خادمات".. "سوداوات".. تنمر لفظي يصنع مجتمعًا منعزلًا وممزقًا

     
الوطن توداي             عدد المشاهدات : 129 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
خادمات".. "سوداوات".. تنمر لفظي يصنع مجتمعًا منعزلًا وممزقًا

بسمة توفيق :

 

"يا خادمة".. صفة التصقت بمروى (اسم مستعار)، العشرينية التي تعرضت لأبشع أنواع التنمر بسبب لون بشرتها السوداء.

 

تقول مروى لمنصة هودج إن زميلاتها في المرحلتين الابتدائية والإعدادية كن يمارسن ضدها العنف اللفظي في الشارع عند عودتها من المدرسة.

 

تتحدث وغصة حزينة تخنقها: "عندما كنت أعود من المدرسة، كنت أسمع همساتهن: الخادمة أجت، الخادمة راحت، ما فيش أخدام يدرسوا، يا سوداء".

 

هذه العبارات أثرت في نفسية مروى، وأجبرتها على ارتداء اللثام في سن صغيرة لتغطية وجهها ويديها هربًا من المضايقات.

 

وتضيف: "للأسف، هذا لم يمنع استمرار التنمر والعنف اللفظي الذي استمر في ملاحقتي. لكني بعد إكمال الثانوية قلت لنفسي إن هذا الكابوس سينتهي".

 

أشارت مروى إلى أنها التحقت بالمعهد وكلها أمل في أن تنتهي معاناتها، حيث كانت تعتقد أن الناس في هذه المرحلة أكثر وعيًا ولن يستخدموا لفظ "خادمة" ولن يضعوا حواجز بناءً على لون البشرة.

 

غير أن أملها خاب عندما استمر التنمر، بل وزاد في شدته مقارنة بما كان في المرحلة الثانوية، ما اضطرها لاستخدام مساحيق التجميل في محاولة لتغيير مظهرها. لكن شيئًا لم يتغير، واستمروا في تلقيبها بـ"الخبز الأسمر المخلوط بالدقيق".

 

هذا الوضع دفع مروى إلى الانعزال في غرفتها والتخلي عن دراستها وأحلامها، بعدما تعرضت لصدمة نفسية حادة أضرت بمستقبلها.

 

ظلم اجتماعي

 

يرى شاكر الزعوري، مدير عام مكتب وزير الشؤون الاجتماعية والعمل السابق في عدن، أن العنف اللفظي الذي تتعرض له النساء ذوات البشرة السوداء جزء من مشكلة أعمق تتعلق بالتمييز العنصري والجنسي.

 

وأشار الزعوري لمنصة هودج إلى أن هذا التمييز يجعل النساء السوداوات عرضة للإهانة والتهميش، حيث يواجهن تمييزًا مزدوجًا: كنساء وذوات بشرة سوداء.

 

وأضاف أن هذه المعاناة تعكس أبعادًا مختلفة للظلم الاجتماعي الذي تعاني منه هذه الفئة في المجتمع.

 

عدم انتماء ودونية

 

تعتقد المديرة التنفيذية للمنظمة الوطنية لمواجهة الكوارث وتقديم الدعم النفسي بصنعاء والمدربة الدولية في العلاج الطبيعي، د. هاجر مصطفى بادي، أن التمييز العنصري يؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية والجسدية للنساء ذوات البشرة السوداء، سواء كان التمييز ضمنيًا أو صريحًا.

 

وتقول بادي لمنصة هودج إن التمييز يولد شعورًا بعدم الانتماء والدونية لدى النساء السوداوات، مما يؤدي إلى تراكم مشاعر سلبية مثل الخجل، وعدم الثقة بالنفس، والإحباط، والقلق.

 

وأضافت من الناحية الدينية أن ديننا وثقافتنا لا يفرق بين أبيض أو أسود، وأن الأحاديث النبوية تحث على المساواة بين الناس وتنبذ التمييز بكل أشكاله.

