كل شيء بيت غير في الحرب على مستوى السياسات والنظريات والأعمال وطرق التغطية والاهتمام بكل وسائل الإعلام التقليدية والجديدة، وطرق التركيز على القضايا، وصناعة القصص الإنسانية من جانب، والحربية من جانب آخر، والسياسية من جانب ثالث، والكثير الكثير من الأعمال والأنشطة الإعلامية.
عن نفسي أميل إلى تخيل الحرب بنفس الطريقة القديمة “مقدمة – قلب – ميمنة – ميسرة – مؤخرة”.
في المقدمة يأتي الجيش.
وفي القلب تأتي الإدارة.
في الميمنة يأتي المال
وفي الميسرة يأتي الإعلام.
وفي الخلف يأتي الجمهور كمحفز وحامي وممول.
وعلى الرغم من أن ميسرة الحوثيين تعتبر جيدة وفاعلة نجد أن ميسرة الشرعية مشلولة وغبية وكسولة ولا وجود لها بسبب رغبة الشرعية بالاحتفاظ بوزير لإدارة إعلامها في هذا الوقت العصيب، وهذا المنصب الكبير جدا على وزير الإعلام الحالي.
وعند المقارنة ما بين اليمن في مرحلة الحرب ودولة أخرى لا تمر بمرحلة حرب “على الأقل في بلادها” نجد أن أي دولة تتواصل إعلاميا مع شعبها أكثر من رؤساء الحرب في اليمن، وبمقارنة بسيطة بين مؤسسة الرئاسة اليمنية والأمريكية نجد أن الرئاسة الأمريكية نشطة إعلاميا بشكل لا يصدق بالنسبة لليمن بالرغم أن اليمن في زمن صراع، والإعلام أهم الأدوات في الفوز أو الهزيمة في هذا الصراع، ومن الأنشطة التقليدية التي يقوم بها أي رئيس أمريكي التالي:
1_ خطاب أسبوعي يشرح حاله الاتحاد والقضايا الداخلية والخارجية الملحة.
2_ مقابلات تلفزيونية.
3_ خطابات رسمية شبه يومية في فعاليات داخلية وخارجية.
4_ تصريحات للصحفيين على هامش الفعاليات التي يحضرها بشكل دائم في الخارج والداخل.
5_ استعمال الشبكات الاجتماعية بشكل يومي لبيان الرأي في القضايا المحلية والدولية وسواء عبر حساب الرئيس لبيان وجهة نظره الشخصية أو حساب مؤسسة الرئاسة لنشر رؤيتها المؤسسية.
6_ عمل متحدث رسمي للبيت الأبيض يقوم بلقاءات يومية مع الصحفيين والإعلاميين لبيان وجهة نظر الرئاسة في كل القضايا.
7_ يلقي الرئيس بيانات بجانب نظرائه في أي لقاء معهم في بلده أو في بلادهم.
8_ باقي بتصريحات عقب كل لقاء مع الكونجرس أو أحد أفراد حكومته حول التطورات لأي قسم من أقسام حكومته في التعليم أو الصحة أو الدفاع… إلخ، وحول القضايا الخارجية التي تهتم بها بلده.
إنها كلها أنشطة لا تحتاج إلا لكتابتها بشكل جيد والخروج بها على وسائل الإعلام، ويفترض أن لدى كل حكومة وخصوصا التي نعيش مرحلة صراع نظام إعلامي متكامل يعمل على إظهار قيادات المتصارعين بشكل يومي على الشاشة لكسب أنصار لهم، وشرح وجهة نظر كل جهة في كل القضايا المطروحة، وبيان لأنشطة الجهات المتصارعة على مستوى الداخل والخارج للفوز بالحرب.
وحتى في حال ادعاء الفقر في هذه الحرب من جانب المتصارعين في اليمن فأنه من الممكن إنجاح أي حملة لمهاجمة طرف بمبالغ زهيدة قد لا تتعدى بضع مئات من الدولارات ليصل خبرا ما لعدد يتجاوز الملايين على الإنترنت، ومن ثم ستقوم المشاركات والنسخ وإعادة الصياغة والترداد والشواش الإلكتروني بصناعة حدث جيد لتشويه الطرف الآخر وتسريع عملية الثورة ضده أو التظاهر ضده وتكبيده خسائر تصل أرباحها إلى مئات أضعاف قيمة الحملة في الأساس.
وبالرغم أن الحوثيين أغبياء إعلاميا على مستوى التكنولوجيا، ووسائل التواصل الاجتماعي ولا يستغلون 10 % من هذه الأدوات لصالح قضيتهم، بل ويشيطنون تلك الأدوات الاتصالية ويعتبرون من يستعملها أنه مع العدوان والتحالف وبقية التهم الجاهزة ضمن ما يسمونه الحرب الناعمة، إلا أنهم عند مقارنتهم بالشرعية وأصحابها الذين يملكون من الموارد ما يستطيعون به جعل كل هذه الأدوات تصب في صالحهم. يعتبرون أي “الحوثيين ” ناجحين للغاية وأذكياء في استثمار هذه الأدوات لصالح قضيتهم ودعمها في الشارع اليمني.
