ما يشبه الاحتفاء برواية بلاد الورس للروائي نبيل بن سلام

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 29 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
ما يشبه الاحتفاء برواية بلاد الورس للروائي نبيل بن سلام

لعلها أول سردية أدبية للحياة اليومية في بلاد يافع الشهير بزراعة أجود أنواع البن في العالم فضلا عن زراعة شجرة الورس التي لا مثيل لها. الف مبارك نبيل عثمان بن سلام. كنت شاهدا على هذه الرواية منذ لحظة التخصيب حتى المخاض والولادة. على مدى ثلاث سنوات والشاب اليافعي الذي يشبه أسمه نبيل بن سلام مأخوذ في عوالم هذه الرواية المدهشة التي جمعت بين الواقع والخيال والحلم والأمل والبساطة والتعقيد والفلاحة والدراسة والسفر والهجرة والاغتراب وكشفت عن تنوع طبائع البشر وأخلاقهم ؛النبيلة واللئيمة وقيمهم ومنها ( الشجاعة والجبن والمرؤة والنذالة والنجدة والفسالة والإيثار والأنانية والوفاء والخيانة والحب والحقد والحسد والمودة والكراهية والمحبة. قرأتها ومازلت في طور التعضي، غضة في الأقمطة ومتشوق لقراءتها وقد صلب عودها ونضج جسمها وصارت ملىء ثوبها. وأنا اشهد على مقدار التعب والجهد والإصرار الذي بذله نبيل سلام من أجلها حتى صدرت أخيرا بالقاهرة الحبيبة.مبارك عليك نبيل سلام صدور (أفئدة الطير) . رواية تستحق القراءة والنقد والتقييم.

ربما تعود أهمية تلك الرواية الفريدة إلى كونها السردية الأدبية الوحيدة التي التقطت اللحظة الدرامية في تحول المجتمع المحلي من التقليد إلى الحداثة فقد عاش الناس في يافع الجبلية مئات وربما الآلاف السنين في فلك المجتمع التقليدي الذي تدور الحياة فيه حول محور الرعي والزراعة والقبيلة والشعر الشعبي وتعد المدة من منتصف القرن الماضي وحتى ثمانيناته حيث أحتدمت أحداث رواية بلاد الورس وتشكلت شخصياتها الفاعلة مثل لبيب العاشق المهاجر وليلى الحبيبة المقيدة وصالح الكوبي العائد من الاغتراب وعبيد الفلاح الحكيم وبدرية الأم الجشعة وفاطمة المرأة المكافحة و سعد البيزنطي الطفل المدلل الذي عجز عن القيام بمسؤليته تجاه ذاته وعروسته وغيرهم يمثلون شرائح وفئات اجتماعية جديدة لم تكن موجودة في المجتمع التقليدي اليافعي قبل الاستقلال الوطني ورحيل الاستعمار البريطاني في ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧م إذ كان الهويات التقليدية المهيمنة ( قبيلي ، شيخ، فقيه، سيد .الخ) على مدى ثلاثة عاما تقريبا جرى تحول عميق وعميق للبنى الاجتماعية التقليدية في الريف حيث ظهر أنماط من النشاطات والوظائف والممارسات الجديدة منها( طالب، مناضل، حزبي، عسكري، مغترب، تاجر، سائق، معلم، موظف، مهندس، طبيب ..الخ ) وبهذا صارت الحياة في الأرياف أكثر تعقيدا مما كانت عليه قبلها في سرعة التغيير وحركة المجتمع والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والقيمة والأفكار والأخلاق والتفضيلات وكل شيء تقريبا انقلب راساً على عقب! تلك هي اللحظة التي قبضت عليها الرواية وكشف عن طبيعتها الدرامية التي تشبه دراما المدينة في تعقيدها واتساع آفاقها بحث لم تعد أنماط التعبير التقليدية قادرة على وصفها كما كان قبل الانفتاح على العالم.

