المعلم اليمني ونبي الله أيوب أعظم الصابرين.. قراءة في وأقع صفوف الثانوية اليمنية

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 39 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
المعلم اليمني ونبي الله أيوب أعظم الصابرين.. قراءة في وأقع صفوف الثانوية اليمنية

يكفي أن تنظر في عينيّ الأستاذ يحيى محمد، ولسوف تعرف معنى التعب، لا بريق ولا حماس، لم يعد صالحًا سوى للموت. إنك لتأسف لتلك النظرات المتوسلة وهي تنشد سلامها في التراب، وقد استنزف الجحيم كل صبرها.

قد تتساءل عن السبب الذي يجعله يواصل الحياة. وانت محق في ذلك، فالموت راحة لمن هم في مثل حالة الأستاذ يحيى محمد.

خصوصًا عند الأخذ بعين الاعتبار، فوضى البيئة وانحطاط ظروف العيش، واستحالة توفر كوخ على ضفة نهر بعيد، بمنأى عن كل الضجيج.

ولكن رغم كل ذلك، وعلى أية حال، فإن معلم الأحياء مستمر في العيش ويؤدي واجبه بأقصى ما يستطيع، عند كل صباح، طوال الموسم الدراسي، على ذات الدرب الذي شرع في قطعه قبل عقود ولم ينتهي حتى اليوم.

في الحقيقة ما دفعني للحديث عن الأستاذ يحيى، هو أنني علمت منذ أيام أن الأستاذ يحيى يتعرض بصورة متصلة لمضايقات من بعض تلاميذه في صفوف الثانوية.

المؤكد أن الطلبة المراهقين لا يدركون مبلغ بؤس معلمهم، وهو بدوره يرفض الإقرار أمامهم بالحالة المضنية التي بلغها، الأمر الذي يمحنهم فرصة التجاوز والعبث معه، باعتباره بخير، ولا بأس إن تحملهم قليلاً.

هذا في حين يتعرى طلبته على عللهم النفسية، ويفصحون عن الخراب في دواخلهم، يظل هو حصينًا، رصينًا، يحتفظ بضعفه ولا يكشف شيئاً عن حقيقة حاله. وذلك هو الصواب، فلو أنه تكشف لهم عن حقيقة ضعفه، وحدثهم عن التعب، وعن القهر، وعن هشاشته هو معلمهم الجسور، لأصابهم الرعب ولتفاقمت ازمتهم.

جاءت أيام وصِفَ الأستاذ يحيى فيها بالدناءة، وأعتُبر أكثر من مرة مُرتشياً ملعوناً من الله. غامر بالكرامة أجرى مقايضات مع الطلبة بشأن مستوياتهم لا تليق بمعلم ورجل ذو شعر اشيب، لكنها الحاجة.

كثيرا ما اضطر لمهادنة طلبته، احتمل دائماً نزق تصرفاتهم. كان في كل مرة يقابلهم بمزيد من الصبر، أوليس هو الواعي العارف بالحياة، وبعجز البشر. لو أنه عاملهم بمثل قسوة معاملة الحياة له، لارتكب جريمة، وانتهى إلى السجن.

لكنه تعلم كيف يفصل بين ضربات الحياة الموجهة نحوه، وكيف يضمن أن يسقطها ويحتويها لتنفجر في داخله، بمعزل عن الآخرين، وبالأخص طلبته الاشقياء. غير أن لا مناص من صدامات معهم من حين لآخر، حين يكف عبثهم عن كونه محتملاً، وحين يفقد هو السيطرة على انفعالاته، وحين يرافق كل ذلك عودة ذهنية لقبح الواقع، ولضعفه هو أمام التزاماته وضغوط حياته الهائلة.

يعرف الأستاذ يحيى جيداً أنه لا يوجد ما يمكن فعله، فالطلاب ضحايا مثله، مُحاصرون، إن قطيعة لا مرئية تفصلهم عن ذواتهم، يقظة ساخطة تتوهم الحصار عند كل التزام، فلا يجب لؤمهم وتعنيفهم، عليه بالصبر، وإن كان صبره يقتص من عافيته ويقتات مما بقت له من أيام.

تجري علاقة الأستاذ يحيى بتلاميذه ضمن دائرة نفسية معقدة، فلا هو اهلا للتعامل معهم ومداواة اعتلالاتهم النفسية، ولا هم على درجة من النضج تتيح لهم إدراك عذابات معلمهم العجوز.

عند هذا المستوى المعقد من عدم التفاهم، يقف الأستاذ يحيى بلا حول ولا قوة، حائراً فيما يفعل، مُلمّلِاً شتات نفسه الممزّقة فيما بين همومه حياته، وبين هذه الجوقة الصاخبة من الطلبة غير المهذبين، الذين ليس لهم من ذنب مع ذلك في كونهم غير مهذبين، وإنما هم ضحايا الواقع القبيح.

لا حاجة بي إلى القول أن الأستاذ يحيى ليس إلا واحداً من بين عشرات الآلآف من المدرسين اليمنيين الذين يواجهون ذات المشكلة.

في الواقع الجميع يتحدث عن الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه المعلم اليمني، وافتقاره لادنى مقومات العيش الكريم. غير أن أحداً لا يلتفت إلى هذا الوجه من المآساة الحقيقية في حياة المعلم اليمني.

مؤخرا التقيت الأستاذ يحيى محمد وبدا لي اكثر تعباً من اي وقت مضى، كان اقرب إلى كهل في التسعين من عمره منه إلى شاب بالكاد جاوز الخمسين، كان شديد النحول، هيئته رثّة، وملامحه  شاحبة غبراء لا حياة فيها.

وكما في كل مرة، تمنيت لو كان بمقدوري إعفاء هذا الكهل عناء المزيد من الحروب، لو أنه يستريح، ويذهب للعيش في ضفاف نهرٍ جميل.

على خطى اعظم الصابرين _ نبي الله ايوب _ يسير المعلم اليمني في درب العناء الطويل متوشِحاً إيمانه كما نبي شديد البأس والحكمة، مُرسِلاً اضواءه في قلب العتمة، محاولاً تلافي كل ما يمكن تلافيه في حياة جيلٍ يتهدده الضياع من كل جانب.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

تحولات جوية مفاجئة.. الأرصاد تكشف تفاصيل الطقس المتوقع في الساعات القادمة

حشد نت | 771 قراءة 

سوريا تحظر دخول بضائع ثلاث دول إلى أراضيها

حشد نت | 680 قراءة 

قناة أمريكية .. أبناء هذه الدولة الفقيرة هم أكرم شعب عربي

المشهد اليمني | 599 قراءة 

ما حقيقة اغتيال مصطفى المومري في صنعاء؟

عدن توداي | 545 قراءة 

مليشيا الحوثي تفرض حصارًا خانقًا على قبائل الغولة في عمران

حشد نت | 466 قراءة 

شاهد صورة المواطن الذي توفي مع زوجته غرقاً في بحر عدن

كريتر سكاي | 431 قراءة 

عاجل:الكشف عن حقيقة اغتيال اليوتيوبر مصطفى المومري في صنعاء الليلة

كريتر سكاي | 420 قراءة 

ضربات سعودية على معقل زعيم الحوثيين

كريتر سكاي | 411 قراءة 

فساد بملايين الدولارات: كيف يدفع المحرمي الاقتصاد اليمني إلى الهاوية؟

مساحة نت | 367 قراءة 

الكشف عن الطريقة التي غرق فيها رجل مع زوجته وطفلين بعدن

كريتر سكاي | 296 قراءة