كان شاعرنا، عبدالله القاضي، واحدًا من أولئك الذين لم يكونوا مجرد أسماء في الحياة، بل كانوا حياةً بذاتها.
أتذكر جيدًا، صوته حين كان يتحدث، كأنما يأخذ بتلابيب القلب، يغوص إلى أشد الأماكن التي يتعلق بها الفؤاد. لم يكن كلامه مجرد حديث، بل كان عزفًا على وتر الوجدان، يترنم بالشجن والعاطفة، ينسج من الكلمات نسيجًا يشدّ السامعين إليه.
كان والدي، رحمه الله، يحبه حبًا خاصًا، وكأنما كان يرى فيه امتدادًا لروحه . كان يفرح حين يراه فرحًا عظيمًا، وكأن لقاءه به كان لقاءَ الأرواح التي تأنس ببعضها. لا أنسى ذلك اليوم، حين كنا مع والدي رحمة الله علية محمد المساح في سيارة العم علي القباطي، والتقينا بشاعرنا الجميل عبدالله القاضي،في تعز تقريبا سنة 2004 ..2005 لمحناه في الشارع في المدينة بتعز حدثنا عن قصة بقيت محفورة في القلب رغم كل الاحداث لا استطيع نسيانها ابدا وهو يتحدث به بصوته الشجن.
حين سألناه عن غرابة هذه الشدة التي يمر بها الإنسان في اليمن ، حكى لنا بااسلوبه الجميل رؤيا ذلك الوليّ الصالح اسمه التستري من أهل اليمن، روى لنا حلمه والذي كان يرى فيما يرى النائم أنه يرتل القرآن ، حتى بلغ قول الله تعالى: “وإن منكم إلا واردها”، فإذا بالنبي ﷺ يقاطعه قائلًا: “إلا أهل اليمن يا تستري”، فسأله التستري متعجبًا: “ولم استثنيت أهل اليمن يا رسول الله؟”، فجاء الجواب كبلسمٍ للقلوب: “لصبرهم على ظلم ولاتهم”.
كنا مأخوذين حينها، لا ندري هل نغرق في الحزن أم نرتفع في الروحانية، فقد كان الشاعر الجميل عبدالله القاضي يأخذنا في رحلات لا تشبه هذا العالم.
اليوم، نفقده ولا نفقد أثره، يغيب ولا يغيب صوته، يرحل لكن كلماته ستظل تسكن المجالس، تهمس بها الريح، وتترنم بها القلوب. كان مثل الروح ذات العبق الجميل، التي تأخذك إلى عوالم العفوية والإيثار، يلامس الأرواح كما يلامس النسيم وجه الأرض، فيترك أثره دون أن يُرى.
رحمك الله، يا شاعرنا النبيل، وجمعك بمن أحببت في دار البقاء، وأسكنك فسيح جناته، حيث لا ظلم ولا وجع، بل سلام لا ينتهي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news