مشاهدات
بعدما قلص الرئيس الأميركي دونالد ترمب عمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عندما أمر بتجميد الإنفاق لمدة 90 يوماً في 24 يناير (كانون الثاني) الماضي، أعلن في 3 فبراير (شباط) إغلاق مكاتبها في واشنطن وتسريح العاملين فيها، داخل البلاد وخارجها. وتعد الوكالة المؤسسة الحكومية الأميركية الرئيسية المسؤولة عن إدارة المساعدات الخارجية المدنية ومساعدات التنمية. وتعمل في أكثر من 100 دولة، وتوزع مليارات الدولارات من المساعدات الخارجية سنوياً، وتوظف نحو 10 آلاف شخص حول العالم.
ترمب يصدم الأوكرانيين
وتسبب خبر إغلاق الوكالة بإحداث صدمة لدى العديد من الأوكرانيين، وأدى إلى تعليق العديد من المشاريع التي اعتبرها الكثيرون ذات أهمية بالغة لأوكرانيا، بحسب صحيفة «كييف بوست». ويقول بعض الأوكرانيين إنهم كانوا يعتقدون في البداية أن ترمب سيوقف الحرب في غضون 24 ساعة من توليه منصبه، كما وعد خلال حملته الانتخابية. لكنه بدلاً من ذلك، أوقف عنا المساعدات الخارجية في الساعة الأولى من دخوله البيت الأبيض، بحسب وكالة «أسوشييتد برس».
وبالفعل، يعاني العديد من القطاعات من تجميد المساعدات في جميع أنحاء أوكرانيا، مما يفرض ضغوطاً إضافية على مواردها المالية في زمن الحرب. وقد تأثرت مشاريع الطاقة وبرامج دعم المحاربين القدامى وخطوط المساعدة النفسية والأمن السيبراني والرعاية الصحية ووسائل الإعلام المستقلة ومشاريع البنية التحتية الحدودية.
وأطلقت منظمة الصحة العالمية، التي انسحب منها ترمب أيضاً، نداءً طارئاً قبل أيام، لجمع 110 ملايين دولار لاستجابتها الإنسانية في أوكرانيا. وقالت في بيان إن ما يقرب من 13 مليون شخص «في حاجة ماسة» للمساعدة، بعدما وصلت الأزمة الإنسانية في أوكرانيا إلى مستوى لا يمكن إنكاره من الشدة.
فما الذي ستخسره أوكرانيا من قطع المساعدات؟
يقول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن حكومته تتوقع خفض 300 - 400 مليون دولار من المساعدات، كان معظمها مخصصاً لقطاع الطاقة الذي استهدفته روسيا. وأضاف أن أوكرانيا تأمل في تعويض النقص من مصادر المساعدات الأوروبية أو الداخلية. ورغم تأكيده أن المساعدات العسكرية الأميركية لم يتم تجميدها، لكنه أوضح أن بلاده لم تتلق سوى نحو 42 في المائة من الأموال التي وافق عليها الكونغرس.
ووفقاً لأمانة مجلس الوزراء الأوكراني وموقع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بدءاً من 31 ديسمبر (كانون الأول) 2024، كان هناك 39 برنامجاً للوكالة نشطاً في أوكرانيا، بميزانية إجمالية قدرها 4.28 مليار دولار أميركي، أي ما يقرب من 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا، وهو مبلغ كبير. ومنذ بدء الغزو الروسي الشامل، خصصت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، 2.6 مليار دولار للمساعدات الإنسانية، و5 مليارات دولار للتنمية، و30 مليار دولار لدعم ميزانية البلاد بشكل مباشر.
خسارة استراتيجية أمام بوتين
وفيما كانت الخلافات في واشنطن غالباً ما تدور حول المساعدات العسكرية لأوكرانيا، ولكن طوال الحرب وقبلها، وحتى خلال ولاية ترمب الأولى، كانت المساعدات في مجال الطاقة من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، تشكل الأساس للاستراتيجية الأميركية هناك، تماماً كما كان تدمير أنظمة الطاقة يشكل الأساس لاستراتيجية بوتين. ويؤكد كبار الديمقراطيين في الكونغرس أن تجميد إدارة ترمب تمويل المساعدات الخارجية يشكل تهديداً عاجلاً لأمن الطاقة في أوكرانيا، وسيضر بالجهود الرامية إلى التوصل لاتفاق سلام مع روسيا.
