حرب الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية.. هل تُحقق أهدافها؟
في خضم النزاعات العسكرية التي تعصف بالعالم، برزت الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية كأدوات رئيسية في الحروب الحديثة، لكن السؤال الأهم يظل قائمًا: هل يمكن لهذه الاستراتيجية أن تحسم المعارك وتغيّر موازين القوى؟
اليمن مثال صارخ على هذا الجدل، حيث تحولت أراضيه إلى ساحة اختبار لهذه الأدوات الجديدة، سواء من قبل جماعة الحوثي التي تستخدمها لاستهداف السفن والمواقع العسكرية، أو من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الذين يردون بضربات جوية وصاروخية دقيقة
.
القصف الاستراتيجي في اليمن.. تكنولوجيا حديثة وأهداف تقليدية
لطالما كان اليمن محورا للصراعات الإقليمية، لكن مع صعود الطائرات المسيّرة والصواريخ كأدوات رئيسية في الحرب، تغيرت طبيعة القتال بشكل كبير.
لم تعد المعارك تعتمد فقط على المواجهة المباشرة، بل أصبحت تعتمد بشكل متزايد على توجيه ضربات دقيقة للأهداف الحيوية من مسافات بعيدة
.
الحوثيون: من صراع داخلي إلى تهديد إقليمي
تبنّت جماعة الحوثي القصف الاستراتيجي كأداة رئيسية لتحقيق أهدافها العسكرية والسياسية، مستخدمةً ترسانة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة لمهاجمة أهداف داخل اليمن وخارجه.
فمنذ تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية في 2015، وسّع الحوثيون نطاق هجماتهم ليشمل المطارات والموانئ والمنشآت الحيوية في السعودية والإمارات، وصولًا إلى استهداف السفن في البحر الأحمر، وهو تطور استراتيجي غير مسبوق في طبيعة الصراع
.
الحوثيون وإيران.. تصعيد مدروس أم حرب بالوكالة؟
مع تصاعد التوترات في المنطقة، أصبح واضحا أن القدرات العسكرية للحوثيين تطورت بشكل ملحوظ، خاصة في مجال الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، وهو ما يعكس دعما إيرانيا تقنيا ولوجستيًا مستمرًا.
تشير التقارير إلى أن الحوثيين يستخدمون طائرات مسيّرة متطورة تشبه تلك التي تصنعها إيران، مثل "شاهد 136"، التي استُخدمت بشكل مكثف في أوكرانيا أيضا.
كما باتت صواريخهم قادرة على الوصول إلى مسافات تتجاوز 1000 كيلومتر، ما يجعلها تهديدا استراتيجيا لإسرائيل والخليج العربي على حد سواء
.
البحر الأحمر.. ساحة حرب جديدة
تحوّل البحر الأحمر إلى نقطة اشتعال رئيسية في الصراع، حيث شنّ الحوثيون هجمات متكررة على السفن التجارية وناقلات النفط، مهددين بذلك أحد أهم الممرات البحرية في العالم.
وقد دفعت هذه الهجمات الولايات المتحدة وحلفاءها إلى الرد عبر عمليات عسكرية مكثفة استهدفت مواقع إطلاق الصواريخ ومستودعات الطائرات المسيّرة في صنعاء والحديدة وصعدة
.
لكن رغم الضربات الجوية المتكررة، لا يبدو أن استراتيجية الردع هذه قد نجحت في وقف الهجمات الحوثية.
فعلى غرار ما يحدث في أوكرانيا، حيث لم تُؤدِّ الضربات الروسية المتكررة إلى انهيار المقاومة الأوكرانية، لم تمنع الضربات الأميركية والبريطانية الحوثيين من الاستمرار في استهداف السفن
.
الضربات الجوية الغربية.. هل تحقق أهدافها؟
تبنّت الولايات المتحدة وبريطانيا، بدعم من دول التحالف، استراتيجية الضربات الجوية الدقيقة ضد الحوثيين، بهدف تقويض قدرتهم على شن هجمات بحرية أو استهداف الأراضي الإسرائيلية.
