المستشرقون واليمن.. فيلبي “الحاج عبدالله” الذي ساهم في رسم ملامح الجزيرة العربية واليمن (الحلقة الخامسة)

أعد الحلقة لـ”واي دي” محمد العياشي:

في حلقة اليوم من سلسلة “المستشرقون واليمن” التي يقدمها موقع “يمن ديلي نيوز”، نسلط الضوء على “هاري سنت جون فيلبي”، المستكشف البريطاني الذي ترك بصمة كبيرة في تاريخ اليمن وحضرموت.

فيلبي الذي تحول من شخصية مثيرة للجدل إلى أحد أهم الوجوه السياسية والاستخباراتية في المنطقة، كان له دورا محوريا في رسم ملامح السياسة البريطانية في الجزيرة العربية بعد الحرب العالمية الأولى.

من خلال زياراته المتعددة لليمن، جمع فيلبي معلومات استراتيجية وكان له تأثيرا كبيرا على الأحداث السياسية في تلك الفترة.

الدكتور مسعود عمشوش، في كتابه “المستكشف هاري سانت جون فيلبي ورحلته إلى حضرموت”، يكشف عن جوانب دور فيلبي الذي لم يقتصر على الجغرافيا والرحلات الاستكشافية بل امتد إلى السياسة والاستخبارات.

“هاري سنت جون فيلبي” المعروف بـ “جاك” أو “الحاج عبد الله” بعد إسلامه، كان شخصية محيرة في بداية القرن العشرين.

رآه البريطانيون كجاسوس لخدمة مصالح بريطانيا، بينما اعتبره العرب جاسوسًا بريطانيًا يعمل ضدهم.

كان فيلبي، المولود عام 1885 في سيلان لعائلة بريطانية أرثوذكسية، مثيرًا للجدل بسبب تحولات ولائه ودوره في المنطقة العربية.

درس في جامعة كامبردج واهتم بعلم الطيور والحشرات، ليصبح لاحقًا شخصية بارزة في مجالات متعددة.

يكشف “عمشوش” عن الدور المهم الذي لعبه فيلبي في تحديد ملامح وحدود الجزيرة العربية بعد انهيار الدولة العثمانية، واهتمامه بعلاقات الدول العربية التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى، خصوصًا تلك الواقعة في الشمال والجنوب.

الدور السياسي والاستخباراتي

كان فيلبي شخصًا سياسيًا ورجل استخبارات بارع؛ جاء إلى الشرق الأوسط في عام 1914 بدافع تمكين بريطانيا من فرض سيطرتها على ممتلكات الدولة العثمانية السابقة، وكان له دورا محوريا في صياغة سياسات بريطانيا تجاه مناطق الشرق الأوسط، بما في ذلك اليمن.

ورغم استقالته في عام 1924 بسبب اختلافه مع سياسة بريطانيا في المنطقة، إلا أنه استمر في العمل في المجال الاستخباراتي والسياسي في المنطقة.

من خلال زياراته المتعددة، كان فيلبي يجمع المعلومات السياسية والاستراتيجية التي تدعم مصالح بريطانيا، مع تسليط الضوء على الوضع السياسي في اليمن وحضرموت، سواء من خلال علاقاته مع الإمام يحيى بن حميد الدين في الشمال أو من خلال رؤيته لحالة الاستقرار في حضرموت.

حضرموت واليمن في رؤية فيلبي

عند حديثه عن حضرموت واليمن، كان فيلبي يصفها بأنها مناطق غنية ثقافيًا وجغرافيًا، ولكنها كانت تحت تأثير عدم الاستقرار السياسي.

في اليمن، كان حكم الإمام يحيى بن حميد الدين يتسم بالقوة في الشمال، لكنه كان يواجه تحديات عديدة من القوى الداخلية والخارجية.

فيلبي كان يلاحظ بدقة تلك الديناميكيات، وكان يراهما جزءًا من الصورة الأكبر التي كانت تسعى بريطانيا إلى رسمها في الجزيرة العربية بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.