اقصد المجتمع اليافعي التقليدي المنغلق حيث كان الشعر الشعبي هو وسيلته الأكثر حضورا للتعبير عن ذاتها مكنونات النفوس ودخائلها إذ نبع من الممارسة اليومية الحية المباشرة للعيش في كنف هذه البيئة الطبيعية القاسية، ففي هذا النمط الثقافي أودع أهل يافع خبرتهم ومعرفتهم للحياة وتصوراتهم عنها في سياق ممارستهم المستمرة وصراعهم الأزلي معها، ففي هذا الشعر تظهر آثار أنماط السلوك والعادات وطرز العلاقات التي تربط بينهم، وتذوقهم الجمالي وقيمهم الأخلاقية وما يؤمنون به من معتقدات وأساطير وما يطمحون إليه من أحلام وآمال ورغبات، وطرق تخاطبهم مع بعضهم البعض ومع الآخرين، وطبيعة الأحداث التي مروا بها ووعيهم الذاتي لتاريخهم فالشعر الشعبي اشبه بالملحمة الشعبية التي تروي سيرة حياة يافع وأهلها بكل تفاصيلها، حيث تكشف القصيدة بطريقة لا شعورية عن عواطفهم وأفكارهم وحاجاتهم وأوهامهم وآمالهم وتعبر تلقائياً عن توافقهم مع البيئة التي تحيط بهم وحروبهم وانتصاراتهم وأفراحهم وأحزانهم، حبهم وكرههم، غضبهم وسرورهم، أنه أي الشعر الشعبي أغنية الأرض ؟؟؟ في أرضها.

‎ففي هذا الشعر النابع من أعماق الحياة اليومية يمكن للباحث أن يرى كيفية تعامل الناس هنا مع الحياة والموت، مع الزمان والمكان، مع الخير والشر، مع الحب والكره، مع المرأة والمطر، مع الوطن والقبيلة، مع الصديق والخصم، فهو مستودع الروح وحافظ أسرارها. وتكشف رموز الشعر اليافعي حقيقة الروح الثقافية لسكان هذه المنطقة الجبلية القاسية، ولما كانت يافع بحكم طبيعتها الصلبة والغليظة والجافة، إذن فهي في عطش دائم للمادة السائلة، في شوق متلهف للماء. ويلاحظ القارئ للشعر اليافعي أن المادة السائلة تتكرر دائماً في القصيدة اليافعية، فنادراً ما تخلو قصيدة شعبية في ذكر شيء سائل، غيث مطر، سيل، ممطر ورد، قهوة.. الخ. المهم هناك عنصر سائل دائم الحضور في مفردات القصيدة سواء كان مباشراً أو رمزاً، ألا يعيد ذلك عن التوق اللاشعوري للخصب والماء في بيئة يغلب عليها الجدب والجفاف الدائم وهكذا ادرك الشاب اللبيب نبيل عثمان بن سلام بحسه الإبداعي الذكي أن المجتمع اليافعي بعلاقاته الاجتماعية الحديثة بعد احتكاكه بالعالم الخارجي الواسع ليس الاحتكاك الاقتصادي والمادي فقط عبر السفر والهجرة والاغتراب وممارسة الوظائف الجديدة بل حتى بالاحتكاك الرمزي الروحي المتمثل بالأفكار والثقافة والرموز الجديدة من قبل ( الماوية الصينية والماركسية اللينينية، والاشتراكية والرأسمالية والثورة والجمهورية والتعليم والأحزاب وكل ما يتصل بالقيم والرموز الحديثة من التقنيات والأجهزة والخدمات والازياء والمواد الغذائية والتجميلية..الخ).

