطق اليمن (لاهج – وحيس – والضمد – وحصنا المقارنة – وريمة – وتعز – وزبيد – وصنعاء)، ووضع عنها تقريراً مستفيضاً ومفصلاً، حتى أنه اعتبر (أول أوروبي نزل بلاد اليمن، وأول من نشر الأخبار عن مدنها وسكانها ومزروعاتها ومناخها).
ترجمت رحلاته إلى العربية من قبل عبد الرحمن عبد الله الشي، ثم هرب بعد إتمام رحلته إلى إيران والهند
في مارس 1504، غادر دي فارتيما عدن متجهًا إلى إيران ثم الهند، حيث جمع معلومات استخباراتية عن التحضيرات العسكرية لمواجهة البرتغاليين، ووصل الأمر به على المشاركة في قتال البرتغاليين وذلك في جزيرة سومطرة.
بعد مغامراته في الهند والحبشة، عاد إلى لشبونة حيث استقبله الملك ومنحه وسام الفروسية.
وبعد عودته إلى أوروبا، نشر دي فارتيما كتابه في 1510، الذي يتناول وصفه لرحلته عبر العالم العربي والهند والشرق الأفريقي.
على الرغم من المعلومات القيمة التي قدمها، فقد تضمن الكتاب تحيزًا ضد المسلمين، مما يعكس وجهة نظره الأوروبية في تلك الفترة.
أحصن مدينة ساحلية
في عام 1509م، عاد البرتغالي “لودفيكو دي فارتيما” إلى عدن مجدداً وعن أحداث تلك الرحلة تقول جاكلين بيرين: “وصلت السفينة التي كانت تبحر على محاذاة سواحل باب المندب إلى ميناء عدن، ويقول عنها دي فارتيما إنها أشد مدينة سهلية تحصينًا رآها في حياته.
ترتفع الجبال على جانبيها والأسوار على الجانبين الآخرين منها. تشرف عليها خمس قلاع ويقدر سكانها بخمسة أو ستة آلاف بيت، وترسو السفن في مينائها في أسفل أحد الجبال، ويرتفع في أعلى هذا الجبل حصن منيع.
والحر فيها شديد إلى درجة أن السوق تقام فيها في الساعة الثانية بعد منتصف الليل. والسفن التي ترسو فيها تأتيها من بلاد الهند والحبشة وبلاد فارس، ولا تكاد السفينة تدخل ميناءها حتى يقبل ضباط السلطان يسألون عن نوع البضائع التي تحملها، والبحارة الذين على ظهرها، ثم ينتزعون أشرعتها ودفتها ليتأكدوا من أنها لن ترحل قبل تأدية الضريبة المقررة للسلطان.”
ختاما ومن خلال استعراض رحلة “لودفيكو دي” إلى اليمن يتضح أنها كانت جزءًا من خطط البرتغال لفرض سيطرتها على طرق التجارة. لكنه من خلال كتابه، قدم دي فارتيما للعالم الغربي وصفًا دقيقًا للشرق، مما جعل من رحلته مرجعًا مهمًا في تاريخ الاستكشافات الأوروبية.
المراجع:
– مجلة العربي
– صحيفة 14 أكتوبر
– ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
سلسلة حلقات “المستشرقون واليمن”:
الحلقة الأولى: الألماني “نيبور” ورحلته إلى البلاد التي تحكمها التوازنات
الحلقة الثانية: “هاليفي” في رحلة استكشاف تاريخ اليمن تحت عباءة التسول
الحلقة الثالثة: رحلة البريطاني “برتون” إلى أرض النقوش والعادات الفريدة
الحلقة الرابعة: “ثيسيجر” الذي وجد أن السعادة الحقيقية في قلب الصحراء
الحلقة الخامسة: فيلبي “الحاج عبدالله” الذي ساهم في رسم ملامح الجزيرة العربية واليمن
الحلقة السادسة: “جلازير” النمساوي الذي ارتدى ثوب “التشيع” لنهب آثار اليمن
الحلقة السابعة: “مانزوني” في رحلة تكشف تطور صنعاء قبل عودة الإمامة إليها
الحلقة الثامنة: “فريا ستارك” في مهمة الاستكشاف والتجسس لصالح بريطانيا
الحلقة التاسعة: “جورج كولان” رحلة دبلوماسية واكتشاف اللهجات اليمنية
الحلقة العاشرة: الألماني “هولفريتز” في رحلة إلى اليمن من الباب الخلفي
الحلقة الحادية عشرة: الفرنسي “نيزان” والوجه المظلم للاحتلال البريطاني في عدن
الحلقة الثانية عشرة: “فيليبس” على رأس بعثة أمريكية إلى جوهرة الصحراء “مأرب
”
الحلقة الثالثة عشرة: رحلة ماكنتوش لتعلم “العربية” في البلد الأقرب للفصحى
الحلقة الرابعة عشرة: الألماني “بورخارت” الذي قاده شغفه باليمن إلى مقتله
الحلقة الخامسة عشرة: الألماني “هيرش” أول غربي يزور شبام حضرموت
الحلقة السادسة عشرة: “روبرت سرجنت” في مهمة دراسة الثقافة اليمنية
الحلقة
السابعة عشرة: جورج وايمان بري “جاسوس” بريطاني بعباءة مستكشف
الحلقة الثامنة عشر: رحلة الفرنسي “جان جاك بيربي” في البلاد المعزولة
الحلقة التاسعة عشرة: الألماني “سيتزن”: اكتشف اليمن ولم تُكتشف وفاته الغامضة في تعز
الحلقة العشرون: “لانجر”: مهمة علمية انتهت بترحيل 22 نقشاً حميرياً إلى فيينا
مرتبط
الوسوم
المستشرقون واليمن
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news