إضراب المعلمين والأكاديميين يكشف التباين الطبقي والتناقض الصارخ بين تعليمين

     
يمن الغد             عدد المشاهدات : 39 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
إضراب المعلمين والأكاديميين يكشف التباين الطبقي والتناقض الصارخ بين تعليمين

يشهد قطاع التعليم في اليمن أزمة غير مسبوقة تُعد هي الأسوأ في العقود الأخيرة، فقد تفاقمت التحديات في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، مثل عدن ولحج وأبين وشبوة والضالع، بفعل التدهور الاقتصادي الحاد، وتأخر صرف الرواتب، وتردي الأوضاع المعيشية. وأمام هذا الواقع، باتت الرواتب عاجزة عن تلبية أبسط الاحتياجات الأساسية، مما أدى إلى تراكم الديون وتفاقم معاناة الأسر في تأمين الغذاء والمسكن والتعليم لأبنائها.

وقد اندلعت موجة من الإضرابات والاحتجاجات، بدأت بالإضراب الشامل، الذي بدأ في 22 ديسمبر 2024، للمعلمين وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات الجنوبية: جامعات عدن وأبين ولحج وشبوة، تعبيرًا عن استيائهم من الأوضاع المتردية. ومع تفاقم الأزمة، التحقت نقابات العمال الجنوبيين بالحركة الاحتجاجية، وهو ما أدى إلى اتساع رقعة الاحتجاجات وشمولها مختلف القطاعات، في مؤشر واضح على تصاعد حالة الاحتقان المجتمعي وعجز الحكومة عن إيجاد حلول فعالة.

تفاقم التباين الطبقي والتناقض الصارخ بين التعليم الحكومي والخاص

في الوقت الذي شُلَّت فيه العملية التعليمية في المدارس والجامعات الحكومية بسبب الإضراب، استمرت الدراسة بصورة طبيعية في قطاع التعليم الخاص، وهو ما يدل على عمّق الفجوة بين الفئات الاجتماعية المختلفة. ففي حين يُحرم أبناء الأسر ذات الدخل المحدود من حقهم في التعليم، يواصل أبناء الطبقات الميسورة والمسؤولين الحكوميين تعليمهم دون انقطاع في مدارس وجامعات خاصة باهظة التكاليف.

هذا الواقع أثار استياءً واسعًا في الأوساط الشعبية، فقد عدّ كثيرون أن هذا التفاوت يشير إلى غياب العدالة الاجتماعية واستفحال الفجوة الطبقية، ويؤكد غياب الجدية لدى الجهات المسؤولة في إيجاد حلول للأزمة؛ لكون أبنائهم غير متضررين من تدهور التعليم الحكومي. إن استمرار هذا التمييز قد يؤدي إلى انقسامات اجتماعية عميقة، إذ يصبح التعليم امتيازًا محصورًا بمن يملك القدرة المالية، بينما يُحرم منه أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة، الأمر الذي يهدد بنشوء مجتمع غير متكافئ تسوده الفوارق الحادة وغياب تكافؤ الفرص.

غياب الدور الحكومي وسوء إدارة الموارد

من المؤسف أن تظل وزارة التربية والتعليم والجهات المعنية في موقف المتفرج أمام هذه الأزمة التعليمية المتفاقمة، وهو ما يكشف غياب الرؤية الاستراتيجية والإرادة السياسية الحقيقية لمعالجة المشكلات التي يعانيها قطاع التعليم. في المقابل، تُهدر الموارد العامة والمساعدات الدولية في مشاريع غير مستدامة، تشمل دورات تدريبية شكلية، وبرامج ثانوية لا تسهم في تحسين وضع المعلم والعملية التعليمية، إلى جانب الامتيازات التي تصرف لفئة محدودة من المسؤولين، كعلاوات وحوافز وسفريات خارجية.

