انتفاضة 11 فبراير وخطورة قراءتها بمضامين ومخرجات ثورية!

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 41 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
انتفاضة 11 فبراير وخطورة قراءتها بمضامين ومخرجات ثورية!

نعلم جيدًا أن أغلب الثورات على الاستبداد في العصور الحديثة والمعاصرة لم تُنجز أهدافها ومشروعها السياسي بمجرد الإطاحة بالحاكم المستبد، كون هذا الأخير هو أول الأهداف في مصفوفة كبيرة، وأيضًا أسهلها تحققًا أحيانًا.

حيث إن تلك الثورات أو الانتفاضات الشعبية، بحسب طبيعة المهام القادمة والإرث المتراكم، قد تدخل في أطوار جديدة من التعثرات والالتفاف على خطواتها، لدرجة الصراع بين أجنداتها وأدواتها، واستحواذ تيار معين على الحكم وإقصاء بقية شركاء الفعل الثوري.

هذا طبيعي أن يحصل، لكن الفضاء التفاعلي الجديد والاشتراطات المنهجية التي تحكم أدبياته سرعان ما تستوعب الانحرافات المبكرة، وتعيد التفاعلات إلى سياقها الصحيح. وهكذا قد تشهد السنوات التالية للثورات والانتفاضات الشعبية ميلاد مشروع سياسي غير متكامل يحمل في تفاعلاته بين حقبة وأخرى ممارسات سياسية استبدادية، وانحرافات وإخفاقات عديدة، وإقصاءات غير مبررة قد تطول لعقد من الزمن أو عقدين، وربما ثلاثة، حتى تتمخض مجمل التفاعلات في النهاية عن الوصول إلى مشروع سياسي نهضوي شامل متكامل.

والأهم والأخطر في ذلك كله لا يكمن في انحراف الممارسات السياسية التالية والاستحواذ الإقصائي على الحكم من قِبَل فصيل دون آخر، طالما أن الأسس الموضوعية والمنهجيات النظرية لأهداف ومشروع وفكرة الثورة هي التي تصوغ أدبيات الدولة كفكر ونظرية، وتصيغ وعي الشعب ووطنيتهم وهويتهم، وينطلق منها فضاء خطاب الحاكم السياسي رغم انحرافات مسلكه.

وقد عرفنا ما تلا الثورة الفرنسية من اختلالات واستبداد ومديات زمنية طالت لعقود، ولم تُنجز مشروعها السياسي والحضاري دفعة واحدة، بل شهدت، وهي أعظم ثورة شعبية في مطلع العصر الحديث، أفعالًا مضادة، ومن ثم جمهورية أولى وجمهورية ثانية ومقاصل واستبدادات وغير ذلك بين رفاق الفعل الثوري. لكن كل تلك الإشكالات والتفاعلات المتمخضة عنها كانت تحصل في السلوك والممارسة السياسية فقط، دون أن تمتد إلى تغيير أو تحريف أو هدم لثوابت وقيم ومعطيات فكرة الثورة فيما يتعلق بطبيعة الدولة وشكل نظامها السياسي ومقاصد أهدافها وهوية وعيها وأيديولوجيتها.

وبالتالي، ظلت الحقب الزمنية اللاحقة للثورة، التي شهدت تلك الانحرافات، متصلة عضويًا ومحسوبة سياسيًا وتاريخيًا على الثورة كنتيجة أولية من نتائجها، حتى اكتمل التراكم وانضبطت المسارات وتكامل المشروع السياسي والحضاري المنبثق عن فكرة الثورة وأهدافها.

وهذا أيضًا ما شهدناه في السنوات اللاحقة لثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، في الصراعات السياسية التي لم تقف عند مستوى الاستبداد، بل وصلت إلى حد الاحتراب. لكن تلك الفترات، وفي ذروة استبدادها السياسي إبّان الحقبة الناصرية في الشمال والاشتراكية في الجنوب، عملت النخب الحاكمة، رغم أدائها السياسي الاستبدادي، على تجذير فكرة الدولة والجمهورية والهوية الوطنية والقومية، وتمت هيكلة النظام السياسي في بنية الدولة وفق منهجيات واشتراطات وقيم الثورة والجمهورية والاستقلال. فالرئيس الحمدي، مثلًا، انحرف في أدائه السياسي عن تجسيد هدف إنجاز نظام ديمقراطي تعددي حسب أهداف الثورة، لكنه لم ينحرف أو ينقلب على فكرة وروح الثورة والنظام الجمهوري. فالانحراف السياسي قد يكون عيبًا مسلكيًا، لا انقلابًا على مضامين ومنهجيات وموضوعات الفكرة الكلية. لذلك، ظلت المراحل السياسية اللاحقة لثورة سبتمبر متصلة بها ومحسوبة عليها تجربة ونتاجًا، نجاحًا وإخفاقًا. وكذلك الحال في جنوب الوطن حتى إعلان الوحدة.