وهكذا يفعل الانفتاح على الآخرين والاحتكاك بهم دائما إذ إن وعي الذات وفهم الآخرين ليست من البساطة بحيث تنكشف للناس بذاتها ولذاتها دون عنأ أو جهد يذكر، بل هي عملية شديدة التعقيد وعسيرة الفهم، إذ قد يعيش الناس عشرات أو مئات السنين في بعض الحالات دون أن يتمكنوا من إختراق الحجب والأقنعة التي تحول دون وعيهم لذاتهم وللآخرين، فالذات إذا ما تركت لذاتها دون خبرة التفاعل والإحتكاك المباشر بالآخرين تظل عمياء ساذجة وفطرية غير واعية لذاتها وغير مدركة لهويتها التي تميزها عن هوياتهم المختلفة إذ بأضدادها تتمايز الأشياء! والطريق الوحيد لتحقيق كشف المحجوب عن الذات والآخر لا يتم إلا بالإحتكاك والتفاعل المتبادل بين الفاعلين الاجتماعيين في أثناء الممارسة الحياتية وتغذيتها الراجعة في سياق تفاعلي مقارن، فرصد الآخرين وتأويلهم هو الوسيلة الممكنة في فهم الذات؛ فالآخر هو دائماً مرآة الذات ومبعث هويتها. انفتح الريف على المدينة فصار يشبها في كثير من الأشياء ففي ريف عدن يافع التي تبعد عنها حولي ٨٠ كم يمكن رؤية الخدمات الحديثة في البيوت على طراز المدن(حمامات ، مطابخ، أثاث ، ادوات بناء وكهرباء وأجهزت تواصل واتصال حديثة..الخ. واشياء كثيرة أخرى منها انتشار شبابها في مختلف بلدان العالم من الشرق الأقصى في الصين إلى الغرب الأقصى في الولايات المتحدة الأمريكية وما بينهما في دول أوربا ودول الخليج إذ يعد ابناء يافع من المهاجرين اليمنيين الذين حققوا نجاحات مشهودة في بلدان الهجرة والاغتراب منذ زمن طويل فضلا عن اهتمامهم بالتعليم العالي في مختلف التخصصات العلمية فمنهم الأطباء والمهندسين والدبلوماسيين والمستثمرين والشعراء الشعبيين الكبار. وبفضل الموارد المكتسبة من جهود المهاجرين اليافعيين شهدت يافع نهضة تنموية في كثير من المجالات الخدمية: الطرق، والتعليم، والخدمات الصحية، والكهرباء، ومشاريع المياه الصحية والصرف الصحي، والأسواق والتجارة. فعلى صعيد التعليم تعد كلية التربية يافع المدعومة من رجل المال والأعمال المرحوم عمر قاسم العيسائي أحد أهم إيجابيات الهجرة اليافعية، فضلًا المدارس الكثيرة التي تم تشييدها بدعم المهاجرين في كثير من المناطق والقرى بيافع. وعلى صعيد تطوير حركة التجارة والتسوق الحديثة، يعد مشروع يافع مول والمحمل في سوق أكتوبر بيافع من أهم الإنجازات التي حققها الرأسمال اليافعي العائد من المهجر. وهما مشروعان بالغا الدلالة والرمزية على إيجابيات الهجرة اليافعية وفوائدها الملموسة اليوم في حياة السكان.

وحينما تتعقد الحياة الاجتماعية للناس تستدعي أشكال تعبيرية تستطيع لما شملها فاذا كان الشعر الشعبي بمختلف تنويعاته بحسب الباحث الأمريكي فلاح مللر الذي قسمه إلى ” شعر الحنو والشفقة، شعر الحب والغزل، شعر الفخر والحماسة، شعر الحكمة والموعظة، شعر التصوف والروح، وشعر الحنين إلى الوطن” إذ يرى أن “الوظيفة التي كانت للشعر في الماضي هي التي ساعدت على احتلاله هذه المكانة المتميزة في قلوب اليافعيين منذ القدم”، وهذا قول سليم إذ كان الشعر الشعبي يؤدي وظائف عملية حيوية متنوعة، حتى وقت قريب بوصفه أفضل وسيلة للتخاطب بين الناس، فهو وسيلة إبلاغ، وإعلان للمواقف، كما أنه وسيلة لتبادل التهاني أو للتعبير عن الغضب، وكثيراً ما سمعنا عن الحالات التي كان لبيت واحد أو بيتين من الشعر دوراً حاسماً فيها سلباً أو إيجاباً، فيمكن للشاعر أن يثير فتنة أو يطفيها، وكثيراً ما خدم الشعر في حل المشكلات الاجتماعية المستعصية، كقضايا الثأر والحروب القبلية. هذه الوظيفة الحيوية للشعر كانت سبب رئيسي لازدهاره في يافع، وكما أن الحوار بين الناس والسجالات الحامية بين الشعراء الشعبيين في الأعياد وأفراح الزواج والمناسبات الجمعية كان لها دور أساسي في شيوع الشعر في يافع وانتشاره الواسع بين الناس كمكون أساسي من مكونات ثقافتهم.

