في وداع حارس البهجة الأبدية

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 35 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
في وداع حارس البهجة الأبدية

عندما رأيت الشاعر والأديب عبد الإله القدسي – الذي غادرنا قبل أيام – كان اللقاء في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وكان الرجل كعادته يحمل ذلك الوجه الذي يضحك ويسخر من كل شيء، وفي جوفه غضب من سخريات القدر ومن تفاهات البشر، وأمراض السلطويين ونفاق المدسوسين والمتسلقين الأغبياء.

كان شاباً في ملامحه من غزته شيخوخة القهر المفاجئ في غير أوان ومن دون استئذان. فاحتفظ بمرح يخالطه التمعن والتدبر، والصبر على واقع الحال من باب “مكره أخاك لا بطل”.

التهامي النبيل الذي تلخص حياته سيرة بلد نصبوا له مشنقة الماضي التي لم تسمح له بالتقدم خطوة واحدة صوب المستقبل. ولك أن تتخيل العائد من دراسة الصحافة في الاتحاد السوفيتي إلى وحل الواقع في وطن القبائل والجنرالات وحمران العيون الذين يشترون القصائد وينسبونها لأنفسهم، ويتربعون على كراسٍ ومواقع لا يستحقونها.

كان عبد الإله منا نحن الشباب الذين بدأت تجاربنا تزهر في التسعينيات، ولكنه كان أيضاً أستاذنا ومعلمنا الذي يتواضع محبة وزهداً وصدقاً وهو في بحثه الدؤوب عن النقاء الإنساني. لذلك صادق القدسي كل الأجيال، من جيل البردوني والمقالح والشحاري وعبد الباري وعبد الرحمن الأهدل إلى جيل ريان الشيباني وإياد دماج ومن تلاهم.

عبد الإله القدسي صورة حية لأديب كان يبحث عن مدينة ومدنية مفقودة، وعن وطن مرسوم في المخيلة لكنه لم يتحقق في الواقع، بل ظل حتى الآن يخبرنا أنه وطن الشعارات والأيديولوجيا والعسكر والحروب والانقلابات والقبائل والمتاريس والأخطاء الطباعية والنحوية والإملائية التي ظل عبد الإله يصلح من حالها ويعدلها ويصوبها طوال عمره.

لم يتصوف أو يهرب إلى الروحانيات وكان مؤهلاً لذلك، من حيث وعيه الشفاف باللغة وقراءته الواسعة في التراث، وأشير إلى هذه النقطة تحديداً لأن البعض يفرون إلى التصوف ويغرقون فيه، ولا أدري كيف أشرح أن عبد الإله ظل بتمرده يمنحني (عن بُعد) طاقة هائلة للتمرد ورفض الخرافات وعدم الانجرار إلى ذلك اليقين المغلف بمغالطة النفس.

لا أستطيع الكتابة عنه بدبلوماسية لأنه لم يكن دبلوماسياً، وعندما يحاول أن يكون سرعان ما ينفجر ضاحكاً من نفسه ومن كل ما حوله، وفي كثير من المواقف الجادة كانت نظراته تخبرك أنه جاهز للضحك والتعبير عن السأم وكشف الزيف الذي يصنعه الجميع.

ولأن الجيل الأدبي الأحدث في الظهور يبدأ مسيرته وهو في حالة لا بأس بها من التعافي النفسي ومن الجاهزية للسخرية من كل شيء، كان عبد الإله ينقل تموضعه باستمرار من الجيل السابق إلى الجيل الأحدث، بحثاً عن التعايش مع الوعي الطازج والمتمرد والنقي. فما إن يخرب جيل ويستسلم أفراده للشكليات والحسابات السخيفة حتى يتركه القدسي إلى الجيل الأحدث، وهكذا ظل شاباً طوال حياته ونقياً من أمراض الكبار الذين يتضاءلون في عينيه ويستحقون سهام حكاياته وطرائفه ومروياته التي لا ترحم، ولم لا وهو جليس البردوني الساخر الأعظم.

وداعاً يا صديقنا الشاب يا حارس البهجة الأبدية.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

رئيس مجلس القيادة الرئاسي يصدر قرار استئناف الحرب (تفاصيل)

المرصد برس | 1284 قراءة 

عاجل : بعد ساعات من عودة عيدروس الزبيدي...انخفاض كبير باسعار صرف العملات الاجنبية مقابل الريال اليمني

اليمن السعيد | 1206 قراءة 

عاجل: بعد أن أفرجت حماس عنهم أمس... وزير إسرائيلي يفاجئ الجميع ويطالب بإعادة المحتجزين الإسرائيليين إلى حماس 'لن تصدق السبب"

جهينة يمن | 1038 قراءة 

الكشف عن صدور قرارت جمهورية خلال الساعات القادمة

اليمن السعيد | 982 قراءة 

عاجل : بشرى سارة بشأن الرواتب يزفها العميد صالح

جهينة يمن | 839 قراءة 

عاجل : بعد ساعات من وصولة لعدن ...عيدروس الزبيدي يفاجئ الجميع ويجتمع بقيادات المجلس الانتقالي ومصادر تكشف السبب

جهينة يمن | 734 قراءة 

عاجل:اول تحرك لعيدروس الزبيدي منذ وصوله عدن

كريتر سكاي | 699 قراءة 

عاجل::تحسن مفاجئ باسعار صرف العملات قبل قليل

كريتر سكاي | 665 قراءة 

عاجل : تحذير لكل اليمنيين ...الكشف عن عصير مسرطن منتشر في الاسواق "بيان"

جهينة يمن | 575 قراءة 

أبناء المخا يكرّمون طارق صالح في لقاء مجتمعي ويجددون العهد بالوفاء

حشد نت | 479 قراءة