رئيس الوزراء يقود حملة لمكافحة الفساد وسط تحديات داخلية(تقرير)

في ظل أزمات اقتصادية خانقة ومعاناة يومية تثقل كاهل المواطن اليمني، تتوالى فضائح الفساد التي تنخر في جسد الدولة، كاشفة عن شبكات متنفذة تستغل موارد البلاد وثرواتها لتحقيق مكاسب شخصية، متجاهلة الاحتياجات الملحة للشعب. وبينما يتقدم رئيس الوزراء، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، الصفوف في معركة شجاعة ضد هذه الآفة المستشرية، تواجه جهوده عراقيل وتدخلات تُعيق مسار العدالة، مما يطرح تساؤلات حاسمة حول مدى جدية القيادة في اجتثاث الفساد وإعادة الاعتبار لسيادة القانون. فإلى متى سيبقى الفساد محميا؟ وإلى متى ستظل ثروات اليمن مستباحة لمصالح ضيقة؟

وفي إطار جهود الحكومة اليمنية لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، صرّح رئيس الوزراء الدكتور أحمد عوض بن مبارك بأن محاربة الفساد أصبحت نهجًا استراتيجيًا شاملًا، يحظى بدعم دولي ومحلي. وجاء هذا التصريح عقب سلسلة من الإجراءات الحازمة التي شملت إحالة مسؤولين في قطاع النفط والهيئات الحكومية إلى التحقيق بتهم فساد وإهدار المال العام.

قرارات حاسمة ضد الفساد في قطاع النفط

أصدر رئيس الوزراء قرارًا بإيقاف عادل الحمادي، القائم بأعمال رئيس شركة الاستثمارات النفطية "وايكوم"، وإحالته للتحقيق على خلفية محاولته بيع الحقل النفطي "5" بمحافظة شبوة بطريقة غير قانونية. وفقًا لمصدر حكومي، توجه الحمادي إلى القاهرة للتوقيع على اتفاقية لبيع الحقل دون الحصول على موافقة حكومية، ما دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات فورية لإقالته والتحقيق في تجاوزاته.

وفي خطاب رسمي، وجه رئيس الوزراء وزير النفط بوقف أي إجراءات لنقل ملكية القطاع النفطي "5" من شركة "بترو مسيلة" المملوكة للدولة، مؤكدًا ضرورة إبلاغ الشركاء وإلغاء أي تصرفات تمت خارج إطار الدراسة الحكومية.

حملة حكومية واسعة النطاق

تأتي هذه الإجراءات ضمن حملة حكومية شاملة لمحاربة الفساد في قطاع النفط ومصافي عدن وهيئات النفط. ووفقًا لتقارير حكومية، فإن حجم الفساد المكتشف في هذه القطاعات يقدر بنحو ملياري دولار. وصرح بن مبارك أن أولوياته تشمل إصلاح قطاعي النفط والاتصالات، مؤكدًا دعم مجلس القيادة الرئاسي لهذه الجهود.

التنمية المستدامة على أجندة الحكومة

أعلن رئيس الوزراء عن خطة وطنية للتعافي الاقتصادي تتضمن تعزيز التنمية المستدامة وتحويل التدخلات الطارئة إلى مشاريع طويلة الأمد. وبدأت الحكومة بتطبيق هذه الخطة في محافظة تعز كنموذج تجريبي، مع تطلع لتوسيع التجربة إلى محافظات أخرى مثل عدن وحضرموت ومأرب. ودعا بن مبارك إلى تعزيز التنسيق بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية والشركاء الدوليين، مشددًا على أهمية منح السلطات المحلية الصلاحيات اللازمة لتحقيق التنمية.

تحديات داخلية وتدخلات مثيرة للجدل

فيما تعمل الحكومة على مكافحة الفساد، تبرز تحديات داخلية تعيق الجهود المبذولة. فقد أشار الصحفي محمد المسبحي إلى تدخلات من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي تعطل الإجراءات التي يتخذها رئيس الوزراء ضد المسؤولين الفاسدين. واتهم المسبحي العليمي بإعادة الوضع إلى ما كان عليه، ما يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي في المناطق المحررة.

وفي السياق ذاته، انتقد الكاتب والناشط السياسي عبدربه العولقي ما وصفه بـ"عصابة النفط"، مشيدًا بشجاعة رئيس الوزراء في مواجهة التجاوزات الإدارية والقانونية. وأكد العولقي أن أبناء محافظة شبوة لن يسمحوا باستمرار استغلال مواردهم، متعهدًا بمواجهة أي محاولات للعبث بثرواتهم.

جدل حول إدارة قطاع العقلة النفطي

في تطور آخر، قررت شركة OMV S2 العاملة في قطاع العقلة النفطي بمحافظة شبوة إنهاء أعمالها بحلول نهاية عام 2024. وأشارت تقارير إلى تحركات يقودها عبدالحافظ العليمي، نجل رئيس مجلس القيادة الرئاسي، بالتنسيق مع وزير النفط سعيد الشماسي، لتعيين مشغل جديد للقطاع. وقد اقترحت هيئة استكشاف وإنتاج النفط شركة "بلو سكاي" كخيار لإدارة القطاع، لكن هذه الخطوة أثارت جدلًا واسعًا، حيث اتهم ناشطون العليمي باستغلال نفوذه العائلي للسيطرة على الموارد النفطية.

مطالب شعبية بمزيد من الشفافية

وسط هذه التطورات، تزايدت الدعوات الشعبية لمحاسبة الأطراف المتورطة في الفساد وإدارة الموارد الوطنية بشفافية. ويرى المراقبون أن الحكومة بحاجة إلى تكثيف جهودها لحماية ثروات البلاد وضمان توزيع عادل وعقلاني للموارد بما يخدم مصالح الشعب.

آفاق المستقبل

في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه اليمن، يبقى نجاح الحكومة في مكافحة الفساد وتعزيز التنمية المستدامة رهنًا بتكاتف الجهود الوطنية وتفعيل دور مؤسسات الرقابة والمحاسبة. وبينما تسعى الحكومة لتحقيق أهدافها، تتزايد التوقعات الشعبية بضرورة اتخاذ خطوات حاسمة لحماية موارد البلاد من الاستغلال وضمان مستقبل أفضل لجميع اليمنيين.