شخصية محورية

عندما تناول عمشوش دور فيلبي، أكد على أن فيلبي كان لديه قدرة فريدة على التأثير في مجريات الأحداث السياسية والاستخباراتية في اليمن وحضرموت، فهو لم يكن مجرد مستكشف جغرافي، بل كان شخصية محورية في رسم سياسات المنطقة.

عمشوش أشار إلى أن فيلبي كان قد حقق نجاحات كبيرة في جمع المعلومات، لكنه أيضًا كان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بمصالح بريطانيا الاستعمارية في المنطقة.

ورغم انتقاد البعض له بسبب التدخلات السياسية، إلا أن عمشوش يعترف بأهمية الجانب العلمي لكتبه، خصوصًا في مجالي الجغرافيا والتاريخ، قائلاً إن دراسات فيلبي حول الجزيرة العربية وحضرموت تعتبر من بين الأهم على الإطلاق في هذا المجال.

رغم الانتقادات الموجهة إلى فيلبي بسبب آرائه السياسية وميله نحو دعم مصالح بريطانيا، فإن عمشوش يشيد بإسهاماته العلمية التي لا يمكن تجاهلها. ويؤكد على أن ما أضافه من معرفة حول اليمن وحضرموت يعد ركيزة أساسية لفهم تاريخ المنطقة في تلك الفترة.

المستكشف البريطاني هاري سنت جون فيلبي تطرق في كتاباته إلى نظام الحكم في اليمن، وخصوصًا في فترة حكم الإمام يحيى حميد الدين، الذي كان يحكم اليمن كإمام زيدي منذ عام 1918 حتى اغتياله عام 1948.

عن الامام يحيى

المستشرق البريطاني “فيلبي” تطرق في كتاباته إلى نظام الحكم في اليمن، وخصوصًا في فترة حكم الإمام يحيى حميد الدين، الذي كان يحكم اليمن كإمام زيدي منذ عام 1918 حتى اغتياله عام 1948.

“فيلبي” وصف حكم الإمامة بأنه نظام ديني تقليدي مستند إلى الفقه الزيدي، حيث كان الإمام يحيى يحكم بسلطة مطلقة تستمد شرعيتها من المذهب الزيدي، وكان الحكم في اليمن عن باقي أجزاء الجزيرة العربية.

وقال إن الحكم في اليمن كان يستند إلى الوراثة الدينية والسياسية معًا، وليس فقط على القوة القبلية كما هو الحال في مناطق أخرى.

رأى فيلبي أن الإمام يحيى كان محافظًا بشدة ومعاديًا للتحديث، حيث رفض معظم أشكال التأثير الأجنبي وأبقى اليمن معزولًا سياسيًا واقتصاديًا عن العالم الخارجي.

وذكر أن الإمام كان يدير شؤون الحكم بقبضة حديدية، ويعتمد على شبكة معقدة من العلاقات القبلية والعلماء الدينيين لضمان استقرار سلطته.

بيروقراطي بطيء

وصف فيلبي نظام الحكم في اليمن بأنه بيروقراطي بطيء، حيث كانت الإدارة تعتمد على رجال الدين وشيوخ القبائل، مما جعل عملية صنع القرار مركزية وبطيئة.

أشار إلى أن اليمن في عهد الإمام يحيى كان يعاني من ضعف البنية التحتية وغياب الإصلاحات الاقتصادية، مقارنةً بالمناطق الأخرى في الجزيرة العربية التي كانت تشهد تحديثًا تدريجيًا.

تحدث عن الجبايات التي وصفها بـ “الضرائب” وقال إن نظام الضرائب الصارم الذي فرضه الإمام على القبائل والفلاحين، تسبب أحيانًا في حالة من السخط والتمرد، لا سيما في بعض المناطق الزيدية نفسها.