وقالت السيناتورة جين شاهين، أكبر ديمقراطية في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ: «إن وقف إدارة ترمب للمساعدة في إصلاح شبكة الطاقة في أوكرانيا قاسٍ وخاطئ». وأضافت: «إن وقف هذه الإصلاحات لن يساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جهوده لإلحاق الضرر بأوكرانيا فحسب، بل سيعطيه أيضاً ميزة على طاولة المفاوضات. لدى الرئيس ترمب الوقت لإعادة النظر في هذه الخطوة، ما لم يكن هدفه بالطبع مساعدة روسيا». في المقابل، يرفض الجمهوريون التعليق على وقف المساعدات لأوكرانيا، على الرغم من أن العديد من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب ما زالوا يدعمون مواصلة تقديم المساعدات لأوكرانيا.
برلين تنتقد مجدداً سياسة ترمب الخارجية
انتقد المستشار الألماني أولاف شولتس مجدداً السياسة الخارجية الحالية للرئيس الأميركي دونالد ترمب. وفي مقابلة مع صحف شبكة «دويتشلاند» الألمانية الإعلامية، أبدى شولتس استياءه من تصريحات ترمب، الذي طالب بحق الوصول إلى المواد الخام القيمة في أوكرانيا مقابل المساعدات الأميركية واسعة النطاق للبلاد.
وقال شولتس في إشارة إلى دعم أوكرانيا التي تعرضت للهجوم من روسيا: «أوكرانيا تتعرض للهجوم ونحن ندعمها دون أن يُدفع لنا. يجب أن يكون هذا موقف الجميع». وقال شولتس إنه سيواصل بذل كل ما في وسعه للحفاظ على علاقات جيدة مع واشنطن، مؤكداً أن الولايات المتحدة هي الحليف الأكثر أهمية لألمانيا.
قطاع الطاقة الأكثر تضرراً
ومنذ بدأت موسكو في تدمير نظام الطاقة في أوكرانيا بشكل منهجي بالصواريخ والطائرات دون طيار في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، لعبت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية دوراً حاسماً في دعم كييف لإعادة بناء شبكتها.
ويوضح أحد مهندسي إصلاح اللامركزية في أوكرانيا، المستشار الرئاسي السابق أناتولي تكاتشوك، أن مساعدات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية كانت منظمة بشكل جيد، حيث أعطت الأولوية لكل من الدعم العام والتنمية والزراعة والطاقة، والإصلاحات. وخصصت الوكالة 850 مليون دولار للإصلاحات، ومحطات توليد، وهو ما يكاد يطابق المليار دولار التي جمعها صندوق دعم الطاقة الأوكراني في أوروبا، وهو مبلغ أكبر مما تستطيع أوكرانيا التي مزقتها الحرب أن تخصصه. وقال تكاتشوك: «عندما هاجم الروس صوامع الحبوب لدينا عام 2022، تم إصلاح معظمها بفضل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. كما مولت الوكالة الدعم للمزارعين، بما في ذلك البذور والآلات وقطع الغيار».
تجميد الاستثمارات الأميركية
على المدى الأبعد، يعتقد الخبراء أن وقف برامج الوكالة الأميركية في أوكرانيا سيؤدي إلى إعاقة التقدم أيضاً نحو فتح سوق الطاقة في أوكرانيا للمستثمرين الأميركيين والأوروبيين، وهو الهدف الذي بدا ترمب مهتماً بمتابعته عندما قال إنه مستعد لمواصلة تقديم المساعدات العسكرية مقابل الاستثمار في الثروة المعدنية الغنية في البلاد. ويفكر العديد من الشركات الأميركية العاملة في الغاز والشبكات والطاقة المتجددة وتخزين الطاقة والطاقة النووية في مشاريع بأوكرانيا، لكنها باتت مترددة، مع تجميد مساعدات بقيمة 825 مليون دولار، وقعتها إدارة بايدن مع كييف في ديسمبر الماضي مع مسؤولية الوكالة الأميركية عن الكثير من العمل. كما يشكل التجميد عقبة أمام مصدري الغاز الطبيعي المسال الأميركيين، الذين قاموا بتسليم أول شحنة إلى أوكرانيا الشهر الماضي.
وقال وزير الخارجية الأوكراني أندري سيبيا، في مؤتمر صحافي، الأربعاء، إن بلاده حريصة على شراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال الأميركي. وسيكون من الصعب القيام بذلك إذا كانت محطات الطاقة وخطوط الأنابيب ومرافق التخزين التي تستقبله في حالة خراب، كما هو الحال مع العديد منها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news