خاص
يشهد قطاع 5 النفطي في اليمن جدلاً واسعاً حول إدارة عمليات القطاع والصراع بين الشركاء على من يشغل هذا القطاع الحيوي. يتوزع هذا الصراع بين الشركاء الذين يمتلكون حصصًا في القطاع، حيث يتولى أحد الشركاء مسؤولية التشغيل، بما في ذلك إدارة العمليات، دفع المرتبات للموظفين، تنظيم الأمن والصيانة، وكذلك تحمل المسؤولية عن كل الجوانب التشغيلية. في المقابل، يحصل باقي الشركاء على حصصهم من الأرباح في نهاية كل عام، بعد إجراء محاسبة دقيقة تشمل التزامات المشغل من ضرائب وتأمينات وغيرها.
في هذا السياق، نشرت شركة "بترومسيلة" تقريرًا مفصلًا حول الإخفاقات التي وقعت فيها شركة "جنة هنت" المشغلة للقطاع تحت إشراف شركة "وايكوم"، التي تعد المشرف المباشر على العمليات. التقرير الذي تناول فترة تشغيل "جنة هنت" للقطاع يسلط الضوء على مجموعة من المخالفات الكبيرة التي تهدد استقرار العمليات في القطاع وأيضًا تضع مستقبل الشراكة أمام خطر حقيقي.
أحد أبرز القضايا التي تناولها التقرير كان التأخر الكبير في دفع مستحقات التأمينات الاجتماعية من قبل "جنة هنت"، حيث استمرت الشركة في دفع المستحقات لصالح صنعاء حتى مارس 2017، ما أثار تساؤلات قانونية من الحكومة حول هذه المدفوعات. كما كانت المدفوعات الضريبية من بين أبرز المخالفات التي تم رصدها في التقرير، حيث لم تلتزم الشركة بدفع الضرائب المستحقة طوال عدة سنوات، وعادت لتسديدها في وقت لاحق، مما خلق مزيدًا من الإشكاليات القانونية والمالية.
في نفس السياق، أصدرت محكمة الضرائب الابتدائية في صنعاء أمرًا بالحجز التحفظي على أصول شركة "جنة هنت" بقيمة 61.5 مليون دولار أمريكي. على الرغم من وجود اعتراضات على صلاحية هذا الحكم، إلا أن تنفيذ الحجز على الأصول قد يؤدي إلى تجميد الأرصدة الخاصة بالقطاع في البنوك اليمنية، ما يهدد قدرة الشركة على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الموظفين والمقاولين.
أيضًا، كشف التقرير عن حساب دوار فتحته "جنة هنت" في بنك اليمن الدولي، تم تمويله بمبلغ قدره 33.9 مليون دولار أمريكي، حيث شهد هذا الحساب العديد من التحديات القانونية بسبب الحجز الذي تم على أموال الشركة. كما أن البنك رفض إطلاق الأموال لصالح محكمة الضرائب أو أي سلطة غير شرعية في اليمن. ويثير هذا الموقف القلق بشأن قدرة الشركة على التعامل مع المخاطر المالية المستقبلية التي قد تنشأ نتيجة لهذا الوضع.
لم تقتصر المخالفات على الأمور المالية فحسب، بل شملت أيضًا القضايا العمالية والإدارية. في عام 2012، أبرمت "جنة هنت" اتفاقية مع نقابة موظفي قطاع 5 حول إنهاء الخدمة، إلا أن الاتفاقية كانت تفتقر إلى وضوح تام بشأن المستحقات والالتزامات الفعلية، مما يفتح المجال لاحتمالية حدوث نزاعات عند استحقاق المدفوعات. إضافة إلى ذلك، فشلت "جنة هنت" في إدارة اتفاقية خدمات الطاقة مع مجموعة السعدي التجارية، مما أدى إلى مطالبات مالية بقيمة 13.5 مليون دولار أمريكي.
واحدة من أكثر القضايا إثارة للقلق تمثلت في دفعات مالية بقيمة 6 مليون دولار أمريكي تم دفعها لأطراف محلية دون وجود أي عقود واضحة أو خدمات مقابل هذه المبالغ، وهو ما يشكل خرقًا واضحًا للإجراءات المتبعة في قطاع النفط. كما أن "جنة هنت" لم ترد على استفسارات "بترومسيلة" بشأن هذه المدفوعات، ما يزيد من الشكوك حول شفافية الشركة وسوء إدارتها.
علاوة على ذلك، أثار التقرير قضية تسوية بين "جنة هنت" وموظفي القطاع في عام 2020، حيث ادعى الموظفون أن الشركة خدعتهم بشأن الشروط التعاقدية الخاصة بالتسوية، مما يفتح المجال لاتهامات بالغش وسوء الإدارة. بالإضافة إلى ذلك، وُجهت انتقادات لشركة "جنة هنت" بسبب الطريقة التي تعاملت بها مع تخفيض المرتبات خلال فترة الإغلاق، حيث تم تنفيذ تخفيضات غير متساوية بين الموظفين دون أي مبرر منطقي، وهو ما قد يؤدي إلى استياء الموظفين ويزيد من المطالبات العمالية.
من الناحية القانونية، كانت "جنة هنت" قد تأخرت في الرد على المراجعة الخاصة بنقل التشغيل، حيث تجاوزت المدة المحددة 620 يومًا، ما يثير تساؤلات حول كفاءتها وشفافيتها. التقرير أكد أن الشركة لم تكن قادرة على تقديم الردود المناسبة، وأشارت إلى أن الشركة قد اعتمدت على مديرها السابق فقط في تقديم الردود، مما يعكس ضعفًا في إدارة القضايا المعقدة المتعلقة بالتشغيل.
فيما يتعلق بإدارة العقود، أظهرت "جنة هنت" مشاكل كبيرة في صياغة العقود وتنفيذها، ما أدى إلى العديد من النزاعات القانونية والمالية، بما في ذلك القضايا العمالية والمطالبات المالية.
أخيرًا، أثار التقرير قلقًا حول الجوانب القانونية لشركة "جنة هنت"، حيث طلبت "بترومسيلة" وثائق لمراجعة الوضع المؤسسي لشركة "جنة هنت" في نوفمبر 2022، إلا أن الشركة لم ترد على هذا الطلب حتى الآن. هذا يثير تساؤلات حول سلامة تشكيل الشركة، قانونية ملكيتها، ومدى تأثرها بالعقوبات الدولية.
في الختام، يكشف هذا التقرير عن سلسلة من الإخفاقات التي ارتكبتها "جنة هنت" أثناء فترة تشغيلها للقطاع، مما يهدد استقرار العمليات في قطاع النفط اليمني، ويضع الشراكة أمام تحديات كبيرة. يتطلب الوضع الحالي اتخاذ إجراءات جادة لتصحيح الأخطاء وتجنب المخاطر القانونية والمالية التي قد تؤثر على كافة الأطراف المعنية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news