لكن كما هو الحال في تجارب أخرى حول العالم، يبدو أن هذه الاستراتيجية تعاني من نفس المشكلات التي واجهتها في أوكرانيا وسوريا، فهي تسبب أضرارًا محدودة لقدرات العدو، لكنها لا تكفي لردعه بشكل كامل
.
فعلى سبيل المثال، رغم تدمير مستودعات الذخيرة ومواقع الإطلاق الحوثية، سرعان ما يعود الحوثيون لتنفيذ هجمات جديدة.
يشير هذا إلى أن القصف الاستراتيجي، حتى وإن كان دقيقا، لا يمكنه وحده إنهاء الحرب أو تغيير موازين القوى بشكل حاسم
.
لماذا لا ينجح القصف الاستراتيجي وحده؟
1
.
قدرة الخصم على التكيف
كما هو الحال في أوكرانيا، أثبت الحوثيون أنهم قادرون على التكيف مع الضربات الجوية عبر نقل مواقعهم وتطوير أساليبهم القتالية، مما يجعل من الصعب استئصال قدرتهم الهجومية بالكامل
.
2
.
التكلفة مقابل الفعالية
في حين أن إنتاج الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية منخفض التكلفة نسبيا، فإن اعتراضها عبر أنظمة الدفاع الجوي مكلف جدا.
وهذا يعني أن الحوثيين يمكنهم الاستمرار في شن الهجمات بكلفة زهيدة مقارنة بالكلفة الباهظة للدفاعات الأميركية والإسرائيلية والخليجية
.
3
.
الحشد الشعبي والتعبئة
تؤدي الضربات الجوية إلى تعزيز التعبئة الداخلية بدلًا من إضعافها. فكلما استُهدفت مواقع الحوثيين، كلما زاد التعاطف الشعبي معهم في بعض الأوساط، وهو ما يعزز استمرار الصراع بدلًا من إنهائه
.
4
.
الحدود السياسية للتدخل العسكري
رغم التصعيد العسكري، لا تبدو القوى الدولية مستعدة للدخول في مواجهة برية حاسمة مع الحوثيين، مما يجعل الضربات الجوية الخيار الوحيد المتاح، لكنه غير كافٍ لتحقيق نصر حاسم
.
مستقبل الحرب في اليمن.. إلى أين؟
في ظل استمرار القصف الاستراتيجي، يبدو أن اليمن قد دخل مرحلة جديدة من الصراع، حيث لم يعد الهدف تحقيق انتصار عسكري واضح، بل إدارة الحرب وفق معادلات توازن القوى.
ومع صعوبة القضاء على القدرات الحوثية عبر الضربات الجوية وحدها، قد يكون الحل النهائي سياسيًا أكثر منه عسكريًا
.
لكن في الوقت نفسه، فإن تصاعد استخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ يعني أن الحرب في اليمن لم تعد محصورة داخل حدوده، بل أصبحت جزءا من معادلة إقليمية أوسع، حيث تؤثر على ممرات التجارة الدولية وتربط النزاع اليمني بمواجهة أكبر تشمل إيران وإسرائيل والولايات المتحدة
.
ختاما.. هل يكون القصف الاستراتيجي بديلاً عن الحرب التقليدية؟
يُظهر اليمن، مثلما أظهرت أوكرانيا وأماكن أخرى، أن القصف الاستراتيجي، رغم قدرته على إلحاق الضرر، لا يمكنه وحده إنهاء الصراعات أو تحقيق أهدافه السياسية بالكامل.
ففي النهاية، يظل النصر في الحروب مرتبطًا بالسيطرة على الأرض، وليس فقط بتوجيه الضربات الجوية والصاروخية.
وبينما تستمر القوى الكبرى في تطوير ترساناتها من الطائرات المسيّرة والصواريخ، يبدو أن العالم مقبل على مزيد من الحروب التي تُدار من الجو، لكنها لا تحسم على الأرض
.
المصدر:
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news