خادمات".. "سوداوات".. تنمر لفظي يصنع مجتمعًا منعزلًا وممزقًا

     
الوطن توداي             عدد المشاهدات : 84 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
خادمات".. "سوداوات".. تنمر لفظي يصنع مجتمعًا منعزلًا وممزقًا

بسمة توفيق :

 

"يا خادمة".. صفة التصقت بمروى (اسم مستعار)، العشرينية التي تعرضت لأبشع أنواع التنمر بسبب لون بشرتها السوداء.

 

تقول مروى لمنصة هودج إن زميلاتها في المرحلتين الابتدائية والإعدادية كن يمارسن ضدها العنف اللفظي في الشارع عند عودتها من المدرسة.

 

تتحدث وغصة حزينة تخنقها: "عندما كنت أعود من المدرسة، كنت أسمع همساتهن: الخادمة أجت، الخادمة راحت، ما فيش أخدام يدرسوا، يا سوداء".

 

هذه العبارات أثرت في نفسية مروى، وأجبرتها على ارتداء اللثام في سن صغيرة لتغطية وجهها ويديها هربًا من المضايقات.

 

وتضيف: "للأسف، هذا لم يمنع استمرار التنمر والعنف اللفظي الذي استمر في ملاحقتي. لكني بعد إكمال الثانوية قلت لنفسي إن هذا الكابوس سينتهي".

 

أشارت مروى إلى أنها التحقت بالمعهد وكلها أمل في أن تنتهي معاناتها، حيث كانت تعتقد أن الناس في هذه المرحلة أكثر وعيًا ولن يستخدموا لفظ "خادمة" ولن يضعوا حواجز بناءً على لون البشرة.

 

غير أن أملها خاب عندما استمر التنمر، بل وزاد في شدته مقارنة بما كان في المرحلة الثانوية، ما اضطرها لاستخدام مساحيق التجميل في محاولة لتغيير مظهرها. لكن شيئًا لم يتغير، واستمروا في تلقيبها بـ"الخبز الأسمر المخلوط بالدقيق".

 

هذا الوضع دفع مروى إلى الانعزال في غرفتها والتخلي عن دراستها وأحلامها، بعدما تعرضت لصدمة نفسية حادة أضرت بمستقبلها.

 

ظلم اجتماعي

 

يرى شاكر الزعوري، مدير عام مكتب وزير الشؤون الاجتماعية والعمل السابق في عدن، أن العنف اللفظي الذي تتعرض له النساء ذوات البشرة السوداء جزء من مشكلة أعمق تتعلق بالتمييز العنصري والجنسي.

 

وأشار الزعوري لمنصة هودج إلى أن هذا التمييز يجعل النساء السوداوات عرضة للإهانة والتهميش، حيث يواجهن تمييزًا مزدوجًا: كنساء وذوات بشرة سوداء.

 

وأضاف أن هذه المعاناة تعكس أبعادًا مختلفة للظلم الاجتماعي الذي تعاني منه هذه الفئة في المجتمع.

 

عدم انتماء ودونية

 

تعتقد المديرة التنفيذية للمنظمة الوطنية لمواجهة الكوارث وتقديم الدعم النفسي بصنعاء والمدربة الدولية في العلاج الطبيعي، د. هاجر مصطفى بادي، أن التمييز العنصري يؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية والجسدية للنساء ذوات البشرة السوداء، سواء كان التمييز ضمنيًا أو صريحًا.

 

وتقول بادي لمنصة هودج إن التمييز يولد شعورًا بعدم الانتماء والدونية لدى النساء السوداوات، مما يؤدي إلى تراكم مشاعر سلبية مثل الخجل، وعدم الثقة بالنفس، والإحباط، والقلق.

 

وأضافت من الناحية الدينية أن ديننا وثقافتنا لا يفرق بين أبيض أو أسود، وأن الأحاديث النبوية تحث على المساواة بين الناس وتنبذ التمييز بكل أشكاله.

