مزادات البنك المركزي بين الحقيقة والوهم
قبل 3 دقيقة
ثمة من يقول ان مزادات بيع العمله التي يجريها البنك المركزي اليمني في عدن انها لم تسهم في وقف تدهور العملة الوطنية الريال ، محملا المزادات والبنك المركزي مسئوليه تدهور العملة وانها أموال مهدورة وقد لجاء البعض الى افتراض ان المزادات تذهب لغير المكان المخصص هذا الاعتقاد خاطئ ويشوبه كثير من الواقع والحقيقة بل ان المعتقدين بذلك ويتبنون هذه الفكرة انما يظهر جهلا حقيقا في السياسة النقدية والسياسة المالية والية السوق لاسيما في اليمن وفي ظل الانقسام النقدي الحالي الذي فرض سيطرة كبيره على وضع الريال اليمني
وسنستعرض في تلخيص غير مخل لدور المزادات الحقيقي بعيدا عن الخيال
قد يسأل سائل إذا كانت مزادات البنك المركزي اليمني في عدن لن توقف تدهور سعر العملة وتحسن سعر صرف الريال مقابل الدولار؟ ولماذا سعر الصرف لدى مناطق سيطرة الحوثيين ثابت ولا يتدهور ولا يوجد لديهم مزادات ؟ مثل هذه الاستفسارات تقال كثيرا وهنا اود ان أؤكد ان مزادات البنك المركزي يمكن ان تسهم في وقف التدهور بل وتحسين سعر الصرف لكن ذلك يتم في ظل اكتمال بقية العوامل الاقتصادية وتخفيض معدل التضخم وتحسين السياسة المالية بحيث الن الحكومة تحقق فائضا ماليا وليس سحبا على المكشوف دون ان يكون لها إيرادات وفي ظل ان مصروفاتها بالدولار كبيرة في مقابل ان إيرادات الحكومة من الدولار قريبة من الصفر وتراكم الدين الظاهر والدين المخفي للحكومة والذي ينذر بكارثة اقتصادية كبيرة في المدى القصير والمتوسط
ففي ظل سياسة مالية قوية يمكن تطبيق سياسة نقدية قوية تكبح جماح تدهور العملة ويستطيع البنك المركزي من خلال أدوات السياسة النقدية والتي من ضمنها مزادات العملة الأجنبية ان تسهم في تحسين سعر الصرف وبصورة كبيرة ، لكن في ظل انعدام أي سياسة مالية للحكومة وعدم توفر ادنى متطلبات السياسة المالية منها الموازنة العامة للدولة والتي تحدد مصادر إيرادات الحكومة واوجه النفقة وفي ظل فساد مستشري على كل مؤسسات الحكومة وفي ظل استيلاء الحوثين على كثير من الإيرادات والمقدرات الحكومية ولن نطيل في شرح ذلك لواقع تحدث عنه الكثيرين
وفي الوضع الحالي هل نوقف المزادات مثلا؟ قد يقول قائل ذلك ما دام لن توقف التدهور وهنا أقول بالعكس يجب تكثيف انزال المزادات لفرض سيطرة على السوق وتقليص حجم التدهور وتكمن فائدة المزادات في الاتي :
1.
