في وداع حارس البهجة الأبدية

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 69 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
في وداع حارس البهجة الأبدية

عندما رأيت الشاعر والأديب عبد الإله القدسي – الذي غادرنا قبل أيام – كان اللقاء في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وكان الرجل كعادته يحمل ذلك الوجه الذي يضحك ويسخر من كل شيء، وفي جوفه غضب من سخريات القدر ومن تفاهات البشر، وأمراض السلطويين ونفاق المدسوسين والمتسلقين الأغبياء.

كان شاباً في ملامحه من غزته شيخوخة القهر المفاجئ في غير أوان ومن دون استئذان. فاحتفظ بمرح يخالطه التمعن والتدبر، والصبر على واقع الحال من باب “مكره أخاك لا بطل”.

التهامي النبيل الذي تلخص حياته سيرة بلد نصبوا له مشنقة الماضي التي لم تسمح له بالتقدم خطوة واحدة صوب المستقبل. ولك أن تتخيل العائد من دراسة الصحافة في الاتحاد السوفيتي إلى وحل الواقع في وطن القبائل والجنرالات وحمران العيون الذين يشترون القصائد وينسبونها لأنفسهم، ويتربعون على كراسٍ ومواقع لا يستحقونها.

كان عبد الإله منا نحن الشباب الذين بدأت تجاربنا تزهر في التسعينيات، ولكنه كان أيضاً أستاذنا ومعلمنا الذي يتواضع محبة وزهداً وصدقاً وهو في بحثه الدؤوب عن النقاء الإنساني. لذلك صادق القدسي كل الأجيال، من جيل البردوني والمقالح والشحاري وعبد الباري وعبد الرحمن الأهدل إلى جيل ريان الشيباني وإياد دماج ومن تلاهم.

عبد الإله القدسي صورة حية لأديب كان يبحث عن مدينة ومدنية مفقودة، وعن وطن مرسوم في المخيلة لكنه لم يتحقق في الواقع، بل ظل حتى الآن يخبرنا أنه وطن الشعارات والأيديولوجيا والعسكر والحروب والانقلابات والقبائل والمتاريس والأخطاء الطباعية والنحوية والإملائية التي ظل عبد الإله يصلح من حالها ويعدلها ويصوبها طوال عمره.

لم يتصوف أو يهرب إلى الروحانيات وكان مؤهلاً لذلك، من حيث وعيه الشفاف باللغة وقراءته الواسعة في التراث، وأشير إلى هذه النقطة تحديداً لأن البعض يفرون إلى التصوف ويغرقون فيه، ولا أدري كيف أشرح أن عبد الإله ظل بتمرده يمنحني (عن بُعد) طاقة هائلة للتمرد ورفض الخرافات وعدم الانجرار إلى ذلك اليقين المغلف بمغالطة النفس.

لا أستطيع الكتابة عنه بدبلوماسية لأنه لم يكن دبلوماسياً، وعندما يحاول أن يكون سرعان ما ينفجر ضاحكاً من نفسه ومن كل ما حوله، وفي كثير من المواقف الجادة كانت نظراته تخبرك أنه جاهز للضحك والتعبير عن السأم وكشف الزيف الذي يصنعه الجميع.

ولأن الجيل الأدبي الأحدث في الظهور يبدأ مسيرته وهو في حالة لا بأس بها من التعافي النفسي ومن الجاهزية للسخرية من كل شيء، كان عبد الإله ينقل تموضعه باستمرار من الجيل السابق إلى الجيل الأحدث، بحثاً عن التعايش مع الوعي الطازج والمتمرد والنقي. فما إن يخرب جيل ويستسلم أفراده للشكليات والحسابات السخيفة حتى يتركه القدسي إلى الجيل الأحدث، وهكذا ظل شاباً طوال حياته ونقياً من أمراض الكبار الذين يتضاءلون في عينيه ويستحقون سهام حكاياته وطرائفه ومروياته التي لا ترحم، ولم لا وهو جليس البردوني الساخر الأعظم.

وداعاً يا صديقنا الشاب يا حارس البهجة الأبدية.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

عاجل: هجوم عنيف على سفينة تجارية قرب ميناء الحديدة "تفاصيل أولية"

جهينة يمن | 775 قراءة 

عاجل : أمن صنعاء يتحرك لإزالة هذه الصور من الشوارع

جهينة يمن | 450 قراءة 

مسؤول سياسي يزف أخبارًا واعدة.. انفراجة مرتقبة في المشهد اليمني

نيوز لاين | 426 قراءة 

حين يصبح نائب الشعب ضد الشعب.. تهافت دفاع شوقي القاضي عن علي عبدالله صالح

بيس هورايزونس | 373 قراءة 

تعطل سيارة لمواطن شمالي بعدن وهذا ما قام به جنود الحزام الأمني !

جهينة يمن | 371 قراءة 

مسؤول سياسي يزف أخبارًا واعدة.. انفراجة مرتقبة في المشهد اليمني

المرصد برس | 323 قراءة 

الفريق علي محسن الأحمر يظهر رسميًا في حدث تاريخي برئاسة ولي العهد السعودي

المرصد برس | 270 قراءة 

العثور على طفل حديث الولادة مرمي مدخل إحدى العمارات في صنعاء "صورة"

جهينة يمن | 264 قراءة 

فضيحة تهريب الغاز: مسؤول متورط في استنزاف حصة عدن ونقلها للخارج!

المرصد برس | 245 قراءة 

القضاء الأمريكي يُدين طرفًا جديدًا في شبكة دعم الحوثي

المشهد اليمني | 239 قراءة