 

قصة الوحش

 

تحكي بادي قصة إحدى صديقاتها من ذوات البشرة السوداء التي عانت في المرحلة الثانوية من التنمر والانطواء، وكانت ترتدي اللثام والقفازات لتغطي وجهها ويديها طوال الوقت.

 

وتضيف: "اتخذت زميلتي مكانًا لها في آخر الفصل، وذات يوم وخلال تفتيش مفاجئ للواجبات، جلست بجوارها. حينها قالت لي: "ليش جلستي جنبي؟ هم يقولوا عني وحش". استغربت كلامها وسألتها: "وحش؟!"، لتخبرني عن التنمر الذي تعرضت له طوال مراحلها الدراسية، والذي أثر عليها نفسيًا بشدة".

 

وأضافت بادي أنها اقتربت منها حتى أصبحتا صديقتين، ما جعلها هي الأخرى تتعرض للتنمر من زميلاتها وحتى المديرة التي وصفتنا بـ"النقيضين: شديدة البياض وشديدة السواد".

 

ودعت بادي إلى ضرورة الاعتراف بإنسانية النساء السوداوات واستعادة حقوقهن المسلوبة.

 

مشكلة متجذرة

 

يرى رئيس اتحاد المهمشين والمجلس الوطني للأقليات في اليمن، نعمان الحذيفي، أن التنمر الذي تتعرض له النساء السوداوات جزء من ممارسات أوسع تستهدف السود عمومًا في المجتمع اليمني.

 

وأشار إلى أن هذه المشكلة متجذرة في السياق الاجتماعي والتاريخي والسياسي، وأنها ليست جديدة، بل تراكمت عبر الزمن وخلقت واقعًا غير عادل لفئة معينة من الناس.

 

وأضاف: "من المؤسف أن يتعرض السود للتنمر، لأن هذا السلوك يتنافى مع قيم وتعاليم الأديان التي تحث على المساواة وتحرّم التمييز العنصري القائم على اللون، الجنس، الدين أو المعتقد".

 

وتابع بأن القوانين والمواثيق الدولية تدين مثل هذه الممارسات، والنساء السوداوات اليمنيات لسن مذنبات بسبب لون بشرتهن، ولا يجب أن يكنّ ضحايا للتمييز أو الإيذاء.

 

عالم منغلق ومنعزل

 

"ألفاظ مقيتة صنعها أناس يشعرون بالنقص تجاهنا"، هكذا تحدثت دلال (اسم مستعار)، الثلاثينية المقيمة في صنعاء.

 

وتابعت: "المتنمرون على النساء السوداوات كثر، ولأسباب مرتبطة بالتمييز العنصري وأحيانًا الطبقي المتجذر في عقول البعض ممن يعتبرون أنفسهم مثقفين وهم في الحقيقة متخلفون".

 

وحذرت دلال من تصاعد مشاعر الحقد والكراهية تجاه السود، مشيرة إلى وجود عنف لفظي وجسدي وتمييز طبقي متزايد، حيث يُطلق على النساء السوداوات لقب "خادمات" وكأنهن غير مقبولات في المجتمع، مما يدفعهن إلى الانطواء.

 

واتهمت بعض وسائل الإعلام بإهانة النساء السوداوات والاستهزاء بهن في أعمالها الفنية والإعلامية.

 

واستدركت دلال بقولها: "لكن الحديث عن هذا الأمر لن يغير شيئًا سوى إعادة فتح جروح الألم من جديد؛ لأن ما نمر به يكفينا من خوف وقلق مستمرين بسبب التنمر والتعليقات السلبية في المدرسة، الشارع، وحتى في المجتمع".

 

وترى دلال أن ذلك أجبر السوداوات على الانعزال والابتعاد عن التفاعل الاجتماعي، ما أدى إلى تدني احترام الذات والشعور بعدم الانتماء.

 

تمييز طبقي

 

من خلال هذه القصص، يظهر أن النساء السوداوات يعانين من ضغوط نفسية هائلة تبدأ منذ الدراسة ولا تنتهي في العمل والأماكن العامة.