لقد وصلت الشرعية القاع في العمل الإعلامي لأجل خدمة أهدافها، وتفرغ كل من يعمل معها في هذا الجانب للكسب منها وليس لفائدتها ولصالح عودتها إلى اليمن وأصبحت مع مرور سنوات الحرب ضعيفة ومهزوزة ولا تستطيع أن تسهم حتى في نجاح حملة فيسبوكية بسيطة وغير مكلفة تنتقد فيها ممارسات أعدائها.
إن بحث بسيط على الإنترنت سيجعل الباحث يجد صعوبة كاملة في إيجاد ملف إعلامي متكامل وجيد وذو قيمة يستعرض بشكل جاد الحرب في اليمن، وكيفية إدارتها، ودور المجتمع فيها، وتنوع أشكالها، والتأسيس الفكري لها، وتطبيقاتها، وتأثيراتها، وموازين القوى فيها، ومصادرها، وطرق تصعيدها، والرؤى السياسية والاجتماعية والاقتصادية لحلها، ومدى التأثر والتأثير بها وفيها سلبا أو إيجابا، ودور الحرب السلبي في تقويض الهوية الاجتماعية وممارسات العنف التي ظهرت نتيجة الحرب، ودور الدين في زيادة عنف الحرب أو حل الصراع، وكيف أثرت الحرب في حقوق الإنسان والديمقراطية، وكيف يمكن أن تتأثر الحرب بهاتين الآليتين للخروج إلى حل، ولكنك تجد فقط بيانات صحفية هزيلة ولقاءات إعلامية نادرة وخطب سياسية غبية من جميع المتصارعين.
وفي موضوع الخطب السياسية تحديدا يمكننا رفع يد الحوثيين عاليا كفائز بالضربة القاضية في هذا المجال تحديدا حيث يقف قائد الجماعة موقف المتحدث النشط لهم في كل مناسبة دينية وسياسية واجتماعية أو أحداث أمنية وتطورات حربية، بينما نجد قيادة الشرعية صامتة لدرجة غير مقبولة حتى لدى أعدائها، وهناك الكثير من النشطاء والمثقفين ستسألون دائما عن هادي وأين هو من الأحداث؟ ولماذا لا يظهر إلا فيما ندر مما يسبب انتشار الحوثيين وأفكارهم واختفاء كبير للشرعية وأفكارها.
وما ذكر كان عن الإعلام اليمني الخاص بالمتصارعين في هذه الحرب ولكن ماذا عن الإعلام اليمني ككل؟ فلقد بدأ الإعلام المحلى اليمنى بالتخصص أكثر في تجييش مشاهديه لخدمة تكوينات سياسية أو دينية أو حزبية، وعمل في ضوء عدم وجود ضوابط على صناعة الكراهية، والحض على العنف، وزيادة الصراعات في المجتمعات المحلية، واعتمد على التمويل من قبل الممول لهذا الفكر السياسي أو ذاك التوجه الديني، وربما تتجه إلى الانهيار في حاله تم الاستغناء عن خدماتها أو انهيار الفكر الذي تخدمه.
إن الكثير من المؤسسات الإعلامية “في اليمن” صنعت لخدمة مرحلة وليس للتطور والاستمرار، وهذا يعنى أن الكثير من وسائل الإعلام المحلي ستختفي خلال خمس إلى عشر سنوات قادمة، ولكن في هذا الموضوع تحديدا، ما هي الضمانات الدستورية والقانونية، النظرية والتطبيقية التي تكفل عدم توجه هذه المؤسسات الإعلامية على صناعة الكراهية والحض على العنف ومعاقبتها إن مارست أي دعوة لهما.
وعند سؤالي من قبل أحد العاملين في إنتاج فيلم وثائقي عن حرية التعبير، نظرت له بطريقة من يسألني منكرا، وصحت به هي فين حرية التعبير؟، فكل شيء يقول إن ما نمارسه هو التحريض والعنف فقط:
1_ تعزز القنوات الفضائية الممولة من قبل الحوية في شمال اليمن مبادئ العرقية والسلالية.
2_ تعزز القنوات الفضائية الممولة من قبل الإصلاح قيم السلفية والأصولية الدينية.
3_ تعزز القنوات الفضائية الممولة من الحكومة “القناة الرسمية للدولة” من فردانية الحاكم وعبقريته وتجنيبه اليمن ويلات الحرب وتضخيم الإنجازات.
4_ تعزز القنوات الممولة من قبل النظام السابق من الأخطاء المرتكبة في المرحلة الصعبة التي تمر بها اليمن وتقدمها بصورة تهويلية وصادمة للجمهور
5_ تنقسم الصحف والمواقع الإخبارية الإلكترونية والحسابات الشخصية للأفراد لنفس تخصصات القنوات التلفزيونية المذكورة لنجد أن الإعلام في الحرب أصبح ضارا أكثر منه نافعا للوصول إلى السلام والتنمية في المستقبل.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news