 

قصة الوحش

 

تحكي بادي قصة إحدى صديقاتها من ذوات البشرة السوداء التي عانت في المرحلة الثانوية من التنمر والانطواء، وكانت ترتدي اللثام والقفازات لتغطي وجهها ويديها طوال الوقت.

 

وتضيف: "اتخذت زميلتي مكانًا لها في آخر الفصل، وذات يوم وخلال تفتيش مفاجئ للواجبات، جلست بجوارها. حينها قالت لي: "ليش جلستي جنبي؟ هم يقولوا عني وحش". استغربت كلامها وسألتها: "وحش؟!"، لتخبرني عن التنمر الذي تعرضت له طوال مراحلها الدراسية، والذي أثر عليها نفسيًا بشدة".

 

وأضافت بادي أنها اقتربت منها حتى أصبحتا صديقتين، ما جعلها هي الأخرى تتعرض للتنمر من زميلاتها وحتى المديرة التي وصفتنا بـ"النقيضين: شديدة البياض وشديدة السواد".

 

ودعت بادي إلى ضرورة الاعتراف بإنسانية النساء السوداوات واستعادة حقوقهن المسلوبة.

 

مشكلة متجذرة

 

يرى رئيس اتحاد المهمشين والمجلس الوطني للأقليات في اليمن، نعمان الحذيفي، أن التنمر الذي تتعرض له النساء السوداوات جزء من ممارسات أوسع تستهدف السود عمومًا في المجتمع اليمني.

 

وأشار إلى أن هذه المشكلة متجذرة في السياق الاجتماعي والتاريخي والسياسي، وأنها ليست جديدة، بل تراكمت عبر الزمن وخلقت واقعًا غير عادل لفئة معينة من الناس.

 

وأضاف: "من المؤسف أن يتعرض السود للتنمر، لأن هذا السلوك يتنافى مع قيم وتعاليم الأديان التي تحث على المساواة وتحرّم التمييز العنصري القائم على اللون، الجنس، الدين أو المعتقد".

 

وتابع بأن القوانين والمواثيق الدولية تدين مثل هذه الممارسات، والنساء السوداوات اليمنيات لسن مذنبات بسبب لون بشرتهن، ولا يجب أن يكنّ ضحايا للتمييز أو الإيذاء.

 

عالم منغلق ومنعزل

 

"ألفاظ مقيتة صنعها أناس يشعرون بالنقص تجاهنا"، هكذا تحدثت دلال (اسم مستعار)، الثلاثينية المقيمة في صنعاء.

 

وتابعت: "المتنمرون على النساء السوداوات كثر، ولأسباب مرتبطة بالتمييز العنصري وأحيانًا الطبقي المتجذر في عقول البعض ممن يعتبرون أنفسهم مثقفين وهم في الحقيقة متخلفون".

 

وحذرت دلال من تصاعد مشاعر الحقد والكراهية تجاه السود، مشيرة إلى وجود عنف لفظي وجسدي وتمييز طبقي متزايد، حيث يُطلق على النساء السوداوات لقب "خادمات" وكأنهن غير مقبولات في المجتمع، مما يدفعهن إلى الانطواء.

 

واتهمت بعض وسائل الإعلام بإهانة النساء السوداوات والاستهزاء بهن في أعمالها الفنية والإعلامية.

 

واستدركت دلال بقولها: "لكن الحديث عن هذا الأمر لن يغير شيئًا سوى إعادة فتح جروح الألم من جديد؛ لأن ما نمر به يكفينا من خوف وقلق مستمرين بسبب التنمر والتعليقات السلبية في المدرسة، الشارع، وحتى في المجتمع".

 

وترى دلال أن ذلك أجبر السوداوات على الانعزال والابتعاد عن التفاعل الاجتماعي، ما أدى إلى تدني احترام الذات والشعور بعدم الانتماء.

