شهد البرلمان المغربي نقاشا محتدما حول موجة الغلاء التي طالت اللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك، حيث أعرب نواب من المعارضة والأغلبية عن قلقهم مؤخرا من هذا الوضع الذي يهدد القدرة الشرائية للمواطنين خصوصا مع اقتراب شهر رمضان وعيد الأضحى.
وانتقد نواب برلمانيون أداء الحكومة وعدم اتخاذها إجراءات فعالة لضبط الأسعار وتخفيف العبء عن الأسر المغربية، مؤكدين أن استمرار ارتفاع أسعار اللحوم يظهر أن الدعم الحكومي غير موجه بالشكل الصحيح، وأن هناك لوبيات تجارية تحتكر السوق وتستغل الأزمة لرفع الأسعار.
ودعت إحدى البرلمانيات المواطنين إلى مقاطعة المنتجات الأساسية كاللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك كوسيلة للضغط على المحتكرين والمسؤولين عن الغلاء، فيما شددت أخرى على دور "تجار الأزمات" في رفع الأسعار، مطالبة بتسقيفها وتقييم مخطط "المغرب الأخضر".
في المقابل، دافع نواب آخرون عن سياسات الحكومة، معتبرين أن الغلاء يعكس واقع الأزمات العالمية وتأثير الجفاف والتضخم على الاقتصاد الوطني، وأشاروا إلى أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، مثل دعم استيراد اللحوم وتخفيف تكاليف الإنتاج، ساهمت في ضمان وفرة نسبية بالأسواق، مطالبين بعدم التهويل والتشكيك في المجهودات المبذولة.
وفي رده على هذه الانتقادات، أكد وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، أن الحكومة بذلت مجهودات كبيرة لضمان تزويد الأسواق واستقرار أسعار المواد الغذائية الأساسية، رغم التحديات المناخية والأزمات المركبة التي أثرت على القطاع.
وأوضح المسؤول الحكومي أن ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء يرجع إلى أسباب من بينها زيادة الطلب على اللحوم البيضاء كبديل للحوم الحمراء بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل، مشيرا إلى أن إشكالية الأسعار هي مركبة وتشمل مختلف المتدخلين في منظومة الإنتاج والتوزيع.
"تسيب في الأسواق"
وفي تعليقه على ما أثاره ارتفاع الأسعار من جدل داخل البرلمان، يرى رئيس الاتحاد المغربي لجمعيات حماية المستهلكين بالمغرب، محمد كيماوي، أن "المغرب اليوم يعيش كارثة في قضية ارتفاع أسعار اللحوم بكل أنواعها ووصولها إلى مستويات قياسية إذ لم يعد الأمر مرتبطا بالغلاء وإنما بوجود تسيب في الأسواق بسبب غياب التدبير الحكومي الفعال".
ويتابع كيماوي حديثه لموقع "الحرة"، مؤكدا أن تداعيات الأزمات العالمية مثل كورونا والحرب الروسية الأوكرانية لم تعد تبرر هذا الوضع خاصة بعد زوال آثارها، وأشار إلى أن "تدخلات الحكومة لم تظهر نتائجها على أرض الواقع بل زادت الوضع تعقيدا بسبب سيطرة التجار على الأسواق في ظل غياب الرقابة"
وفي هذا الصدد، يدعو كيماوي الحكومة إلى تفعيل المادة 4 من قانون حرية الأسعار والمنافسة لتسقيف الأسعار بشكل مستعجل، محذرا من استمرار تفاقم الأزمة التي تهدد الاستقرار الاجتماعي، خصوصا مع اقتراب رمضان وعيد الأضحى، حيث قد تواجه الأسر صعوبة في تأمين احتياجاتها الأساسية.
"الذبح العشوائي"
ومن جانبه، يوضح الخبير الفلاحي ميلود الأخضر، أن غلاء اللحوم الحمراء والبيضاء يعود إلى عوامل عدة، أبرزها تأثير التغيرات المناخية التي أضعفت المراعي، وارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة بنسبة 90% نتيجة الأزمات الجيوستراتيجية، مشيرا إلى تراجع القطيع الوطني بسبب الذبح العشوائي للإناث، ما يؤثر على التوالد والتكاثر.
ويقول الأخضر في تصريح لموقع "الحرة"، إن "التدابير الحكومية مثل دعم استيراد اللحوم بمبالغ ضخمة لم تحقق الهدف المنشود، فقد بقيت الأسعار مرتفعة ولم تنعكس هذه التدابير إيجابا على المستهلك"، داعيا إلى إجراء دراسات تقييم شاملة للتأكد من فعالية هذه السياسات وأثرها الحقيقي على السوق.
ويقترح الخبير الفلاحي كحلول مستعجلة منع ذبح الإناث من المواشي لمنح القطيع فترة راحة بيولوجية للتكاثر مع فرض رقابة صارمة على عمليات استيراد وتوزيع اللحوم، مشددا على أهمية إعداد إحصاءات دقيقة للقطيع الوطني لتوجيه السياسات الفلاحية وضمان الأمن الغذائي على المدى المتوسط والطويل.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news