أعد الاستطلاع لـ”واي دي” إسحاق الحميري
: تحتضن محافظة مأرب مايزيد عن مليوني نازح من مناطق سيطرة جماعة الحوثي المصنفة إرهابيا، يشكلون وفق تأكيدات الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين مانسبته 64 في المائة من عدد النازحين في اليمن البالغ عددهم 4 مليون و500 ألف نازح.
ومع حلول المناسبات الدينية وعلى رأسها رمضان يجد النازحون أنفسهم في أوضاع لم يألفوها من قبل، تغيرت بشكل كلي، سواء الوضع المعيشي أو الاجتماعي وعادات وتقاليد رمضان التي اعتادوا عليها قبيل انتقالهم إلى مخيمات النزوح.
“يمن ديلي نيوز” توجه بسؤال لعدد من النازحين في مأرب حول رمضان في المخيمات وأبرز المتغيرات بين حياة الاستقرار وحياة النزوح، حيث تحدثوا عن حياة جديدة بكل مافيها لها سلبياتها ولها إيجابياتها.
تحدثوا عن أوضاع صعبة وفوارق كبيرة بين العيش تحت الخيام والعيش في منزلك، إضافة إلى الصعوبات المعيشية وتراجع دور المنظمات الإنسانية، لكنهم في المقابل يكادون يجمعون على ثقافة التكافل الاجتماعي التي يعيشها سكان المخيمات.
البداية مع النازح “صدام عصيم” في القطاع الخامس بمديرية الوادي قال إن قضاء شهر رمضان في مخيمات النزوح مقارنة بالحياة السابقة في المنازل يأتي “محمّلاً بمشاعر الحنين والاختلاف الكبير مقارنة بالحياة السابقة في المنازل”.
وأوضح النازح “عصيم” أن شهر رمضان قبل النزوح كان يتميز بجو من الألفة العائلية والطمأنينة، حيث تجتمع الأسرة حول مائدة الإفطار التي تزخر بالأطعمة المتنوعة، وتُقام صلاة التراويح في المساجد المجاورة وسط أجواء روحانية مميزة.
وتابع: “إنه بسبب قضاء رمضان في مخيمات النزوح، غابت الكثير من العادات الرمضانية مثل الزيارات الأسرية وصلاة التراويح في المساجد بسبب بُعد المسافات وقلة الإمكانيات، فضلاً عن افتقاد الأجواء الاجتماعية والدينية التي كانت سائدة في الأحياء السكنية قبل النزوح”.
وعن التحديات التي تواجهها العائلات خلال شهر رمضان في مخيمات النزوح قال صدام: إن رمضان في مخيمات النزوح يفتقر إلى الخصوصية بسبب العائلات التي تعيش في خيام متقاربة، مما يؤثر على الراحة النفسية والقدرة على أداء العبادات بطمأنينة.
وأشار إلى أن النازحين في المخيمات يواجهون صعوبات في توفير الاحتياجات الأساسية من الطعام والماء والكهرباء، مما يجعل تحضير وجبات الإفطار والسحور أكثر تحديًا. كما أن ضيق المساحة وغياب الخصوصية يؤثران على راحة الأسر.
ولفت إلى أن هناك الكثير من الأسر التي تعاني من عدم القدرة على توفير الغذاء والمياه، مما يزيد من مشقة الصيام، وتردي الأوضاع الصحية، مع غياب الخدمات الصحية المناسبة، مما يزيد من خطر الأمراض خاصة في فصل الصيف خلال رمضان.
وتحدث النازح “صدام عصيم” حول أبرز التغيرات التي طرأت على حياته كنازح قائلاً: “إن الحياة في المخيمات فرضت العديد من التغيرات الجوهرية، منها تدهور مستوى المعيشة، والشعور بعدم الاستقرار، والافتقار إلى الخدمات الأساسية، فضلاً عن تغير الأنشطة الدينية والاجتماعية”.
وبين أنه بعد النزوح أصبح يفتقر إلى أبسط الخدمات من نقص في الكهرباء والمرافق الصحية المناسبة، وأصبح الوصول إلى الغذاء والمياه النظيفة محدودًا، بالإضافة إلى فقدان الأمان النفسي والاجتماعي مقارنة بالحياة المستقرة في المنازل، مما يجعل رمضان وتوفير الاحتياجات والوجبات الملائمة أكثر صعوبة.
