منذ الأيام الأولى لعودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، عملت الإدارة الأميركية على تصعيد موقفها السياسي ضد جماعة الحوثيين في اليمن.
الهدف من هذا التصعيد كان تقليص نفوذ الجماعة وتقليص قدرتها العسكرية التي تعتبرها الولايات المتحدة تهديداً استراتيجياً في المنطقة.
وتوج هذا التصعيد بقرار إدراج الحوثيين على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية مجددًا بعد أن كانت قد أُدرجت في نهاية ولاية ترامب الأولى في عام 2021.
خلال فترة ولاية سلفه، جو بايدن، تم شطب الجماعة من هذه القائمة، لكن في يناير 2024 أعيد تصنيف الحوثيين على أنهم "كيان إرهابي دولي مصنف تصنيفًا خاصًا"، ليتم فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية ضدهم في خطوة تأتي ضمن جملة من الإجراءات للضغط على الجماعة
.
التصنيف الأميركي وأثره
في يوم الاثنين الماضي، دخل التصنيف الأميركي للحوثيين منظمة إرهابية أجنبية حيز التنفيذ، مما يعني فرض عقوبات اقتصادية شديدة على الجماعة.
بالإضافة إلى ذلك، يشمل القرار حظر سفر على أعضائها، ويتيح فرض عقوبات على أي أطراف تقدم الدعم المادي للحوثيين.
كما أُعلنت مكافأة مالية تصل إلى 15 مليون دولار لمن يقدم معلومات عن الشبكات المالية للجماعة، في إطار محاولة لتجفيف مصادر تمويلهم
.
التداعيات العسكرية والتصعيد الميداني
في الوقت نفسه، شهدت المنطقة تصعيدًا عسكريًا من قبل الحوثيين ضد المصالح الأميركية.
حيث أعلنت الجماعة عن إسقاط طائرة أميركية من نوع "أم كيو 9" في أجواء محافظة الحُديدة في 5 مارس 2024، وهي الطائرة رقم 15 من هذا النوع التي تسقطها الجماعة منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023
.
مواقف الحكومة اليمنية والولايات المتحدة
من جانبها، رحبت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بقرار التصنيف الأميركي، معتبرة أن هذا الإجراء يشكل خطوة هامة نحو إضعاف الحوثيين.
فقد أكد وزير الخارجية في الحكومة، شائع الزنداني، استعداد الحكومة لتعزيز التعاون مع الولايات المتحدة لضمان تطبيق القرار وتخفيف أي آثار سلبية على الوضع الإنساني في اليمن
.
من جانب آخر، أكد السفير الأميركي في اليمن، ستيفن فاغن، أن القرار يعكس ردًا على التهديدات التي يشكلها الحوثيون ضد الأمن الأميركي، فضلاً عن تهديد استقرار التجارة البحرية في المنطقة
.
القلق الإنساني من التصنيف
إلا أن هناك مخاوف متزايدة من أن يؤدي التصنيف الأميركي إلى تداعيات إنسانية خطيرة على اليمن.
حيث عبرت عدة منظمات إغاثية مثل "أطباء بلا حدود" و"العمل ضد الجوع" عن قلقها من تأثير هذا التصنيف على المساعدات الإنسانية المقدمة إلى اليمن.
هذا التصنيف يمكن أن يعرض أي شخص يتعامل مع الحوثيين للملاحقة القانونية في الولايات المتحدة، مما يثير القلق حول تداعياته على الواردات الغذائية إلى اليمن، التي يعاني سكانه من أزمة إنسانية خانقة
.
التحديات أمام الحكومة اليمنية
من جهته، يرى المتخصص في العلاقات الدولية، يوسف مرعي، أن غياب الضغط السياسي والعسكري من قبل الحكومة اليمنية على الحوثيين يعتبر نتيجة لحالة الهيكلية الهشة للحكومة الشرعية.
ويعزو مرعي ذلك إلى غياب الوحدة السياسية والعسكرية لدى الحكومة، مما أدى إلى تراجع قدرتها على شن هجمات فعالة ضد الحوثيين
.
إضافة إلى ذلك، يلفت مرعي إلى أن الحكومة الشرعية عجزت عن توحيد قواتها العسكرية، وهو ما يجعل الحوثيين في وضع قوي، خاصة وأنهم استطاعوا بناء شبكات تمويل محلية ودولية رغم العقوبات
.
موقف الحوثيين من العقوبات
من جانبهم، يمكن للحوثيين استخدام العقوبات ضدهم كأداة دعائية لتأكيد موقفهم المقاوم ضد ما يعتبرونه "الاستعمار الجديد"، وادعاء أنهم يدافعون عن حقوق الفلسطينيين في وجه التحالفات الغربية.
إضافة إلى ذلك، يراهن الحوثيون على قدرتهم على التكيف مع العقوبات، بالنظر إلى دعم إيران لهم، والتي تمتلك خبرة طويلة في الالتفاف على العقوبات الدولية
.
تداعيات التصعيد على الحكومة الشرعية
المحلل السياسي سعيد عقلان يرى أن الحكومة الشرعية أصبحت عاجزة عن اتخاذ قرارات مستقلة وتقوم بدور محدود بسبب فقدانها للقدرة على الضغط على الحوثيين.
هذا الوضع أدى إلى تراجع تأثير الحكومة في المشهد السياسي والعسكري، مما يفتح المجال أمام الحوثيين للبحث عن حلول سياسية خاصة بهم، مثل إجراء مفاوضات مباشرة مع السعودية أو حتى مع الولايات المتحدة
.
عقلان يؤكد أن الحكومة الشرعية تواجه مشكلات داخلية كبيرة، بما في ذلك الخلافات بين مكوناتها العسكرية والسياسية، ما يجعلها غير قادرة على استغلال التوجهات الدولية والإقليمية ضد الحوثيين لتحقيق أي تقدم على الأرض
.
التوقعات المستقبلية
في ظل هذا الوضع المعقد، يبقى مستقبل الأزمة اليمنية غير واضح. فإن لم يرافق التصعيد الأميركي على الحوثيين ضغط ميداني فعّال من الحكومة الشرعية، فإن العقوبات وحدها قد تكون غير كافية لتحقيق تغيير حقيقي.
وقد تفتح هذه الديناميكيات المجال أمام الحوثيين لتحقيق مزيد من النفوذ السياسي، خاصة إذا استمروا في تعزيز سيطرتهم على مناطق جديدة في الشمال، ما قد يدفع بعض الدول إلى إعادة تقييم سياساتها في التعامل مع الحوثيين وتقديم حلول سياسية قد تستبعد الحكومة المعترف بها دوليًا
.
التصعيد الأميركي ضد الحوثيين وتصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية يمثل خطوة هامة في استراتيجية الضغط على الجماعة.
ومع ذلك، يواجه هذا التصعيد تحديات كبيرة على المستوى العسكري والسياسي، حيث لا تزال الحكومة اليمنية الشرعية تعاني من ضعف في قدرتها على فرض ضغوط فعّالة على الحوثيين.
كما أن تصنيف الحوثيين "إرهابيين" قد يكون له تداعيات سلبية على الوضع الإنساني في اليمن، وهو ما يعقد الوضع بشكل أكبر في سياق الحرب المستمرة في البلاد
.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news