وأشار إلى أن الإمام كان بارعًا في استخدام التحالفات القبلية لقمع التمردات وضمان استمرار سيطرته.

ورأى “فيلبي” أن اليمن في عهد الإمام يحيى كان منعزلًا دبلوماسيًا إلى حد كبير، حيث رفض الإمام إقامة علاقات واسعة مع الدول الغربية، واعتمد على سياسة الاكتفاء الذاتي والخوف من التدخل الخارجي.

لاحظ أن اليمن كان متأخرًا اقتصاديًا وعسكريًا مقارنةً بالسعودية التي كانت تنفتح على التكنولوجيا الغربية.

كان يرى أن نظام الإمامة في اليمن “تقليدي أكثر من اللازم”، وغير قادر على مواكبة التغيرات في المنطقة.

بنات سبأ

في كتابه “بنات سبأ .. رحلة في جنوب الجزيرة العربية”، يوثِّق المستشرق البريطاني “فيلبي” (المعروف أيضًا باسم عبد الله فيلبي بعد إسلامه) رحلته الاستكشافية إلى جنوب الجزيرة العربية، مع التركيز على اليمن.

يتناول الكتاب الجوانب الجغرافية، التاريخية، والثقافية للمنطقة، ويُعَدُّ من أوائل المصادر الغربية التي قدَّمت وصفًا تفصيليًا لهذه المناطق في أوائل القرن العشرين.

قدَّم فيلبي وصفًا دقيقًا للمدن والقرى اليمنية التي زارها، مسلِّطًا الضوء على العمارة التقليدية، الأسواق، والحياة اليومية للسكان.

استعرض تنوُّع التضاريس في جنوب الجزيرة العربية، من الجبال الشاهقة إلى السهول والوديان، مشيرًا إلى تأثير هذه التضاريس على نمط حياة السكان والزراعة.

كما تطرَّق إلى العادات والتقاليد المحلية، بما في ذلك اللباس التقليدي، الفنون الشعبية، والاحتفالات الدينية والاجتماعية.

وسلَّط الضوء على المواقع الأثرية والتاريخية في اليمن، مع التركيز على حضارة سبأ القديمة، مشيرًا إلى الأهمية التاريخية لهذه المواقع.

ناقش التركيبة القبلية للمجتمع اليمني، والعلاقات بين القبائل المختلفة، وتأثير ذلك على الاستقرار السياسي والاجتماعي في المنطقة.

يُعتَبَر هذا الكتاب مرجعًا مهمًا للباحثين والمهتمين بتاريخ وجغرافية الجزيرة العربية، حيث يقدِّم رؤية شاملة ومفصَّلة عن جنوب الجزيرة العربية في فترة زمنية كانت فيها هذه المناطق قليلة الاستكشاف من قبل الغربيين.

المصادر:

– كتاب المستشرق هاري سانت جون فيلبي ورحلته إلى حضرموت (2012).

– المجلة الجزائرية الثقافية.

– كتاب بنات سبأ.

• تابعونا غدًا في حلقة جديدة من سلسلة “المستشرقون واليمن”، حيث نستعرض انطباعات مستشرق آخر عن هذه الأرض العريقة.

تابعونا غدًا في حلقة جديدة من سلسلة “المستشرقون واليمن”، حيث نستعرض انطباعات مستشرق آخر عن هذه الأرض العريقة.

 سلسلة حلقات “المستشرقون واليمن”:

الحلقة الأولى: الألماني “نيبور” ورحلته إلى البلاد التي تحكمها التوازنات

الحلقة الثانية: “هاليفي” في رحلة استكشاف تاريخ اليمن تحت عباءة التسول

الحلقة الثالثة: رحلة البريطاني “برتون” إلى أرض النقوش والعادات الفريدة

الحلقة الرابعة: “ثيسيجر” الذي وجد أن السعادة الحقيقية في قلب الصحراء

مرتبط

الوسوم

المستشرقون واليمن

نسخ الرابط

تم نسخ الرابط