يأتي مسلسل طريق إجباري مختلفاً ومتميزاً من عدة وجوه، فهو وإن كان قد ذهب إلى قرية يمنية مثل غيره من المسلسلات، لكن مجتمع هذه القرية مختلف، فهو مجتمع زراعي، يخلو من الصورة النمطية لهيمنة شيخ القبيلة، الذي يرمز به عادة للرجل الأول في الدولة. حارث الشخصية الأبرز في المسلسل ليس شيخا، ينادى باسمه مجرَّداً من لقب شيخ، وليس له صفة رسمية تؤهله للسيطرة على الناس، فهو متسلط بنفوذه المادي فقط، كما أن القرية قرية تحتكم إلى القانون ومؤسسات الدولة، فعندما وقعت جريمة ذهبت القضية إلى الشرطة والنيابة، والغريب أن الرجل النافذ في القرية وهو حارث، لم يتدخل في عمل أجهزة الدولة، فلم يرشِ الضابط ولم يجلب الوساطات إلى النيابة، بل بقي ينتظر النتيجة مثله مثل الطرف الآخر في القضية، مما يجعل هذه القرية قرية مثالية في نظر المشاهد اليمني الذي تعوَّد أن يُقهَر في مثل هذه الحالات ويصطدم بفساد كل شيء في مجتمع تلك المسلسلات.
في الحلقة الثامنة تستيقظ الطفلة التي تزوجها حارث تنادي أمها ثم تُفزَع عندما تشاهد أمامها صورة كبيرة لحارث، وهذا يعني أنه تركها تبات ليلتها وحدها، وهذا يجعلنا نتراجع عن وصفه بأنه شخص بيدوفيلي، فلو كان بيدوفيليا لكان قد عبث بها جنـ ـسـ ـيا، ويبقى الحكم على بيدوفيلية غانم مؤجَّلا حتى نشاهد الحلقات القادمة وكيف سيتصرف مع هذه الطفلة والأخرى التي ينوي أن يتزوجها. كما ان هذا الموقف يجعلنا نعود إلى حوار سابق له مع زوجته التي صرَّحت له فيه أن علاقته بها من سنوات لم تعد علاقة زوجية، مما يعني أن الرجل ربما يعاني من مشكلة جنسية، وأن الزواج مجرد هواية جمع النساء أو الزوجات دون أن يكون لذلك علاقة بالرغبة الجنسية لديه.
من حيث الموضوع يحسب لهذا المسلسل أنه تصدى لقضايا لم تناقش من قبل بجدية في الدراما اليمنية، مثل زواج القاصرات و حرمان المرأة من التعليم، كما أنه أول مسلسل يناقش قضايا الاضطراب النفسي بشكل واضح، رغم أن معظم شخصيات المسلسلات اليمنية شخصيات غير طبيعية، لكن تلك الشخصيات يتم طرحها بعشوائية من باب الارتجال من قبل الممثلين، دون وعي بالخلفيات النفسية التي يمكن أن يعكسها ذلك السلوك. لكن طريق إجباري تناول الاضطراب النفسي بوضوح من خلال شخصيتي حارث، الشخصية البيدوفيلية التي تميل ميلا مَرَضيا نحو الأطفال، و غانم، الذي يبدو واضحا أنه شخص عصابي ضحية مواقف عاشها أو رآها في طفولته، بالإضافة إلى حركات وتعبيرات وجهه التي تعكس أن وراءها شخص مدمن، لكن المسلسل لم يكشف حتى الآن ما إذا كانت الشخصية تعاني من الإدمان أم أنها حركات لا إرادية من الممثل، فإذا كانت الشخصية مدمنة فقد أتقنها الممثل، وإن لم تكن كذلك فهو خطأ كان يجب أن يتنبه لها المسلسل.
تبقى مسألة التصوير بالكاميرا المتحركة الذي أثارت ردود فعل الجمهور اليمني الذي اعتبرها خللاً في التصوير، ولا أرى في ذلك عيباً، بل أظنه كان موفَّقا، فالمخرج لم يستخدمه إلا في المواقف الحرجة ليزيد من مشاعر القلق، فالانتقال من كاميرا إلى أخرى يجعل المشهد رتيباً ويوحي بالأمان، عكس الكاميرا القلقة التي تتابع الحدث وحدها، وقد رأينا في حوارات الحلقة التاسعة التصوير بكاميرا ثابتة، ذلك لأن الحوارات عادية خالية من القلق والتوتر ، فكان لابد أن تثبت الكاميرا.
أما بالنسبة للممثلين فقد جمع المسلسل نخبة من خيرة الممثلين اليمنين مثل نبيل حزام، عبدالله الكميم، نبيل الآنسي، سالي حمادة وغيرهم. نبيل حزام كان أداؤه خطابيا أكثر من اللازم، يتكئ على الكلمات والجمل بقوة وبطء ربّما ليوصل المعنى كاملا إلى لمتلقي، لكن ذلك الأسلوب يجعل أداءه أقرب إلى الفصحى منه إلى الدارجة الصنعانية،كما أن الرسمية الزائدة في أدائه تجعله يبدو أكبر من الشخصية التي يجسدها، أي إن الشخصية ما كانت تتطلب كل ذلك الجهد والمبالغة في الأداء والتعبيرات.
أما الدكتور عبدالله الكميم فقد كان أداؤه هادئا وواقعيا، وربما كان هو الممثل الأكثر واقعية من بين كل ممثلي المسلسل، ذلك الأداء يجعل الممثل يتطابق مع ما تتطلبه الشخصية، فلا هو أكبر منها ولا أقل منها.
ويبقى نبيل الآنسي، فقد كان عليه أن يعالج مشكلتين أو يقوم بمهمتين في ذات الوقت؛ المهمّة الأولى تتعلق بخطأ المخرج الذي أسند إليه هذا الدور الذي كان يتطلب شابا عشرينيا لا رجلا أربعينيا، المهمّة الثانية محو الشخصية التي كرّسها طوال ثمانية أجزاء في ثمان سنين، وذلك ليس بالأمر السهل، وأظنه استطاع أن يتجاوز تلك العُقدة ويكفِّر عن ذلك الضرر الي ألحقه بالدراما اليمنية لما يقارب عقداً من الزمان.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news