اختبار حقيقي للصبر
وفي حديثه لـ”واي دي”، تحدث النازح “صدام عصيم” عن جوانب رمضان في المخيمات قائلاً: “إن النازحين يظهرون التكافل الاجتماعي وروح التعاون من خلال تبادل الطعام والمساعدة في إعداد وجبات الإفطار، مما يعزز الروابط الإنسانية”.
ونوه عصيم إلى “أنه رغم الصعوبات، إلا أن النازحين لديهم قدرة على التكيف مع الظروف القاسية، مما يُبرز صمودهم وإرادتهم القوية”.
وأضاف: “أن توفر بعض المنظمات الإنسانية مساعدات غذائية، حتى ولو كانت شحيحة، فإنها تخفف جزئيًا من الأعباء خلال الشهر الكريم”.
واختتم عصيم حديثه مع “واي دي” بالقول: “إن رمضان في مخيم النزوح يختلف كثيرًا عن الحياة السابقة، فهو اختبار حقيقي للصبر والتحمل. ورغم التحديات، يظل الشهر الكريم فرصة لتعزيز روح التضامن والأمل في حياة أفضل”.
فرق شاسع
نازح ورب أسرة “خالد السيفي” قال: “إن رمضان في مخيم النزوح مقارنة بالحياة السابقة في المنازل هناك فرق شاسع بين الاستقرار والحياة العادية في منزل خاص متوفر فيه جوانب الصمود أمام عوامل التعرية، بعكس عشش النزوح التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة”.
وأشار إلى أن رمضان في مخيمات النزوح يختلف بشكل كبير عن الحياة السابقة. ففي الماضي، كان رمضان يتميّز بجو عائلي دافئ وتحضيرات مبكرة تشمل تجهيز الأطعمة الخاصة بهذا الشهر مثل التمر والشوربات والحلويات.
وأضاف: “كانت العائلات تتجمع حول مائدة الإفطار في أجواء من الراحة والاستقرار، في أماكن تعودنا أن نقضي الشهر الكريم فيها حتى لو كنا في غربة أو مرتبطين بعمل حكومي خارج مسقط الرأس الذي يمثل رمضان فيه خصوصية ويتميز بطابع خاص وجزء من الثقافة”.
وأكد السيفي أن حياة النزوح أكثر صعوبة، حيث تواجه العائلات تحديات كبيرة في توفير وجبات متكاملة بسبب شحّ الخدمات وارتفاع الأسعار، كما أن البنية التحتية الضعيفة تجعل الحصول على الماء والكهرباء أمرًا صعبًا.
وأردف: “إن العائلات في مخيمات النزوح تواجه تحديات كبيرة وانعدام الخدمات الأساسية وانعدام الخصوصية، مما ينعكس على أداء العبادات والاستمتاع بروحانيات الشهر الفضيل”.
وتابع: “النزوح، وخاصة عندما يكون قسريًا من منازل شيدناها خلال سنوات وألفنا العيش فيها وحياة مستقرة، إلى عشش هذا بحد ذاته يمثل تحديًا. لكنه في نفس الوقت يعزز قيمًا مهمة في حياة الإنسان ومدى قدرته على التعايش مع الواقع مهما كان بائسًا وفيه تحولات وفوارق كبيرة”.
وعن أبرز المتغيرات التي طرأت على حياة النازحين تحدث “السيفي” قائلاً: “إن فقدان الاستقرار والأمان، والانتقال من المنازل المريحة إلى الخيام، أثر بشكل كبير على الحياة اليومية، حيث أصبح الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم أكثر صعوبة”.
ونوه إلى أن الروابط الاجتماعية تأثرت بسبب التهجير والتفريق بين الأهل والجيران، وتغيرت العادات الرمضانية، وأصبحت الحياة صعبة جدًا لعدم الإمكانيات المادية وتدهور العملة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية ووصول أغلب النازحين إلى الفقر المدقع.