وكان الأجدر توجيه هذه الموارد نحو دعم رواتب المعلمين، وتحسين بيئة التعليم، وإنشاء مدارس جديدة تستوعب الأعداد المتزايدة من الطلاب، بدلاً من تركهم يتكدسون في فصول مزدحمة تفتقر إلى أدنى مقومات البيئة التعليمية السليمة. إن هذه الممارسات من الفساد وسوء الإدارة تُظهر غياب سياسة تعليمية واضحة، وهو ما يفسر التراجع الحاد الذي شهده التعليم في اليمن خلال السنوات الأخيرة.

وفي ظل هذا الوضع المتردي، نظمت نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين وقفة احتجاجية جديدة أمام مبنى وزارة التربية في عدن في يوم الأربعاء الماضي 12 فبراير 2025، تعبيراً عن رفضهم لما وصفوه بـ”العذاب والقهر والظلم” الذي تكبدوه في ظل الحكومات المتعاقبة، التي لم تولِ القطاع التعليمي الاهتمام اللازم، بل انشغلت بالفساد وإهمال حقوق الموظفين. وفي بيانهم، قال المحتجون: “نعلن بوضوح تام أننا لن نتردد في التصعيد وصولًا إلى العصيان المدني بالاتفاق مع اتحاد نقابات عمال الجنوب”.

المطالب الأساسية للنقابات

حددت النقابات العمالية والجامعية والتعليمية، إلى جانب الهيئة العسكرية ومجلس تنسيق المتقاعدين والمبعدين، مجموعة من المطالب الأساسية، يأتي في مقدمتها:

إعادة الراتب إلى البند الأول (الأجور والرواتب) وليس ضمن بند الهبات، مع ضمان انتظامها في نهاية كل شهر، مع صرف كل الرواتب المتأخرة فورًا.

إعادة هيكلة الأجور ليواكب التضخم الحاصل، وضمان الحفاظ على القيمة الشرائية للرواتب كما كانت قبل 2015.

معالجة تدهور العملة المحلية من خلال وضع حلول عاجلة وشاملة، واعتماد برنامج إصلاحي اقتصادي متكامل.

تحسين الخدمات العامة، لا سيما في مجالات الكهرباء والتعليم والصحة، لضمان مستوى معيشي لائق للمواطنين.

الوقفات الاحتجاجية: رسائل قوية للداخل والخارج

وقفة كبرى أمام مقر الأمم المتحدة في عدن

في 1 يناير 2025، نُظِّمت وقفة احتجاجية حاشدة أمام مقر الأمم المتحدة في عدن، بمشاركة نقابات العمال الجنوبيين والمعلمين والأكاديميين والعسكريين والموظفين. لقد كانت هذه الوقفة رسالة واضحة للمجتمع الدولي بشأن خطورة الوضع الاقتصادي، والمطالبة بتدخل عاجل لإنقاذ العاملين في القطاع العام من كارثة اقتصادية محققة.

وتلت هذه الوقفة وقفة احتجاجية كبرى في ساحة العروض في خور مكسر، في 14 يناير 2025م.

ومع كل وقفة احتجاجية، يزداد الضغط على الحكومة للاستجابة للمطالب، لكن حتى الآن، لم تظهر أي بوادر جدية للحل. وفي ظل هذه الظروف، بدأت الأصوات تتعالى للمطالبة بتوسيع نطاق الاحتجاجات، بل والتصعيد وصولًا إلى العصيان المدني الكامل في حال لم يتم تلبية المطالب خلال الفترة القادمة.

نقابة أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الجنوبية وبياناتها: تصعيد متواصل ومطالب مشروعة

في ظل هذا التصعيد، عقد مجلس نقابة أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الجنوبية اجتماعًا استثنائيًا في 23 يناير 2025، بحضور ممثلي جامعات عدن، لحج، أبين، وشبوة. وخلال الاجتماع، شددت النقابة على ضرورة التمسك بالتصعيد النقابي حتى تتحقق المطالب المشروعة.

وقرر المجلس الاستمرار في الإضراب المفتوح خلال الفصل الدراسي الثاني، مع السماح باستكمال امتحانات الفصل الأول في بعض الكليات التي لم تستكمل امتحاناتها، وذلك لضمان عدم ضياع العام الدراسي بالكامل على الطلاب.