 

رئيس مؤسسة شباب النهضة في تعز، أكرم الشرعبي، أكد أن النساء السوداوات يعانين من التمييز العنصري والطبقي، ما يدفعهن إلى العمل في مهن متدنية الأجر كالتسول أو تنظيف الشوارع، حيث يواجهن المزيد من العنف الجسدي واللفظي.

 

تأهيل نفسي

 

أشارت الدكتورة هاجر بادي إلى أن الفتيات بطبيعتهن البيولوجية والنفسية حساسات تجاه هذا النوع من التمييز، وعندما يتعرضن للتنمر، يتم تجاهل احتياجاتهن النفسية، ما يزيد من معاناتهن مستقبلًا.

 

وأكدت على ضرورة تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للفتيات المتضررات من خلال تنظيم جلسات علاجية لمساعدتهن على العودة إلى حياتهن الطبيعية ومعالجة كل حالة بما يناسبها.

 

حلول ومعالجات

 

وأكد مدير مكتب الشؤون الاجتماعية السابق في عدن، شاكر الزعوري، أن الحلول تتطلب توعية مجتمعية وتعزيز قيم الاحترام بين الفئات المختلفة.

 

وأضاف أن المؤسسات يجب أن تتبنى برامج لزيادة الوعي حول تأثير العنف اللفظي والتمييز، وتوفير بيئة آمنة للنساء للتعبير عن تجاربهن.

 

كما دعا إلى سن قوانين صارمة تحمي النساء من التمييز وتوفر الدعم النفسي لهن من خلال جلسات علاجية تساعدهن على العودة إلى حياتهن الطبيعية.

 

ومن جهته، أشار الشرعبي إلى أن تمكين المرأة ماليًا يعد حلاً مهمًا لحمايتها ودعمها في مواجهة التمييز والعنف اللفظي.

 

 

نُشرت هذه المادة في 

منصة هودج

، صحيفة

الوطن توداي 

تعيد نشرها بناء على مذكرة تفاهم مشتركة تتعلق بنشر المواد الصحفية التي يتم إعدادها في إطار مشروع "يمانيات".

 

 


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

عاجل: في تطور خطير... الإعلان قبل قليل عن إلقاء القبض على جاسوس يمني يعمل لصالح الموساد الإسرائيلي

جهينة يمن | 722 قراءة 

عاجل : أمريكا تصدر بيان هام حول اليمن

جهينة يمن | 463 قراءة 

سبب غير متوقع وراء اشتباكات مأرب العنيفة.. مصادر تكشف التفاصيل الصادمة!

نيوز لاين | 357 قراءة 

من ‎عدن إلى حضرموت.. سواحل الجنوب بانتظار الطوفان!

صوت العاصمة | 318 قراءة 

"ارحل من أمريكا!"..ترامب يصفع ماسك بعقوبات قاسية وصلت 150 مليار في يوم واحد.. والأخير يفتح النار: "لولاي لخسرت!"

يني يمن | 314 قراءة 

سبب غير متوقع وراء اشتباكات مأرب العنيفة.. مصادر تكشف التفاصيل الصادمة!

المرصد برس | 299 قراءة 

اقتحام معسكر الحرس الرئاسي يُلغي الهدنة ويُعيد الاشتباكات إلى ميدان المواجهة في مأرب

جهينة يمن | 282 قراءة 

خبير اقتصادي يمني يخذر المواطنين من عمليه احتيال يقوم بها الصرافين بحق حولاتهم..تفاصيل مايحدث

المرصد برس | 280 قراءة 

بأكثر من 8 لغات..شاب يمني يثير الإعجاب بتفوقه في الترجمة وخدمته للحجاج ويجذب انظار العالم!

نيوز لاين | 261 قراءة 

ألفت الدبعي تؤدي صلاة العيد في قصر معاشيق.. حضور يلفت الأنظار

المرصد برس | 252 قراءة