وشدد على أن المساعدات الإنسانية أصبحت ضرورة ملحة بالنسبة للنازحين، ولها أثر بالغ في تخفيف جزء من معاناة الأسر، إلا أنها لم تعرف طريقها إليهم في مخيم الضمين القبلي المربع خمسة، ومغيبة بقصد أو بغير قصد من قبل الوحدة التنفيذية.
وتابع متسائلًا: “هل من مغيث؟ هل من مجيب؟ فنحن ننتظر عدالة في توزيع المساعدات أسوة بغيرنا من النازحين، لأن هناك تمايزًا ممقوتًا لجوانب إنسانية ينبغي ألا يتم”.
ولفت إلى أن التمسك بالإيمان والعبادات يظل مصدر قوة وأمل رغم المصاعب، ومن المهم جدًا أن تصل رسالة نازحي الضمين إلى الجهات المختصة والمنظمات المعنية بالجانب الإنساني، حتى يتم التعامل معهم كغيرهم من النازحين.
أمر شاق
وفي حديثه لـ”واي دي”، قال السيفي: “إن هناك العديد من الجوانب الإيجابية والسلبية التي يمكن تقسيمها للأجواء الرمضانية في مخيمات النزوح”، مشيرًا إلى أنه بالرغم من الظروف الصعبة، فإن رمضان في المخيمات يعزز روح التكافل والتعاون بين النازحين.
وأضاف: “النازحون يتشاركون فيما بينهم القليل مما يملكون، ويحرصون على مساعدة من هم أكثر حاجة في غياب الجمعيات الخيرية والمنظمات الإنسانية التي تقدم المساعدات الغذائية”.
أما عن الجوانب السلبية التي يواجهها النازحون خلال رمضان في المخيمات، أوضح النازح السيفي أن العائلات تواجه صعوبة في توفير وجبات متكاملة ومتنوعة، بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية يجعل الوصول إلى الماء الصالح للشرب أمرًا شاقًا.
وأضاف: “غياب الخصوصية داخل المخيمات يجعل ممارسة الطقوس مثل الإفطار الجماعي، ومجالس السمر أمرًا معقدًا، كما أن الشعور بفقدان الأمان والحنين إلى المنازل والحياة السابقة يلقي بظلاله على أجواء الشهر الفضيل”.
وتابع: “النازح يشعر بالقلق وأنه غريب ويحن إلى العودة لمنزله لأنه جزء من هويته وشخصيته وحياته، وهذا شيء لا يدركه الكثير ممن لم يتجرعوا مرارة النزوح وصعوبة العيش في مخيمات غير مؤهلة لأدنى معايير الصمود أمام عوامل الطبيعة”.
وختم النازح خالد السيفي حديثه قائلاً: “يبقى رمضان في المخيمات تجربة مملوءة بالتحديات، ولكنه أيضًا فرصة لتعزيز الصبر والتكاتف بين النازحين في مواجهة هذه الظروف الصعبة.
ونوه إلى أن رمضان في المخيمات درس يستفيد منه الإنسان ويتعلم أكثر إلى أن يصل إلى حقيقة لا بديل عنها، أن الحل يبقى في وجود دولة المؤسسات والنظام والقانون التي تحمي الجميع”.
تهديدات ومخاطر
ومن جانبه، قال النازح “مروان العباسي”: “الجميع يعلم أن رمضان في مخيمات النزوح شاق جدًا بسبب المعاناة والصعوبات التي تواجه النازحون، فإن كل ما يملكه النازح في المخيم عبارة عن خيمة قماشية أو كنتيرة منقولة أو مباني ترابية هشة، وهذه المساكن تعتبر شاقة وظروفها قاسية جدًا”.
وأشار إلى أن الأسر الكبيرة لا تستطيع العيش فيها لأنها مؤقتة ومساحتها محدودة ولا تكفي، ولكن النازح مجبر عليها من أجل البقاء، فالحرب لم تترك له خيارًا آخر.
وأضاف: “إن الحياة في مخيمات النزوح مختلفة تمامًا عن حياتنا في منازلنا السابقة التي هي أكثر أمانًا وأصلح للعيش الكريم، حيث يجتمع الفرد مع كامل أسرته وأقاربه في بيئة واحدة، بعكس النازح الذي تشرده وتفرقه الحرب عن أهله وأقاربه، فيضطر للتأقلم مع مجتمع جديد لم يألفه”.