أما انتفاضة 11 فبراير، فهي وإن كانت ضد استبداد سياسي وأطاحت بالحاكم ومنظومته الاستبدادية، إلا أنها فيما تلاها من تفاعلات واضطرابات وانحرافات تختلف موضوعيًا وكليًا عما سبق وأشرنا إليه. حيث إنه، وبعد أقل من خمس سنوات عليها، طرأت مدخلات سياسية وأيديولوجية وانحرافات وممارسات جديدة في المشهد السياسي لا يمكن اعتبارها انحرافًا مسلكيًا ضمن فكرة الثورة، إنما كانت مشروعًا جديدًا مناهضًا لفكرة ومضامين ومنهجيات وأدبيات ليس انتفاضة 11 فبراير وحسب، وإنما كل التراكمات والمكتسبات السياسية لخمسين عامًا من الثورات والعمل السياسي. حيث استهدف ذلك المشروع اللاحق لـ 11 فبراير تفكيك الأرضية السياسية والبنيوية للدولة والنظام والمجتمع، وإعادة صياغة الوعي والهوية الفردية والجمعية للدولة والمجتمع.

أي أن ما تلا 11 فبراير من ممارسات سياسية وانحرافات وحروب وأحداث، خاصة في الجغرافيا الشمالية، كانت بمثابة ثورة مضادة جديدة في الفكرة والمنهج والأسس والمرتكزات، ليس لانتفاضة 11 فبراير وأهدافها فحسب، وإنما لكل ما سبقها من ثورات ومنجزات سياسية ووطنية.

وبالتالي، ولما كانت الأحداث والتغيرات السياسية التي تلت 11 فبراير جاءت بالضد من أهدافها، وناسفة وملغية لفكرة الجمهورية وطبيعة النظام السياسي بمحدداته وأطره المنهجية الديمقراطية التعددية، ومستهدفة للقيم والأنساق المشكلة للهوية الوطنية، وتسعى أطراف هذه الحقبة إلى فرض أيديولوجيا سياسية دينية لاهوتية ثيوقراطية سلالية في الشمال، وانقسامية تشطيرية مناطقية مضطربة غوغائية في الجنوب، وعلى الضد من حركة التطور والصيرورة التاريخية، فإن مقتضيات الحال، وفق الاشتراطات التاريخية والمنطقيات الوطنية، تحتم علينا تجريد انتفاضة 11 فبراير من أي مضامين ثورية، وعدم اعتبارها فعلًا شعبيًا (ثوريًا) تغييريًا فاصلًا بين حقبة استبدادية وأخرى تلتها ثورية.

واقتصار التعاطي مع ذلك الحدث باعتباره صراعًا سياسيًا بين أجندات ومطامع ومصالح سياسية محلية كانت قائمة أو كامنة، استجابت نوازعها لمعطيات ومدخلات دولية وإقليمية غير محكومة بالمعطيات الوطنية، وأخذ ذلك الصراع في بعض أدواته شكلًا شعبويًا فقط في فترة زمنية ضيقة، حتى استحال إلى حرب متناقضات، ليس على السلطة، وإنما على إعادة تشكيل الدولة والسياسة والمجتمع والهوية، ضدًا عن إرادة اليمنيين.

وبالتالي، فإن اعتبار التفاعلات الصراعية والتهديمية مجرد ظواهر ونتائج لصراع سياسي، لا أحداثًا لاحقة لفعل ثوري متصل به وناتج عنه، يستوجب أولًا حتمية تجريد انتفاضة 11 فبراير من أي مضمون ثوري، واعتبارها حدثًا دشّن صراعات سياسية بأدوات مختلفة، يعبر عنها المشهد الراهن.

وهذا المنظور لا يعني النيل من الحدث أو مناهضة فكرته وأهدافه، وإنما إعادة تناوله وقراءته في السياق التاريخي والنسق السياسي المتفق وطبيعة مخرجاته.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

جماعة أنصار الله يعلنون عن بشارة خير للشعب في جنوب وشمال اليمن

المرصد برس | 1153 قراءة 

عاجل :توجيهات عسكرية طارئة من رئيس مجلس القيادة الرئاسي لوزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان وكافة وحدات الجيش ومصادر تكشف عن تطورات كبيرة في الساعات القادمة

جهينة يمن | 897 قراءة 

عاجل:الحو ثيين يعلنون مغادرة قيادتهم صنعاء رسميا

كريتر سكاي | 823 قراءة 

لقاء يجمع أبرز قيادات الإنتقالي بالإمارات لهذا السبب

المرصد برس | 686 قراءة 

الكويت تُسقط جامعة صنعاء من قائمة الاعتماد الأكاديمي بسبب "التطييف والعسكرة"

حشد نت | 618 قراءة 

وزير في الشرعيه يطلق صرخة مدوية ويدعو لامر هام سيحدث اليوم

المرصد برس | 490 قراءة 

سيناريو لاسقاط النظام على غرار اسقاط نظام بشار الاسد

جهينة يمن | 487 قراءة 

ترامب يتخذ اول قرار عسكري ضد الحوثي

وطن الغد | 476 قراءة 

الحكومة اليمنية تشدد على ضرورة تسليم القيادات الحوثية المتواجدة في لبنان

حشد نت | 474 قراءة 

صنعاء تعلن صرف مرتبات موظفي إبتداء من هذا اليوم وعبر هذه الجهات

جهينة يمن | 456 قراءة