مشاهدات
أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، يوم 13 فبراير/ شباط الجاري، إحياء مشروع "الممر الهندي الأوروبي" IMEC، الذي يربط جنوب آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، مما أثار المخاوف مجددًا حول أهدافه وأضراره الاقتصادية على قناة السويس، وعلاقته بتهجير أهالي غزة. وسيمتد الممر المقترح عبر بحر العرب من الهند إلى الإمارات، ثم يعبر السعودية والأردن وإسرائيل، قبل أن يصل إلى أوروبا، ومنها إلى أميركا. وسيشمل المشروع أيضًا كابلًا بحريًا جديدًا وبنية تحتية لنقل الطاقة، وفقًا لما ذكرته "فينانشال تايمز".
ويهدف المشروع إلى إعادة تشكيل التجارة العالمية من خلال استثمارات واسعة النطاق في الموانئ والسكك الحديدية والكابلات البحرية، وجعل التجارة أرخص وأسرع وأكبر بكثير، عبر شبكة من الممرات الحديدية والبحرية والبنية التحتية، مما قد يؤثر على قناة السويس المصرية وينافسها، وفق تقارير غربية. ويرى خبراء الاقتصاد أن المشروع، إلى جانب إضراره بقناة السويس، يهدف من ورائه ترامب أيضًا إلى تهجير سكان غزة، لأن هذا الطريق سيمر بميناء غزة، لذا يرجحون أن يكون هدف ترامب من امتلاك غزة والسيطرة عليها والدعوة لمشروع التهجير ذا أبعاد اقتصادية.
وتوضح دراسة نشرها موقع "أتلانتيك كاونسل" الأسبوع الماضي أن الدول التي تشعر بالقلق من الخسائر المحتملة جراء المشروع، مثل مصر، وأولئك الذين لديهم خطط بنية تحتية تجارية متنافسة، ولكنها أطول، وبالتالي أقل كفاءة (مثل العراق وتركيا وإيران وروسيا)، يتساءلون حول الحكمة من إنشاء تبعيات اقتصادية مع إسرائيل على حساب قناة السويس المصرية، محذرين من ثغرات أمنية محتملة لهذا الطريق الهندي الإسرائيلي الغربي. ويُتوقع أن يجعل خط السكك الحديدية التجارة بين الهند وأوروبا أسرع بنسبة 40%، حسبما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين.
لكن دراسة "أتلانتيك كاونسل" أشارت إلى أنه رغم أن حروب إسرائيل مع حماس وحزب الله جعلت الحكومات العربية مترددة في المشاركة بهذا المشروع، الذي من شأنه تحسين العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل، إلا أن الإمارات استمرت في تجهيز البنية التحتية له، كما جعلت الحكومة الهندية هذا المشروع أولوية قصوى.
هل يستثمر ترامب في المشروع؟
وأكدت الهند أنه إذا أنفق ترامب عشرات المليارات من الدولارات على هذا المشروع لتحسين أو بناء الموانئ والطرق والقطارات وخطوط الأنابيب وكابلات الألياف الضوئية، مما من شأنه توسيع وتكامل اقتصادات إسرائيل والأردن والسعودية والإمارات، فإن هذا الطريق البري قد يقلل عدد السفن التي تمر عبر مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن، وقناة السويس.
ويرى "المجلس الأطلسي" أن ترامب والغرب وإسرائيل يريدون تدشين هذا الطريق أيضًا لتجنب هجمات الحوثيين على سفن الشحن، ولمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية، وتقليص نفوذ طهران الإقليمي، وتعزيز اتفاقيات إبراهيم اقتصاديًا. وأشادت وكالة الأنباء اليهودية، في 14 فبراير 2025، بمزايا المشروع الاقتصادية لإسرائيل، مؤكدة أنه سيربط إسرائيل بدول الخليج، ويجعل التطبيع فعليًا، كما سيربطها بالهند وإيطاليا عبر الموانئ والسكك الحديدية والكابلات البحرية التي سيتم تشييدها. وتشير صحيفة "ديلي إكسبريس" البريطانية إلى أن الممر الاقتصادي الذي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، والذي سيتجاوز دور قناة السويس، تبلغ تكلفته 12.7 مليار جنيه إسترليني (حوالي 16 مليار دولار).
كيف تتضرر قناة السويس؟
سيصبح مشروع الممر الهندي الأوروبي، عبر ثلاث دول عربية وإسرائيل، منافسًا أو بديلاً لقناة السويس، لأن هدفه توفير الوقت وخفض تكاليف الشحن وضمان أمن السلع. وتؤكد صحيفة "ديلي إكسبرس" البريطانية أن الهدف الأساسي للمشروع هو إنشاء طريق تجاري مباشر وفعال "من شأنه أن يقلل الاعتماد على قناة السويس"، التي تعد إحدى أهم نقاط الاختناق البحرية في العالم، ولكنها الأكثر ازدحامًا.