وفي 2 فبراير 2025م نظمت نقابة أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الجنوبية وقفة احتجاجية في ساحة كلية الطب بجامعة عدن، وقد أكد البيان الصادر عن الوقفة الاستمرار في الإضراب والتصعيد كحق مشروع، معتبرًا أن التراجع غير وارد في ظل استمرار التهميش والظلم. كما أوضح أن هذا التصعيد “ليس مجرد خطوات احتجاجية رمزية، بل هو التزام أخلاقي وإنساني لانتزاع الحقوق” “ورفض لحالة الفقر المعنوي والمادي”. ووجه دعوة صريحة إلى جميع أعضاء هيئة التدريس للالتزام بالإضراب والوقفات الاحتجاجية حتى تتحقق المطالب المعلنة.

ظلم ذوي القربى: ظلم مركب وفساد إداري

ومع ما يعانيه أعضاء هيئة التدريس في الجامعات من انتهاك مستمر لحقوقهم على يد الجهات الحكومية، فإن جانبًا من هذه الحقوق قد أُهدِر أيضًا بفعل سوء الإدارة الجامعية: التعليمية والأكاديمية، وغياب الكفاءة والمسؤولية لدى بعض القائمين عليها. فقد أفرزت هذه الإدارات، التي تفتقر إلى الحد الأدنى من المسؤولية القانونية والأخلاقية، مظاهر متعددة من الظلم الإداري، بدءًا من سقوط العلاوات السنوية لعدد من أعضاء هيئة التدريس، وعدم الرفع بأسمائهم حتى بعد تقديم تظلمات رسمية، مرورًا باستمرار خصومات الابتعاث رغم مباشرة العضو المبتعث لمهامه الأكاديمية، وهو أمر كان من الممكن تصحيحه بمذكرة إدارية بسيطة. وكذلك حرمان شريحة واسعة من أعضاء هيئة التدريس من الأثر الرجعي المستحق لتسوياتهم المالية.

لقد باتت هذه الإدارات الجامعية تخضع بشكل غير مبرر لإملاءات مندوب الجامعة لدى الخدمة المدنية والمالية، متجاهلة مسؤولياتها الأساسية في الدفاع عن حقوق الأكاديميين ومتابعة قضاياهم، وكأن القرار الأعلى بيد هذا الموظف وليس بيد الجهات المخولة قانونًا. هذا التخاذل يُظهر هشاشة الإدارة وافتقارها إلى الكفاءة والشعور بالمسؤولية، إذ أصبح همّها الأول إرضاء المسؤول الأعلى، ولو كان ذلك على حساب زملائهم من أعضاء هيئة التدريس الذين يفترض أن تكون هي السند المدافع عنهم. إن هذا الوضع الإداري المختل لا يعبر سوى عن عجز مؤسسي صارخ، يسهم في إضعاف الجامعات ويرسخ الظلم داخلها.

محاولات كسر الإضراب وتفتيت المحتجين

أشار بيان نقابة أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الجنوبية إلى وجود جهات تحاول كسر الإضراب وتشتيت وحدة المحتجين، وتوظف هذه الجهات خطاب “الحرص على مصلحة الطلاب والتعليم” كذريعة لإضعاف الحركة الاحتجاجية. ويرى المحتجون أن هؤلاء الفاعلين، سواء كانوا من داخل الهيئات الأكاديمية أو من خارجها، يخدمون المسؤولين الفاسدين ويسهمون في استمرار التهميش والظلم الواقع على أعضاء هيئة التدريس. كما وجه البيان رسالة مباشرة إلى الأكاديميين المترددين أو المتخاذلين، محذرًا إياهم من أن انتظار الحقوق دون نضال لن يحقق شيئًا، وأن الوحدة والموقف الجماعي هما السبيل الوحيد لتحقيق المطالب.

من يتحمل المسؤولية؟!