تخفيف الضغط على المعروض من العملة الأجنبية:
حجم العرض الأجنبي من العملة الأجنبية في اليمن كبير وحجم الطلب كبير أيضا ويأتي الطلب من عدة جهات أهمها دفه قيمة الفاتورة الاستيرادية والتي حجمها كبير فاليمن يستورد اكثر من 90% من حاجاته خاصة بعد التدمير الممنهج للصناعة والإنتاج الوطني نتيجة الانقلاب الحوثي وهروب كثير من الصناعيين الى دول أخرى ، ولتغطيه جزء كبير من حاجات المستوردين فان البنك المركزي وضع اليه لتعزيز طلبات المستوردين من العملة الأجنبية وهنا اخفق البنك المركزي في ذلك في انه لم يطمن المستوردين بتوفر العملة وفق الية ممنهجة ونظامية بحيث يستطيع المستورد ان يرتب مصادره من العملة الأجنبية ويعتمد على مزادات البنك المركزي فالعشوائية في طرح المزادات واختلاف العروض جعلت المستوردين لا يعتمدون على المزادات في الحصول على العملة الأجنبية وفي تسعير منتجاتهم لهذا نجد ان أسعار السلع لا تعكس نتيجة سعر المزاد وكذا قلة الطلب على المزادات في أحيانا كثيرة ، وهنا لابد للبنك المركزي من عمل الية لتعزيز دور المزادات أولا من خلال تخفيض حجم المعروض الأسبوع ووضع جدول زمني منشور يتم تنفيذه بالية المزادات وتوقيتها بحيث يستطيع المستوردين ترتيب حصولهم على العملة عن طريق المزادات دون اللجوء للمعروض في السوق لتوفير العملة الأجنبية
2.المزادات تخفض معدل التدهور للعملة الوطنية
الفائدة الثانية من استمرار المزادات ان توقف معدل تدهور العملة الوطنية ولا يقفها وهذا ما يلمسه الجميع انه بمجرد الإعلان عن وجود مزاد ينخفض معدل التدهور للعملة ويصبح اقل وهذا يفيد كثير فلولا المزادات لكان سعر الصرف الان تجاوز 3500 ريال / الدولار وربما اكثر بكثير في ظل انعدام بقية العوامل الاقتصادية التي تؤدي الى تحسين سعر الصرف وأصبحت المزادات هي الالية الوحيدة التي خفضت معدل التدهور بنسبة اقل ، وبرغم الانتقادات على الية المزادات الا ان ظهروها من وقت لأخر يقلل من معدل تدهور العملة
3. المزادات الية لتعزيز أرصدة البنوك في الخارج
يتم تعزيز ارصدة البنوك في الخارج بعدة طرق منها : الحوالات الواردة - الرسمية - ، ترحيل العملة عبر المنافذ الحدودية - الرسمية - ، مزادات البنك المركزي . وتعزيز ارصدة البنوك في الخارج امر مهم جدا فاذا لم يتوفر للبنوك الوطنية أي ارصده في الخارج فلن يمكنها من فتح اعتمادات مستندية او تغطية قيمة الفاتورة الاستيرادية واذا لم تتمكن البنوك من ذلك فان لن تستطيع من تمكين المستوردين من تغطية قيمة المواد المستوردة وهنا اجدها مناسبة لمن ينتقدوا عملية ترحيل العملة عبر المنافذ الرسمية فها يظهر جهلا مصرفيا عميقا إضافة الى ان من يمول ذلك من كانوا مستفيدين من تهريب العملة عبر البحر او عبر منفذ شحن الى سلطنه عمان والذين انقطع مصدر فساد كبير لهم في ظل سماح البنك المركزي اليمني بترحيل العملة بصورة رسيمة
4.المزادات مصدر لتغطية نفقات الحكومة بالريال اليمني وتسييل أرصدة البنوك في البنك المركزي:
يلتزم البنك المركزي بتوفير الريال اليمني لتغطية نفقات الحكومة وخاصة المرتبات وبقيام البنك المركزي ببيع العملة الأجنبية مقابل الريال وخاصة ارصدة البنوك الكبيرة الموجودة في البنك المركزي يغطي حاجة الحكومة من الريال اليمني في ظل عجز الحكومة من توفير إيرادات تغطي نفقاتها كما ان هذه المزادات تسهم في تسيل ارصدة البنوك لدى البنك المركزي والذي يعزز ثقة البنوك في حصولها على النقد من البنك المركزي في كل وقت وتستطيع رسم إدارة السيولة الخاصة بها
أخيرا وليس اخرا – مازالت الية المزادات تعاني كثير من الإخفاق منها ما ذكرته اعلاه بان عدم الانتظام والنشر المسبق لنزول المزادات وبالأقل نشر جدول لمدة ثلاثة اشهر قادمة يوضح موعد نزول المزاد ومقدار العرض فهذا يقوض أداء المزادات ويفقدها كثير من فاعليتها وعلى البنك المركزي العمل مع الحكومة والاشقاء لضمان ذلك باي وسيلة وهذه مسئولية يجب تحملها ، وأكرر هنا بان المزادات في ظل الواقع الاقتصادي الحالي لن توقف تدهور العملة وليس هذا ما ننتظره منها.
وسأحاول في مقال قادم وضع أسس معينة لكيفه وقف تدهور العملة من خلال السيطرة على سوق الصرف ووقف المضاربة بالعملة الوطنية كوسيلة للتربح الشخصي على حساب العملة الوطنية
*خبير اقتصادي ومصرفي ومستشار محافظ البنك المركزي الأسبق
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news