أيام في الإحساء ٥&بهجة التناقض الطبيعي

     
موقع الأول             عدد المشاهدات : 70 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
أيام في الإحساء  ٥&بهجة التناقض الطبيعي

مسعود عمشوش

من المؤكد أن الواحات تشكل مناظر طبيعية خلابة وسط الصحاري والهضاب الجبلية، ويزيد من جمالها التناقض الشديد بين جفاف وقسوة رمال الصحراء وصخور الهضاب وبين بهجة مياه الواحة وخضرة أشجارها. ومن الطبيعي أن يترك الانتقال من مشاهدة الصحراء والهضاب الجبلية وجفافهما إلى مشاهدة الواحة الخضراء أثرا في المسافرين، سواء أكانوا من السكان المحليين أو من الرحالة الأجانب. هذا ما نشعر به مثلا عند انتقالنا من صحراء الربع الخالي إلى واحة الإحساء في شرق المملكة العربية السعودية، أو عند هبوطنا من الجول، الذي يفصل ساحل حضرموت عن واديها، إلى مدخل وادي العين المغطى بالنخيل وحقول الذرة والخضار.

ويركز الرحالة المستكشف البريطاني عبد الله فيلبي في سرد وصوله إلى واحة الإحساء في نهاية سنة ١٩١٧ على تصوير حزام النخيل المحيط بمدينة الهفوف والقرى المجاورة لها. ويرصد الدهشة والأثر الذي تركه منظر الواحة في مرافقيه المحليين، لاسيما أولئك الذين شاهدوا واحة الإحساء لأول مرة، فقد سرد وصولهم على النحو الآتي:

"أخذنا نتقدم بعناء وبشكل متعرج بين كتل الرمال المتراكمة؛ فتارة نسير في منخفض عميق، وتارة أخرى بحافة أكمة منحدرة، وذلك إلى قبيل الساعة الرابعة بعد منتصف الليل. 

وعند الساعة الثامنة صباحاً واصلنا السير بلا توقف إلى آخر أكمة في تلك الأرض الرملية المتموجة. وعندئذ ألقينا نظرة باتجاه الأسفل، فشاهدنا منظرا محببا إلى النفس بشكل بالغ: إنه منظر حزام عريض أسود من النخيل وشاهدنا خلفه الشمس أثناء غروبها.

"لا إله إلا الله ! لا إله إلا الله!"، رددها كل واحد من مرافقينا، عندما وصلنا إلى قمة الأكمة، مسلمين بوحدانية الله، خالق التناقضات كلها، وخالق الليل والنهار، وخالق البحار والأرض، وخالق الصحراء والنماء. كنا نرى أمامنا واحة الإحساء بخلفيتها القاسية، التي تتكون من صحراء شاسعة مترامية الأطراف. وشاهدنا أيضا الدخان المتصاعد من القرى المتناثرة هنا وهناك. وقد جعلنا هذا الأمر نحث الخطى كي نصل قبل حلول الليل.

وعلى الرغم من أن النخيل بدا قريبا منا، فإن حافة حزام النخيل لا تزال في الحقيقة تبعد عنا مسافة ثلاثة أميال، وهذا يعنى مسيرة ساعة كاملة بالجمال، وكانت الساعة حينئذ الخامسة مساء، وذلك قبل أن نقرر التقدم وعبور السهل الذي يتوسط هذه المنطقة. وحرفنا مسار دوابنا باتجاه جنوب الفضاء الواسع الواقع بين قرية جيشة وحزام النخيل. ولما كنا نعاني من الالتهابات والإنهاك بفعل السفر الذي استمر يوماً كاملاً فقد اضطررنا إلى ترك رجالنا ينصبون الخيام، ويساومون القرويين، الذين سرعان ما ظهروا لنا ومعهم بضاعتهم التي كانوا يعرضونها للبيع: البرسيم الحجازي لإطعام الإبل، والتمر لإطعام الرجال. وبدأنا نتجول وسط حقول النخيل؛ كان منظر قنوات الري المائية وصوت خريرها وهي تشق لنفسها طريقاً بين آبار النخيل، جميلين، وكان منظر حقول البرسيم الحجازي يسر الخاطر، وكذلك حقول القمح التي كانت على شكل مستطيلات خضراء صغيرة. كما كانت الأشجار المثمرة؛ أشجار الليمون والرمان والتين والعنب، تشرح هي الأخرى الصدر وتسر النفس…