تقع المسؤولية الأساسية على مجلس القيادة الرئاسي، الذي يواجه اتهامات بعدم الاكتراث بمعاناة الشعب، وعجزه عن تحمل مسؤولياته في ظل التدهور الاقتصادي والاجتماعي المستمر. كما أن الحكومة تبدو عاجزة عن إيجاد حلول ناجعة، بل إنها، كما يرى كثيرٌ من المراقبين، باتت جزءًا من المشكلة بدلًا من أن تكون أداة للإصلاح.

وفي السياق ذاته، تقع مسؤولية مباشرة على دول التحالف، التي تعرضت لانتقادات شديدة، بسبب موقفها من الأوضاع المتفاقمة، وكما جاء في بيان نقابي، “يصدمنا صمت دول التحالف” إزاء معاناة الشعب، واعتبر البيان هذا الصمت “تواطؤًا صريحًا مع الفشل”. لقد كان من الأجدر أن يخصص التحالف جزءًا من دعمه لتحسين رواتب المعلمين والأكاديميين والموظفين في القطاع المدني، إلى جانب تمويل مشاريع تنموية حقيقية، والإسهام في ضبط سعر الصرف، فضلًا عن مراقبة أداء الحكومة في إدارة الموارد والمساعدات والودائع المالية، لضمان توظيفها بفعالية تخدم مصلحة المواطنين.

المجتمع الدولي: صمت غير مبرر

وعلى الرغم من المناشدات المتكررة، فإن المجتمع الدولي لم يتحرك بشكل فعال للضغط على الحكومة والتحالف لإيجاد حلول مستدامة للأزمة الاقتصادية والتعليمية.

إلى أين تتجه الأمور؟

دخلت الأزمة مرحلة حرجة، فبينما يواصل المعلمون والأكاديميون تصعيدهم للمطالبة بحقوقهم المشروعة، لا تزال الحكومة عاجزة عن تقديم حلول جذرية. وإذا استمر هذا التجاهل، فقد يصبح سيناريو العصيان المدني الشامل واقعًا، مما سيؤدي إلى شلل كامل في المؤسسات الحكومية ويدفع البلاد نحو مزيد من الفوضى. في المقابل، قد تلجأ السلطات إلى محاولات لكسر الإضراب وتفتيت المحتجين، أو المراهنة على إرهاقهم ونفاد صبرهم.

يبقى السؤال الأهم: هل سيدرك المجلس الرئاسي والحكومة والتحالف والمجتمع الدولي خطورة الوضع ويتحركون لإنقاذ ما تبقى، أم أن استمرار التجاهل سيؤدي إلى انهيار لا يمكن إصلاحه؟ الأيام القادمة ستكشف الإجابة.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

جماعة أنصار الله يعلنون عن بشارة خير للشعب في جنوب وشمال اليمن

المرصد برس | 1114 قراءة 

عاجل:الحو ثيين يعلنون مغادرة قيادتهم صنعاء رسميا

كريتر سكاي | 804 قراءة 

عاجل :توجيهات عسكرية طارئة من رئيس مجلس القيادة الرئاسي لوزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان وكافة وحدات الجيش ومصادر تكشف عن تطورات كبيرة في الساعات القادمة

جهينة يمن | 748 قراءة 

لقاء يجمع أبرز قيادات الإنتقالي بالإمارات لهذا السبب

المرصد برس | 664 قراءة 

الكويت تُسقط جامعة صنعاء من قائمة الاعتماد الأكاديمي بسبب "التطييف والعسكرة"

حشد نت | 613 قراءة 

الحكومة اليمنية تشدد على ضرورة تسليم القيادات الحوثية المتواجدة في لبنان

حشد نت | 467 قراءة 

سيناريو لاسقاط النظام على غرار اسقاط نظام بشار الاسد

جهينة يمن | 460 قراءة 

وزير في الشرعيه يطلق صرخة مدوية ويدعو لامر هام سيحدث اليوم

المرصد برس | 459 قراءة 

ترامب يتخذ اول قرار عسكري ضد الحوثي

وطن الغد | 451 قراءة 

صنعاء تعلن صرف مرتبات موظفي إبتداء من هذا اليوم وعبر هذه الجهات

جهينة يمن | 446 قراءة