ما هو الدرس التاريخي الذي يجب أن نتعلمه من صمود غزة في ظل كل ماحدث من إبادة وتهجير قسري ؟! أنا أعتبره درسا تاريخيا عميقا ومذهلا يجسد العديد من القيم الإنسانية والسياسية التي يجب أن نتعلم منها في كل زاوية من زوايا حياتنا. هذا الصمود ليس مجرد مقاومة للألم والعنف، بل هو مقاومة للزمن والتاريخ نفسه، وتأكيد على أن الإنسان في مواجهة الأزمات الكبرى يملك القدرة على العيش بكرامة، رغم كل محاولات تدميره.
ولعل أول درس نستطيع استخلاصه من صمود غزة هو درس البقاء والإرادة. فقد خاضت غزة العديد من الحروب والاعتداءات العسكرية التي تسببت في تدمير أجزاء كبيرة من البنية التحتية، فضلا عن وقوع آلاف الضحايا من المدنيين. لكن رغم ذلك، لم تنكسر إرادة الشعب الفلسطيني في غزة. على أن هذا الصمود يثبت أن القدرة على البقاء تتجاوز حدود الألم والدمار، وأن الإنسان قادر على الصمود في مواجهة أقسى الظروف. فغزة لم تستسلم للقتل والتدمير، بل أظهرت للعالم أنه مهما كان حجم المحن، يبقى الإنسان قادرا على المقاومة والتمسك بالحياة.
كذلك تعلمنا غزة درسا عظيما في الوحدة والتضامن. فعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها، إلا أن المجتمع الغزاوي حافظ على تماسكه الاجتماعي. فلم تُفرِّقهم القسوة والدمار عن بعضهم البعض. إذ اجتمع الجميع من جميع الأطياف السياسية والدينية والاجتماعية تحت راية واحدة هي الحفاظ على الكرامة والحق في الحياة. إن هذا التضامن الشعبي بين مختلف أطياف المجتمع الفلسطيني في غزة يُعد نموذجا عالميا في كيفية مواجهة التحديات الكبرى بالوحدة وليس الانقسام.
والواقع أن من أبرز الدروس التي تقدمها غزة هو كيفية مقاومة التشريد والتهجير القسري. فقد عانت غزة، مثل العديد من المناطق الفلسطينية، من عمليات تهجير قسري وتهديدات مستمرة بفقدان الأرض. إلا أن أهل غزة ظلوا ثابتين في أرضهم، رغم محاولات إسرائيل تهجيرهم. إن تمسكهم بأرضهم وتاريخهم يُعد من أعمق أنواع المقاومة، حيث لا يتمثل الصمود في مجرد البقاء على قيد الحياة فحسب، بل في التمسك بكل ما هو مرتبط بالهوية الفلسطينية. هذا الصمود أمام محاولات اقتلاعهم من أرضهم يمثل رمزية قوية للنضال الفلسطيني على مر العصور.
من هنا فإن غزة تعكس كذلك درسا في التضحية والإنسانية. فقد دفع سكانها ثمنا باهظا جراء الممارسات الاحتلالية، من تدمير للمنازل إلى استهداف المدنيين، ولكنهم لم يفقدوا إنسانيتهم. فيما صمود الأطفال والنساء والشيوخ في غزة يُظهر للعالم أن العنف لا يمكنه محو الإنسانية في نفوس الأفراد، بل يُعزز الرغبة في البقاء والمقاومة. التضحية بالنفس لأجل الوطن والكرامة تُعد أعلى أشكال التعبير عن إنسانية الشعب الفلسطيني الذي آمن بحقه في الحياة والحرية مهما كلفه الأمر.
وفي السياق ذاته فمن الدروس التي يجب أن نتعلمها هو ضرورة السعي لتحقيق العدالة الدولية وحماية حقوق الإنسان. والحال أن غزة، بوصفها إحدى أكثر المناطق تعرضا لانتهاكات حقوق الإنسان، تُعد شاهدا حيا على فشل النظام الدولي في وقف العدوان وحماية المدنيين. كما أن هذا الفشل يعكس الحاجة الماسة لتفعيل دور المجتمع الدولي في فرض العدالة على المعتدين وحماية حقوق الشعوب المظلومة.
ولعل غزة تدعونا لإعادة التفكير في دور الأمم المتحدة والمحاكم الدولية في معالجة قضايا مثل الاحتلال والتهجير القسري.
والواقع أن غزة هي درس في كيف يمكن للمقاومة السياسية أن تتجاوز أساليب العنف المباشر. المقاومة في غزة لم تقتصر على الأفعال العسكرية فقط، بل اتسعت لتشمل المقاومة السياسية والشعبية والإعلامية. فالصمود الفلسطيني في غزة كان مدعوما بشبكة من الناشطين الذين سعوا جاهدين لإيصال قضيتهم إلى المحافل الدولية. هم صوت يرفع عنوة في وجه المظالم، ويصر على تقديم القضية الفلسطينية بشكلها العادل في مختلف المنابر العالمية. كما أن المقاومة الفكرية والإعلامية هي سلاح لا يقل قوة عن سلاح المقاومة العسكرية في تحفيز الشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي للضغط من أجل العدالة.
في الحقيقة، يجب أن نتعلم من صمود غزة أن التحديات الكبيرة لا يمكن التغلب عليها إلا عبر الإصرار والصبر والوحدة. كما لا يمكن لأي قوة أن تمحو هوية الشعب الفلسطيني أو أن تنتزع منه حقه في الحياة بكرامة. ذلك أن غزة ليست مجرد منطقة جغرافية، بل هي رمز لكل شعوب العالم التي تناضل من أجل العدالة والحرية. فصمود غزة هو في الواقع درس إنساني وتاريخي نحتاج أن نتبناه في مواجهة التحديات التي قد تواجهنا في حياتنا اليومية وفي نضالنا من أجل العدالة وحقوق الإنسان.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news