ويصل عمق حزام النخيل إلى حوالي أربعة أميال من الشرق إلى الغرب. أما من الشمال إلى الجنوب فلا يقل عمقه عن ضعف هذه المسافة. وحول هذا الحزام توجد الصحراء التي ترتفع ناحية الغرب ارتفاعًا مفاجئًا يصل إلى أربعين أو خمسين قدماً، مشكّلة بذلك هضبة منخفضة جرداء، يقع خلفها هي أيضاً حزام آخر من النخيل - واحة الأحساء الأساسية - على مستوى أعلى من المستوى الأول. ومبلغ علمي أن منطقة الإحساء تتكون من هاتين الواحتين، الواحة الشرقية والواحة الغربية، اللتين يصل فارق مستوى الارتفاع بينهما إلى أكثر من مائة قدم، كما تصل المسافة من أقصى الواحتين إلى أقصاهما عبر الهضبة التي تتوسطهما إلى حوالي ميلين. والطريق يبتعد عن الواحة الشرقية متجها إلى الهضبة عند قرية فضول Fudhul".

وعندما تسرد الرحالة البريطانية فريا ستارك هبوطها من الجول الرملي والصخري إلى وادي دوعن لا تخفي أن التناقض بين الطبيعة القاسية الجافة والطبيعة المبهجة لواحة وادي حضرموت بنخيلها ونباتها هو السبب الرئيس لدهشتها بالمنظر الذي أمامها، الذي يفوق في سحره جمال الطبيعة الخضراء في جبال الألب الأوروبية، فهي كتبت في الفصل من كتابها (البوابات الجنوبية لشبه الجزيرة العربية سنة ١٩٣٥ ):

في هذه المتعة اللطيفة لغير المتوقع تكمن نكهة الحياة. وهي مكافأة لهؤلاء المسافرين حينما يقفون على حافة الجرف المنحدر بعد عبورهم الجول، وينظرون إلى الأسفل في وادي دوعن بحضرموت. 

ففي الأسفل، يربض الوادي الذي تبلغ عرضه ألف ياردة، في نهاية منحدر يهبط ألف قدم أو ما يقاربها بجدران عمودية. وقد شيدت بلدات صغيرة على الجوانب المتكسرة الصلبة التي تتمسك بالحروف مثل أعشاش السنونو، ولا يظهرها إلا ضوء الشمس. وعندما ينظر أحد المسافرين للأسفل يجد خمساً أو ستاً منها واضحة على المنحدرات.

لقد غطت أشجار النخيل الكثيفة أسفل الوادي. وتوزعت بينها حقول مقسمة إلى مربعات محروثة من كل جانب في قاع جدول (مسيال) أبيض، تلتمع قممها هناك على نحو مظلم، مثل أفعى أو نهر، بحراشف أو موجات صغيرة تلتمع في الشمس، تستقر العين على اخضرارها المحصور، بعد أن أشبعت بأماكن مكشوفة وتتبعها إلى حيث تلتف من الظل إلى ضوء شمس بين أكتاف الجبل تحتفظ بها في الداخل وتلتف بها حول زاوية في البعيد.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

انهيار غير مسبوق للعملات الأجنبية أمام الريال اليمني اليوم السبت

مأرب برس | 854 قراءة 

عقب منع شراء العملات الاجنبية او تحويلها.. بائعي القات يذهبون لشراء هذا الامر وارساله لصنعاء

كريتر سكاي | 679 قراءة 

انهيار عصبي يدخل قيادي حوثي في غيبوبة بعد انكشاف ثروته العقارية الفاخرة بصنعاء

يني يمن | 624 قراءة 

فيديو| خلية الـ 750 طن.. اعترافات تكشف آليات تهريب الأسلحة الإيرانية لمليشيا الحوثي على المستويين الإقليمي والدولي

حشد نت | 607 قراءة 

طارق صالح يكشف تفاصيل المخطط الإيراني لاستهداف أمن اليمن والمنطقة

حشد نت | 520 قراءة 

واشنطن تعلن عن مكافأة 50 مليون دولار للقبض على رئيس هذة الدولة

يني يمن | 467 قراءة 

أسعار صرف العملات قبل قليل

كريتر سكاي | 429 قراءة 

أمريكا تطمئن التجار وتقدم “ضمانات سياسية” لاجراءات المركزي اليمني

المرسى الاخباري | 429 قراءة 

الريال اليمني يستعيد عافيته تدريجياً في عدن.. تعرف على أسعار الصرف اليوم

نيوز لاين | 411 قراءة 

مقترح بن لزرق لتنظيم العمالة الشمالية الوافدة إلى عدن يثير تفاعلًا واسعًا ويحظى بتأييد كبير

يافع نيوز | 356 قراءة