وتحدث العباسي عن تهديدات ومخاطر الأمطار الموسمية وما ينتج عنها من فيضانات وسيول جارفة لعدد كبير من منازل النازحين البسيطة والهشة التي لا تصمد أمامها، وهي من أبرز المتغيرات التي طرأت على حياة النازحين.
وقال المواطن مروان: “إن التعاون الاجتماعي في فعل الخير، والتراحم العاطفي، ونشر المحبة، وزيارة الأهل والأصدقاء والجيران وغيرها من أفعال الخير الأخرى هي من الجوانب الإيجابية التي جسدتها المخيمات في حياة النازحين”.
وفي المقابل، أشار العباسي إلى أن تردي الأوضاع والخدمات الأساسية، وزيادة تفاقم الأوضاع المعيشية والصحية والتعليمية، وصعوبة الحصول على المساعدات الإنسانية بسبب تقليصها وتأخرها، هي جوانب سلبية ألقت بثقلها على النازحين.
الشعور بالاستقرار
وفي السياق، أوضح النازح “شهير رسام” أن رمضان في المخيم يختلف تمامًا عن رمضان في المنازل، لأن المنازل كانت تمنحنا الشعور بالاستقرار والراحة، وكانت الأجواء الرمضانية مليئة باللمة العائلية وموائد الإفطار العامرة.
وأردف: “أما رمضان في الخيام، الأمر مختلف، لأن الخيام البسيطة لا تقي من الحر أو البرد، والمائدة الرمضانية أصبحت متواضعة جدًا بسبب الظروف الاقتصادية. باختصار، تغيرت الظروف 100%”.
وأضاف: “حياتنا تغيرت بشكل جذري بسبب النزوح، بعد أن كنا نعيش في بيوت مريحة، أصبحنا نعيش في خيام تفتقر لأبسط مقومات الحياة. فقدنا مصادر دخلنا وأصبح الحصول على لقمة العيش تحديًا يوميًا، وأصبح التواصل مع الأهل والأقارب محدودًا جدًا”.
وأشار إلى أن رمضان في المخيم رغم المعاناة، إلا أنه يحيي قيم التكافل والتعاون بين الأسر النازحة. الكل يحاول أن يساعد جاره بما يستطيع، في حين تفتقد الأسر إلى الخصوصية بفعل تقارب الخيام، وكل أسرة تسمع أسرار الأسرة الأخرى.
وتابع: “أن الأطفال في المخيم يفتقدون للأجواء الرمضانية الحقيقية، فلا يوجد مساجد قريبة، ولا مجالس رمضانية، ولا حتى أجواء روحانية مثل التي كنا نعيشها في بيوتنا”.
التشتت والضياع
ونختتم بما قالته النازحة “حنان العزب”: “إن رمضان في مأرب جميل جدًا، والأجمل ما فيه أنه تم شمل العائلة المشتتة منذ بداية الحرب”.
وذكرت النازحة حنان في حديثها لـ”واي دي” أنها كانت ساكنة في صنعاء ثم انتقلت إلى حضرموت، إلا أن رمضان يظل مختلفًا تمامًا عن رمضان في المنازل حيث كان كل الأهل موجودين، الأصحاب والجيران، وصلاة التراويح بالمساجد كان يمر رمضان بكل روحانية.
وعن أبرز المتغيرات، أضافت العزب بأن البعد عن الأهل والتشتت والإيجارات وفقدان الوظائف والدخل المادي، وتوقف الدراسة لفترة ثم استئنافها بعد الاستقرار، والسعي للبدء في بناء حياة جديدة وعلاقات جديدة.
وعن الجوانب الإيجابية، تحدثت بأن روحانية رمضان بصلاة التراويح، مزاورة الجيران، جو رمضان بالزينة، وكرم الجيران، وكثرة المساجد، وتوفر الماء، ومشروع الكهرباء المستمرة، وبيت ملك، ومدرسة قريبة.
مرتبط
الوسوم
مخيمات النزوح في مأرب
معانات النازحين في رمضان
رمضان في مخيمات النزوح
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news