 

تمييز طبقي

 

من خلال هذه القصص، يظهر أن النساء السوداوات يعانين من ضغوط نفسية هائلة تبدأ منذ الدراسة ولا تنتهي في العمل والأماكن العامة.

 

رئيس مؤسسة شباب النهضة في تعز، أكرم الشرعبي، أكد أن النساء السوداوات يعانين من التمييز العنصري والطبقي، ما يدفعهن إلى العمل في مهن متدنية الأجر كالتسول أو تنظيف الشوارع، حيث يواجهن المزيد من العنف الجسدي واللفظي.

 

تأهيل نفسي

 

أشارت الدكتورة هاجر بادي إلى أن الفتيات بطبيعتهن البيولوجية والنفسية حساسات تجاه هذا النوع من التمييز، وعندما يتعرضن للتنمر، يتم تجاهل احتياجاتهن النفسية، ما يزيد من معاناتهن مستقبلًا.

 

وأكدت على ضرورة تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للفتيات المتضررات من خلال تنظيم جلسات علاجية لمساعدتهن على العودة إلى حياتهن الطبيعية ومعالجة كل حالة بما يناسبها.

 

حلول ومعالجات

 

وأكد مدير مكتب الشؤون الاجتماعية السابق في عدن، شاكر الزعوري، أن الحلول تتطلب توعية مجتمعية وتعزيز قيم الاحترام بين الفئات المختلفة.

 

وأضاف أن المؤسسات يجب أن تتبنى برامج لزيادة الوعي حول تأثير العنف اللفظي والتمييز، وتوفير بيئة آمنة للنساء للتعبير عن تجاربهن.

 

كما دعا إلى سن قوانين صارمة تحمي النساء من التمييز وتوفر الدعم النفسي لهن من خلال جلسات علاجية تساعدهن على العودة إلى حياتهن الطبيعية.

 

ومن جهته، أشار الشرعبي إلى أن تمكين المرأة ماليًا يعد حلاً مهمًا لحمايتها ودعمها في مواجهة التمييز والعنف اللفظي.

 

 

نُشرت هذه المادة في 

منصة هودج

، صحيفة

الوطن توداي 

تعيد نشرها بناء على مذكرة تفاهم مشتركة تتعلق بنشر المواد الصحفية التي يتم إعدادها في إطار مشروع "يمانيات".

 

 

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

خالد سلمان يكشف عن زلزال عسكري قادم نحو تعز والبيضاء.. وساعات لحسم مصير محور الجبولي

نافذة اليمن | 833 قراءة 

اليمن مات. وهذا ما سيحلّ مكانه!

الوطن العدنية | 760 قراءة 

اول ضربة جوية على قوات الانتقالي بوادي حضرموت (تفاصيل)

مراقبون برس | 593 قراءة 

إعلان رسمي: أول مدينة في اليمن تحظر السلاح وتتوعد المخالفين بالعقوبات

نيوز لاين | 577 قراءة 

منفذ الوديعة يفرض شرطاً جديداً على المغتربين اليمنيين

المشهد اليمني | 428 قراءة 

هل اكتشفت الرياض أن قوات الدرع التي بنتها غير جاهزة للمواجهة؟

الوطن العدنية | 422 قراءة 

حسين الجسمي يستفز الشعب اليمني.. اكتشف القصة

المشهد اليمني | 416 قراءة 

شرطاً جديداً يفرضه منفذ الوديعة على المغتربين اليمنيين

يمن فويس | 412 قراءة 

باسندوة: أتمنى الموت قبل أن أرى تقسيم اليمن

قناة المهرية | 368 قراءة 

رئيس الوزراء الأسبق ‘‘باسندوة’’ يخرج عن صمته ويعلن موقفه من سيطرة الانفصاليين على حضرموت والمهرة: أتمنى الموت قبل أن أرى هذا الأمر!!

المشهد اليمني | 289 قراءة