عدن توداي
كتب/محمد المسيحي
وسط الركام، بين الأطلال التي كانت يوماً صروحاً لمؤسسات تحفظ كرامة المواطن وتعزز وجود الدولة، يقف الجنوب على مفترق طرق، متأرجحاً بين أمل الإصلاح وكابوس الفساد المستشري. سنواتٌ من التآكل المنهجي، وعبث العابثين، تركت البلاد نهباً للفوضى، وفتحت الأبواب مشرعة أمام الذئاب التي لا تعرف سوى لغة النهب والدمار.
لقد كان الجنوب، ذات يوم، قلباً نابضاً بالإرادة، تتدفق في شرايينه مؤسسات تحفظ حقوق الناس، وتكفل العدالة، وتمنح المواطن شعوراً بالانتماء؛ لكن، شيئاً فشيئاً، تسللت أيادي الفساد إلى مفاصل الدولة، عبثت بالقوانين، واغتصبت مقدرات البلاد، حتى تحولت المؤسسات إلى هياكل خاوية، لا دور لها سوى خدمة مصالح فئة قليلة تتلذذ بنهب ما تبقى من خيرات الوطن.
إن الحديث عن الفساد في الجنوب ليس مجرد كلمات تُقال في المجالس، أو شعارات تُرفع في التظاهرات، بل هو واقع مرير يعيشه المواطن يومياً، بين مؤسسات متهالكة، وحقوق ضائعة، وخدمات تتلاشى تحت وطأة الفساد المالي والإداري.
في دهاليز المكاتب الرسمية، تُبرم الصفقات المشبوهة، وتُسرق الأموال المخصصة للبنية التحتية، وتتحول المشاريع التنموية إلى مجرد حبر على ورق، أما المواطن، ذلك البسيط الذي ينهكه البحث عن لقمة العيش، فلا نصيب له سوى الفتات، ووعود زائفة لا تسمن ولا تغني من جوع.
مقالات ذات صلة
السعداء الذين لايحسدهم أحد !
رسالة صريحة من الواقع المؤلم إلى مجلس القيادة الرئاسي
نحن اليوم أمام لحظة فارقة، لحظة لا تحتمل التسويف أو التراخي، فإما أن نواجه هذا الطوفان المتوحش من الفساد بكل ما أوتينا من قوة، وإما أن نترك الجنوب فريسة سهلة لمن لا ضمير لهم ؛ إن إعادة بناء المؤسسات على أسس سليمة وقوية لم تعد خياراً قابلاً للنقاش، بل هي ضرورة وجودية، ومسألة حياة أو موت.
الوقت يمضي، والتحديات تتزايد، والمستقبل لا ينتظر المترددين . فإما أن نقف جميعاً خلف البرامج الإصلاحية، نعيد بناء ما تهدم، ونستعيد هيبة الدولة، أو نترك الساحة مشرعة أمام من لا همّ لهم سوى مصالحهم الشخصية، ممن يبيعون الوطن بثمن بخس، ولا يأبهون بما يخلفونه من دمار.
إن معركة استعادة مؤسسات الدولة من براثن الفساد ليست نزهة، لكنها معركة لا بد منها، معركة تحتاج إلى تكاتف الجميع، إلى وعي شعبي، وإرادة سياسية، وجهود صادقة لا تعرف المساومة. فالجنوب لا يحتمل مزيداً من الضياع، والأمل ما زال قائماً، لكنه يتطلب شجاعة، وتضحية، وإيماناً بأن الوطن يستحق الأفضل.
اليوم، نقف جميعاً أمام امتحان التاريخ.. فإما أن نكون صناع التغيير، أو نظل أسرى لواقع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، فهل آن أوان الخلاص؟ أم أننا سنظل نراوح مكاننا، حتى نجد أنفسنا غرباء في وطن كان يوماً لنا؟
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news