‎وقد ساعد الكاسيت على انتشار الشعر الشعبي اليافعي في عموم الوطن اليمني كله والجزيرة العربية، فلا تخلو مدينة يمنية من وجود أشرطة الشعر الشعبي اليافعي.

‎إن تقاليد الثقافة الشفاهية هي التي تفسر هيمنة الكلام المنظوم في نختلف فنون القول الشعبية، حيث نلاحظ أن البنية الشعرية تتحكم بنمط واسع من الأنماط الثقافية الأخرى في يافع، ومن ذلك يمكن الإشارة إلى الزامل والمحازي والأمثال والتهاليل الدينية.

‎الزوامل أحد أشكال فنون القول المنظوم وأكثر تأثيراً في حياة الناس، وعادة ما يرتجل الزامل من وحي اللحظة ليعبر عن طبيعة المقام. وللزامل وظائف متعددة في يافع من شحذ الحماسة أو الدعوة إلى لعمل والحرب وفك النزاعات والخصومات بين المتخاصمين، أو إثارة مشاعر الجماعة وشحن طاقاتها الانفعالية… الخ.

أما وقد تحدثت حياة الناس وصارت تشبه حياة أهل المدن فالرواية هي التعبير الفني الجدير بجمع شعث المبعثر وهكذا يمكن النظر إلى رواية نبيل سلام بوصفها مبادرة ذكية استدعتها الحاجة الحيوية للتطور القرية اليافعية وتعقد علاقاتها إلى حد يشبه علاقات المدن الحضرية فالرواية هي بنت المدينة وربيبتها، لأن نشأة الرواية كجنس أدبي ارتبطت بتطور المدن وظهور الحياة الحضرية الحديثة. فالرواية، بوصفها شكلاً أدبيًا سرديًا، تحتاج إلى بيئة اجتماعية وثقافية معقدة، وإلى شخصيات متنوعة، وعلاقات متشابكة، وهي عناصر تتوفر في المدينة أكثر من الريف أو البادية. إذ توفر المدينة فضاءً غنيًا بالشخصيات المتباينة في خلفياتها الاجتماعية والفكرية، مما يتيح للكاتب إمكانية رسم عوالم متعددة داخل نصه. فضلا عن كون المدن تشهد دائما تحولات سريعة تؤثر في الأفراد والمجتمع، وهو ما يشكل مادة خصبة للسرد الروائي وهكذا سوف يكتشف كل من يقرأ رواية بلاد الورس ل نبيل بن سلام أن يافع تغيرت كثيرا وأن ما شهدته ما تحولات ومتغيرات وما زالت تشهده بات من التنوع والتعقيد والثراء بما يجعله موضوعا ملهما للكثير من الروايات التي ألهمت ابن الفلاح البرازيلي جورج أمادوا في كتابة أجمل الروايات عن مزارعي البن وعاداتها وعلاقاتهم ومنها رواية فارس الرمال الرائعة. مبارك نبيل بن سلام برواية بلاد الورس وفي انتظار رواية قهوة الصباح.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

عاجل:مصادر تكشف حقيقة اندلاع معركة عسكرية في قلب صنعاء الليلة

كريتر سكاي | 1083 قراءة 

العليمي يستعد لتسليم الراية لرئيس جديد !

العربي نيوز | 899 قراءة 

اعلان حكومي هام بشأن تسوية الرواتب

العربي نيوز | 650 قراءة 

المليشيا ترتكب جريمة مروعة جديدة (تفاصيل)

العربي نيوز | 490 قراءة 

تصريحات جديدة هامة من السعودية حول اتفاق السلام في اليمن

نيوز لاين | 469 قراءة 

فضيحة جديدة ومجلجلة لأسرة عفاش (وثيقة)

العربي نيوز | 419 قراءة 

امن مارب يحسم جدل اعتصام الجرحى

العربي نيوز | 381 قراءة 

بيان لشرطة مارب يفجر مفاجأة كبرى

العربي نيوز | 338 قراءة 

المتهم بمحاولة اختطاف الوزراء في عدن بطائرة الى صنعاء يخرج عن صمته ويرد على الاتهامات.. ماذا قال؟

نيوز لاين | 287 قراءة 

أمريكا تدعو دول الخليج لدعم اليمن في المـ.ـعركة القادمة

صوت العاصمة | 263 قراءة