في طفولتي كنت اسمع من عجائز أن هناك جن ولهم أوقات يمرون بها مثلا: قبل العصر وقبل المغرب ومع بزوغ الفجر، وإذا صادف مرورهم بمثل هكذا أوقات، وجود إنسان وهو متعطر أو مهندم أو يحمل مشاقر في مكان وضع مخلفات الرماد أو روث المواشي أو بيت مهجور أو…. إلخ، فإن ذلك يزعجهم أو يلفت نظرهم فيعشقونه ويقوم أحدهم بالدخول إلى جسم الإنسان والسكن فيه.
وحسب تلك العجائز بعض هؤلاء الجن إن انسجم أحدهم مع الشخص وتطورت علاقتهم إلى صداقة محاطة بالسرية والوفاء، يرق قلب الجني ويدل الشخص الذي يسكنه على كنز، فأعجبتني الفكرة، وقررت المداومة على التواجد في الأماكن المذكورة سابقا آملا أن أجد جني يسكنني وتوطيد صداقتي معه ليدلني على كنز.
مرت أيام وأيام وأيام وبدون فائدة، وفي يوم وصلت فيه لقناعة بأنه ليس لي حظ في ذلك، وجلست شاردا قرب مكان تضع فيه قريتنا مخلفات رماد مواقد الحطب وفجاءة سمعت حركة وركزت نظري، وإذا بمخلوق غريب الشكل والحركة يحاول التسلل خفية إلى وسط كومة الرماد دون أن يشعر بي.
حبست أنفاسي وشغلت حاسة الرقابة الدقيقة لمراقبة الكائن ذاك، وما أن وضع قدميه على الرماد فتح كيس وبدأ بوضع الرماد فيه وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة، وبحركة سريعة وخاطفة طرت عاليا ووقعت عليه وأمسكت به فارتعب مني وحاول الهروب ولكن عبثا فقد كنت أمسكته جيدا.
وبعد عراك وعناء قبل التحدث معي، وأخبرني أنه من الجن ويقوم بسرقة الرماد ليهديه إلى حبيبته التي تستخدمه مساحيق تجميل وأمور خاصة ” يعني حلفت له ما أذكرها”. ساعدته وعندما هم بالمغادرة طلبت منه أن يسكنني، فكان رده: لا استطيع لأنك سبقتني وسكنتني أول ما قفزت فوقي.
امتدت علاقتي به لأعوام، وكان مطلع كل أسبوع يحدث له صراع، ومع تطور حالة الصراع هذه أخذه أهله إلى شيخ من الجن ليعالجه، وكانت الطامة أنه مسكون بإنسان. وبعد تحرِ عرفت أسرته أني أنا الإنسان الذي سكن ولدهم، وعلى مدى شهر لم يتركوه يتحرك إلا وهم معه وهذا ضايقني كثيرا.
وفي إحدى الأيام تسلل وخرج لوحده فوجدته وضربته ضربا مبرحا ومنعته من جمع رماد لحبيبته، فعاد واشتكى لأسرته والتي جمعت ألف من الجن الأشداء وانتظروا إلى أن خيم الليل وجاءوا لي وايقضوني من النوم واخذوني إلى عاقلهم.
قيدوني بسلاسل وألتف حولي فرسان الجن وهم يوجهون رماح وسيوف نحوي لمنعي من الحركة، وأقيمت لي محاكمة وخصصوا لي محامي واستمرت جلسات المحاكمة لمدة عام كامل ليصدر حكم بات من القاضي يسمح لي بطلب مقابل الخروج من الجني، فطلبت سيارة شاص سوداء، غضب القاضي وصرخ قائلا: يا أهبل هذا جني أهبل مثلك لو كان معه عقل ما سكنت فيه ولا سيظل يسرق الرماد لحبيبته يغالطها أنه مساحيق تجميل.
صمتت القاعة ورفع القاضي الجلسة لدقائق، عاد القاضي وأكمل كلامه قائلا: يا بني أدم هذا جني أهبل ولا يوجد أمامك غير يلتزم لك بعشرين جونية رماد خلال مدة أقصاها نصف عام.
وأضاف: حتى نكون صادقين معك جواني الرماد لبست من التي تعرفون أنتم بني أدم بأننا نحن الجن نملكها بل جواني رماد وقهقه ضاحكا ثم قال ” حرام لو ترجع بها لقريتكم لتخرج أسرتك وكل القرية يعجنوك وسط الرماد عجن، هم يخرجوا الرماد وانت تجمعه وترجعه”.
لم أتمالك نفسي من الضحك وقبلت مغادرة جني الرماد هذا دون مقابل، وانتهت حكايتي مع الجن.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news