في وداع حارس البهجة الأبدية

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 95 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
في وداع حارس البهجة الأبدية

عندما رأيت الشاعر والأديب عبد الإله القدسي – الذي غادرنا قبل أيام – كان اللقاء في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وكان الرجل كعادته يحمل ذلك الوجه الذي يضحك ويسخر من كل شيء، وفي جوفه غضب من سخريات القدر ومن تفاهات البشر، وأمراض السلطويين ونفاق المدسوسين والمتسلقين الأغبياء.

كان شاباً في ملامحه من غزته شيخوخة القهر المفاجئ في غير أوان ومن دون استئذان. فاحتفظ بمرح يخالطه التمعن والتدبر، والصبر على واقع الحال من باب “مكره أخاك لا بطل”.

التهامي النبيل الذي تلخص حياته سيرة بلد نصبوا له مشنقة الماضي التي لم تسمح له بالتقدم خطوة واحدة صوب المستقبل. ولك أن تتخيل العائد من دراسة الصحافة في الاتحاد السوفيتي إلى وحل الواقع في وطن القبائل والجنرالات وحمران العيون الذين يشترون القصائد وينسبونها لأنفسهم، ويتربعون على كراسٍ ومواقع لا يستحقونها.

كان عبد الإله منا نحن الشباب الذين بدأت تجاربنا تزهر في التسعينيات، ولكنه كان أيضاً أستاذنا ومعلمنا الذي يتواضع محبة وزهداً وصدقاً وهو في بحثه الدؤوب عن النقاء الإنساني. لذلك صادق القدسي كل الأجيال، من جيل البردوني والمقالح والشحاري وعبد الباري وعبد الرحمن الأهدل إلى جيل ريان الشيباني وإياد دماج ومن تلاهم.

عبد الإله القدسي صورة حية لأديب كان يبحث عن مدينة ومدنية مفقودة، وعن وطن مرسوم في المخيلة لكنه لم يتحقق في الواقع، بل ظل حتى الآن يخبرنا أنه وطن الشعارات والأيديولوجيا والعسكر والحروب والانقلابات والقبائل والمتاريس والأخطاء الطباعية والنحوية والإملائية التي ظل عبد الإله يصلح من حالها ويعدلها ويصوبها طوال عمره.

لم يتصوف أو يهرب إلى الروحانيات وكان مؤهلاً لذلك، من حيث وعيه الشفاف باللغة وقراءته الواسعة في التراث، وأشير إلى هذه النقطة تحديداً لأن البعض يفرون إلى التصوف ويغرقون فيه، ولا أدري كيف أشرح أن عبد الإله ظل بتمرده يمنحني (عن بُعد) طاقة هائلة للتمرد ورفض الخرافات وعدم الانجرار إلى ذلك اليقين المغلف بمغالطة النفس.

لا أستطيع الكتابة عنه بدبلوماسية لأنه لم يكن دبلوماسياً، وعندما يحاول أن يكون سرعان ما ينفجر ضاحكاً من نفسه ومن كل ما حوله، وفي كثير من المواقف الجادة كانت نظراته تخبرك أنه جاهز للضحك والتعبير عن السأم وكشف الزيف الذي يصنعه الجميع.

ولأن الجيل الأدبي الأحدث في الظهور يبدأ مسيرته وهو في حالة لا بأس بها من التعافي النفسي ومن الجاهزية للسخرية من كل شيء، كان عبد الإله ينقل تموضعه باستمرار من الجيل السابق إلى الجيل الأحدث، بحثاً عن التعايش مع الوعي الطازج والمتمرد والنقي. فما إن يخرب جيل ويستسلم أفراده للشكليات والحسابات السخيفة حتى يتركه القدسي إلى الجيل الأحدث، وهكذا ظل شاباً طوال حياته ونقياً من أمراض الكبار الذين يتضاءلون في عينيه ويستحقون سهام حكاياته وطرائفه ومروياته التي لا ترحم، ولم لا وهو جليس البردوني الساخر الأعظم.

وداعاً يا صديقنا الشاب يا حارس البهجة الأبدية.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

عاجل:الإعلان عن مجلس وطني قبل قليل

كريتر سكاي | 818 قراءة 

غارات متلاحقة على العاصمة صنعاء

العربي نيوز | 726 قراءة 

إعلان جديد من بنك صنعاء بشأن مصير هذه العملة الورقية

نيوز لاين | 584 قراءة 

اثار رعب السكان.. انفجارات عنيفة تهز صنعاء وسيارات الإسعاف تهرع إلى المكان

نافذة اليمن | 509 قراءة 

البنك المركزي بصنعاء يعلن تحديثاً جديداً لأسعار الصرف

يمن إيكو | 426 قراءة 

عاجل :شاهد اول صورة لحظة استهداف هجوم إسرائيلي لموقع هام في صنعاء(صورة)

كريتر سكاي | 410 قراءة 

عاجل:ساعات انقطاع وتشغيل كهرباء عدن اليوم

كريتر سكاي | 263 قراءة 

شركة حكومية كبرى تتجه لاعتماد الريال اليمني وتوقف التعامل بالعملات الأجنبية

نيوز لاين | 258 قراءة 

امريكا تبدأ حربا نوعية ضد الحوثيين

العربي نيوز | 223 قراءة 

الشركة اليمنية للغاز تعلن عن أسعار جديدة وتكشف موعد بدء العمل بها

يمن فويس | 218 قراءة