وسيشتمل مشروع السكك الحديدية الهندية على مسارين رئيسيين: ممر شرقي يربط الهند بالخليج العربي، وممر شمالي يربط الخليج بأوروبا عبر السكك الحديدية والبحر. وسوف تتيح شبكة السكك الحديدية والبحرية هذه نقل البضائع بشكل أسرع، مع خفض تكاليف الشحن، من خلال تقديم بديل أقصر وأكثر كفاءة من الطرق البحرية التقليدية.
وتسهل قناة السويس حاليًا مرور نحو 12% من التجارة العالمية، لكن الطلب المتزايد على خيارات شحن أسرع وأكثر موثوقية أثار الاهتمام بالطرق البديلة، كما تنقل القناة ما بين 7 و10% من النفط العالمي، و8% من الغاز الطبيعي المُسال. ويهدف مشروع IMEC إلى معالجة هذه المشكلة من خلال خفض أوقات العبور بين الهند وأوروبا بشكل كبير، مما يؤدي أيضًا إلى خفض التكاليف بالنسبة للمستهلكين العالميين وتوفير حافز جديد للتنمية الاقتصادية في المناطق المشاركة.
ويلفت المستشار الأسبق في وزارة النقل لشؤون القطاع البحري المصرية، أحمد سلطان، إلى نقطة تميُّز أخرى لقناة السويس، وهي أن حمولة السفينة تصل إلى 15 ألف حاوية، بينما أقصى قدرة شدّ للقطار حوالي 150 حاوية فقط. لكن ذلك لا ينفي الميزة الوحيدة لمشروع IMEC في توفير وقت نقل البضائع بين الهند وأوروبا، بنحو 6 إلى 8 أيام، مقارنة بقناة السويس، وفقًا لتقديرات غربية. وحين سُئل وزير النقل المصري كامل الوزير، في اتصال هاتفي مع قناة "صدى البلد" في 20 سبتمبر/أيلول 2023: "هل يشكل الممر التجاري المقترح بين الهند والشرق الأوسط تهديدًا لقناة السويس؟"، أججاب: "لا بديل في العالم عن قناة السويس"، واكتفى بتمني أن تراعي دول الخليج، التي تنقل سلعها عبر القناة، العلاقات الأخوية مع مصر.
ورغم تأكيد المسؤولين المصريين أنه لا يوجد منافس لقناة السويس على مستوى العالم، كونها الأقصر مسافة والأكثر أمانًا، بحسب رئيس هيئة قناة السويس، أسامة ربيع، فإنه لم يُخفِ قلقه من بعض تلك المشروعات في عدة مناسبات. وللتغلب على ذلك، شرعت مصر في مشروع ازدواج قناة السويس. ويوم 12 فبراير الجاري، بدأت هيئة قناة السويس التشغيل الفعلي لمشروع ازدواج القناة بطول 10 كيلومترات في القطاع الجنوبي، أمام حركة التجارة العالمية، بعد أن انتهت منه بتكلفة بلغت 9 مليارات جنيه، بحسب تصريحات رئيس الهيئة، الذي أكد أن مشروع الازدواج سيحسن حركة الملاحة بالقناة بنسبة 28%.
تحديات المشروع
وتؤكد دراسة لمركز "تشاتام هاوس" الأميركي أنه رغم التقديرات التي تشير إلى أن البضائع قد تصل إلى أوروبا من مومباي باستخدام الطريق الجديد أسرع بنسبة 40% من طريق قناة السويس، وبتكلفة مخفضة بنسبة 30%، إلا أن جدوى المشروع لا تتناسب مع الضجيج السياسي المحيط به، ويبدو الأمر مبالغًا فيه، نظرًا لتكاليف التحميل والتفريغ، والوقت المستغرق في كل ميناء على طول الطريق، فضلًا عن رسوم العبور المستقبلية.
ما علاقة غزة؟
وتقول سمية عسلة، وهي إعلامية وأكاديمية، إن ترامب يريد غزة من أجل الطريق التجاري الجديد، وتشير إلى أن ميناء غزة سيحصل على 30% من عائدات الطريق الجديد. وتشير تقارير غربية إلى أن المشروع سيؤثر على غزة، إذ تشير الخطط إلى أنه سيمر من شمالها، مما يفسر محاولات إسرائيل لتهجير السكان بالقوة خلال عدوانها على القطاع في إطار تنفيذ "خطة الجنرالات"، ثم طرح ترامب فكرة التهجير لدول عربية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news