في وداع حارس البهجة الأبدية

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 119 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
في وداع حارس البهجة الأبدية

عندما رأيت الشاعر والأديب عبد الإله القدسي – الذي غادرنا قبل أيام – كان اللقاء في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وكان الرجل كعادته يحمل ذلك الوجه الذي يضحك ويسخر من كل شيء، وفي جوفه غضب من سخريات القدر ومن تفاهات البشر، وأمراض السلطويين ونفاق المدسوسين والمتسلقين الأغبياء.

كان شاباً في ملامحه من غزته شيخوخة القهر المفاجئ في غير أوان ومن دون استئذان. فاحتفظ بمرح يخالطه التمعن والتدبر، والصبر على واقع الحال من باب “مكره أخاك لا بطل”.

التهامي النبيل الذي تلخص حياته سيرة بلد نصبوا له مشنقة الماضي التي لم تسمح له بالتقدم خطوة واحدة صوب المستقبل. ولك أن تتخيل العائد من دراسة الصحافة في الاتحاد السوفيتي إلى وحل الواقع في وطن القبائل والجنرالات وحمران العيون الذين يشترون القصائد وينسبونها لأنفسهم، ويتربعون على كراسٍ ومواقع لا يستحقونها.

كان عبد الإله منا نحن الشباب الذين بدأت تجاربنا تزهر في التسعينيات، ولكنه كان أيضاً أستاذنا ومعلمنا الذي يتواضع محبة وزهداً وصدقاً وهو في بحثه الدؤوب عن النقاء الإنساني. لذلك صادق القدسي كل الأجيال، من جيل البردوني والمقالح والشحاري وعبد الباري وعبد الرحمن الأهدل إلى جيل ريان الشيباني وإياد دماج ومن تلاهم.

عبد الإله القدسي صورة حية لأديب كان يبحث عن مدينة ومدنية مفقودة، وعن وطن مرسوم في المخيلة لكنه لم يتحقق في الواقع، بل ظل حتى الآن يخبرنا أنه وطن الشعارات والأيديولوجيا والعسكر والحروب والانقلابات والقبائل والمتاريس والأخطاء الطباعية والنحوية والإملائية التي ظل عبد الإله يصلح من حالها ويعدلها ويصوبها طوال عمره.

لم يتصوف أو يهرب إلى الروحانيات وكان مؤهلاً لذلك، من حيث وعيه الشفاف باللغة وقراءته الواسعة في التراث، وأشير إلى هذه النقطة تحديداً لأن البعض يفرون إلى التصوف ويغرقون فيه، ولا أدري كيف أشرح أن عبد الإله ظل بتمرده يمنحني (عن بُعد) طاقة هائلة للتمرد ورفض الخرافات وعدم الانجرار إلى ذلك اليقين المغلف بمغالطة النفس.

لا أستطيع الكتابة عنه بدبلوماسية لأنه لم يكن دبلوماسياً، وعندما يحاول أن يكون سرعان ما ينفجر ضاحكاً من نفسه ومن كل ما حوله، وفي كثير من المواقف الجادة كانت نظراته تخبرك أنه جاهز للضحك والتعبير عن السأم وكشف الزيف الذي يصنعه الجميع.

ولأن الجيل الأدبي الأحدث في الظهور يبدأ مسيرته وهو في حالة لا بأس بها من التعافي النفسي ومن الجاهزية للسخرية من كل شيء، كان عبد الإله ينقل تموضعه باستمرار من الجيل السابق إلى الجيل الأحدث، بحثاً عن التعايش مع الوعي الطازج والمتمرد والنقي. فما إن يخرب جيل ويستسلم أفراده للشكليات والحسابات السخيفة حتى يتركه القدسي إلى الجيل الأحدث، وهكذا ظل شاباً طوال حياته ونقياً من أمراض الكبار الذين يتضاءلون في عينيه ويستحقون سهام حكاياته وطرائفه ومروياته التي لا ترحم، ولم لا وهو جليس البردوني الساخر الأعظم.

وداعاً يا صديقنا الشاب يا حارس البهجة الأبدية.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

الزبيدي يضع شرطًا لمشاركة القوات الجنوبية في تحرير صنعاء

نيوز لاين | 740 قراءة 

محلل عسكري يكشف ورقة ضغط سياسية قد تُربك الحوثي والانتقالي

نيوز لاين | 605 قراءة 

مارب.. هجوم حوثي مباغت يسقط مواقع عسكرية وتشيّيع أكثر من 15 جنديًا قضوا بالمواجهات

الأمناء نت | 599 قراءة 

ظهور وزير بالشرعية وهو نائم اثناء الاجتماع بعيدروس الزبيدي في عدن

كريتر سكاي | 522 قراءة 

تصريحات أصالة نصري عن اليمن تثير الجدل من جديد.. ماذا قالت؟

المشهد اليمني | 479 قراءة 

اشتعال المعارك في مأرب اليمنية بين قوات الجيش و الحوثيين

يمن فويس | 475 قراءة 

تصعيد جديد في حضرموت.. هذه تفاصيله والجهة التي تقف وراءه!

موقع الأول | 457 قراءة 

اليمن.. الرئيس يعلن أهم أولويات المرحلة

مراقبون برس | 391 قراءة 

فيديو لمعارك شرسة بين مليشيا الحوثي والانتقالي الجنوبي.. ما حقيقته؟

المشهد اليمني | 381 قراءة 

عشبة القات تصل مكة المكرمة والقبض على مقيم بحوزته كمية كبيرة

يمن فويس | 343 قراءة